"شاب في التسعين من عمره يبحث عن فتاة في العشرين من عمرها، عازبة، هيفاءة القامة، نانسية الضحكة، قادرة على تفهم مراهقة التسعين ومستعدة للتكيف مع الشخير، متدربة ستة أشهر في الصيدلية لتكون قادرة على التمييز بين الأدوية وضابطة لأوقات تناولها. ومن المستحسن أن تكون مجيدة للغة الإنجليزية لتترجم أفلام الأكشن". لا أظنكم ستستغربون أو ستستنكرون مثل هكذا إعلان إن وجدتموه في الجرائد والمجلات، بل إن أغلبكم سيتعاطف مع هذا الرجل الذي بلغ من العمر عتيا والذي من حسن حظه أن توفيت زوجته ليكون بذلك قد ارتاح من تلك الآلة القديمة التي تخربت بفعل التضحيات وأصبحت غير قادرة على تنفيذ مهامها كما يجب. ليتفرغ بعد ذلك وهو في زهرة شيخوخته ويعيش أيامه المتبقية في مرح وفرفشة. يبدو أن الكثير منكم غاضب من كلامي هذا وسيصيح في وجهي" ويحك يا امرأة إنه حقه الشرعي" وأجيب هؤلاء " ويحكم يا رجال لكم تصبحون متمسكين بالشرع عندما يتعلق الأمر بحقوقكم الزوجية. وكأن أعينكم تخرج من مكانها وتحمر وجوهكم وتعضون بأنيابكم على الشرع الذي تمزقونه بكرة وعشيا" وأنا لست هنا بصدد انتقاد الشرع الذي رخص للرجل الحق في الزواج بأخرى وهي رخصة مشروطة بالعدل. ولست بالمعادية لحق الرجل بالزواج بعد وفاة زوجته. غير أني أحاول تسليط الضوء حول مساهمة المجتمع الذكوري في تقديس غرائز الرجل حتى حولوه إلى مجرد جسد يسعى لإشباع غرائزه بشكل مقرف ودون مراعاة احترام حقوق الآخر. هذا فيما مطلوب من الأرملة أن تكون ملاكا بعد رحيل زوجها ورهبانية أكثر من الراهبات أنفسهن. لأن زواج امرأة في الستين من عمرها مثلا هو عيب ومهزلة يجب أن لا تحدث. ألم تلحظوا ماذا يحدث عندما تسقط الزوجة طريحة الفراش ؟ بماذا يكون العجوز منشغلا يا ترى؟ هل يرثى لحال زوجته التي أهدته روحها وفكرها وجسدها من أجل أن يعيش هو وأبناؤه؟ في أغلب الحالات لن يفكر بذلك ولن يكترث بأنين تلك العجوز المزعجة. بل سيعيش في مخيلته أحلى الليالي والأيام مع عروسة المستقبل. وماذا يحدث إن توفيت الزوجة؟ هل سيحزن وسيعلن الحداد عن جنازة امرأة؟ أم أن الأرمل المصون سيقف أمام الباب ممعنا النظر في الداخلة والخارجة من أجل اصطياد فتاة أحلامه وفق مواصفاته الخاصة. هذا فيما سينشغل كل أفراد العائلة في التنقيب في كل أرشيف العائلة عن فتاة مناسبة لعريس الغفلة. حسنا لا بأس فمن حقه أن يتزوج لكن ليس من حقه يغتصب حياة فتاة في مقتبل العمر مستغلا ظروفها المادية الصعبة وجهل أسرتها. دعوني أضع لكم إعلانا آخر: " أرملة في الستين من عمرها، تبحث عن زوج، السن لا يهم، مقيم بالمدينة أو البادية لا يهم، الشكل لا يهم، متفهم لأرملة تحتاج إلى رعاية وحنان."
أعلم أنكم ستنعتون صاحبة هذا الإعلان المفترض بأبشع الأوصاف وتقولون عجوز تخرف وقليلة الأدب. فرغم أن الشاب الذي بلغ تسعون سنة من عمره والمرأة الستينية تجمعهما نفس الحاجة البشرية إلى شريك، غير أن هذا المجتمع يأبى إلا أن يمنح الرجل كارتا أبيضا لممارسة كل حقوقه وحماقاته وحتى فضائحه، فيما يشهر الكارت الأحمر مباشرة في وجه المرأة لمجرد أن تفكر في حق من حقوقها لم يصادق عليه هذا المجتمع الذكوري بعد.
التعليقات (0)