لم يعد السؤال مطروحا بصيغة كم مرة احتج الجزائريون بقطع الطريق العمومي، ولكن أضحى البحث جاريا عن كم مرة انتفض فيها المواطنون دون غلق الشارع وحرق العجلات المطاطية، بعدما تحول الاحتجاج وقطع الطريق العمومي إلى سلوك حوله إجماع، بدليل أن الأغلبية الساحقة من شكاوى الجزائريين وتجمعاتهم المطلبية، لم تجد سوى الشارع ليحتضنها ويدفع بالمسؤولين إلى الهرولة إليها. قد يرى البعض في هذا السلوك تهورا وإخلالا بالأمن وعنفا يمارسه الشعب ضد حكومته، ويعتبره آخرون نتيجة منطقية لانسداد قنوات الحوار بين الشعب ومؤسساته المنتخبة وعدم تحمل للمسؤولية بين الوالي، المير ونائب البرلمان وحتى لدى منظمات المجتمع المدني. لكن لما يتحول الطريق والشارع إلى المجال المفضل للجزائريين لإفراغ شحنة الغضب والتعبير عن المطالب الاجتماعية والتنموية والحقوق المهضومة، فهو مؤشر على أن مؤسسات الدولة لم تعد قادرة على تأطير النقاش العام وتجاوزتها الأحداث، بعدما سدت آذانها وأتلفت سجلات تظلمات شعبها وسرحت موظفي العلاقات العامة المشرفين على استقبال قاصدي الهيئات والوزارات. الأخطر أن الجزائريين الغاضبين لم يكتفوا بالخروج للشارع لحرق وغلق الطرق بالمتاريس أمام صمت الجهات الوصية، ولكنهم تجاوزوا ذلك وانتقلوا إلى مراسلة الهيئات الدولية كالأمم المتحدة وأمنيستي أنترناشيونال والمكتب الدولي للعمل لتتكفل بمطالبهم، وهو ما يعني ببساطة أن المؤسسات الجزائرية في نظر المواطنين توجد في حكم المستقيل.
مسؤولون يستخفّون بشكاوى المواطنين ويعرقون بعد حرق العجلات المطاطية
الدودانات أغلقت أكثر من طريق وأحرقت أكثر من مدينة
أصبح دافع أي احتجاج في بلدية ما لا يخرج عن مطالب أضحت مألوفة ومكررة لدى الجزائريين، ورغم بساطتها كتوفير الماء والغاز والكهرباء، وقلة شأنها كنصب الممهلات الدودانات، إلا أنها أسالت العرق البارد للكثير من المسؤولين المحليين ولاسيما عندما يتعلق الأمر باهتزاز كراسيهم في البلديات والدوائر.
لا يجد المواطنون المارون عبر الطرق الوطنية والولائية وحتى البلدية في أي ولاية جزائرية، صعوبة في معرفة دوافع خروج مواطني أية بلدية للطريق العمومي وحرق العجلات ونصب المتاريس، كونهم يعرفون مسبقا أن أي احتجاج من هذا النوع لا بد أن يكون وراءه، إما ندرة في الماء أو الغاز أو حدوث تجاوزات في توزيع السكنات أو وفاة أحد التلاميذ نتيجة إغفال البلدية نصب الممهلات.
ورغم بساطة هذه المطالب التي تجمع بشأنها أغلب شهادات المنتخبين، أنه يمكن حلها والتخفيف من حدتها لأية بلدية مهما كانت فقيرة، إلا أن التجارب المسجلة كشفت أن تماطل المسؤولين وصد الأبواب في وجوه المشتكين وغياب أية قنوات للحوار، يدفع بهؤلاء إلى اختيار الحل الأبلغ والأنسب وهو الخروج إلى أهم طريق معروف بكثافة حركته المرورية لقطعه بإحراق العجلات وعرقلة السير بها بالمتاريس. وكثيرا ما تطورت الأوضاع إلى ما لا تحمد عقباه، بعد تدخل قوات مكافحة الشغب التي يتطلب عملها تطويق هذه الأمكنة واقتياد العناصر المشاغبة التي يكون مصيرها السجن في أغلب الأحوال.
وفي هذا الشأن، تشير آراء لبعض المنتخبين إلى أن أحداث قطع الطرقات التي أصبحت مألوفة وعادية عند الجزائريين، ليست بالشيء السهل لدى مسؤولي البلديات وحتى الدوائر، كون عرقلة السير لساعة واحدة يكفي لأن يسمع هؤلاء المسؤولون ما لا يعجبهم، حيث يمكن أن تكون هذه الطريق مسلكا لمسؤول كبير أو تقع بجانب هيئة إدارية مهمة، وهو ما يعري هؤلاء المسؤولين الذين يسارعون في العادة للاستنجاد بقوات مكافحة الشغب للتحاور مع المحتجين حفاظا على مناصبهم.
ويدعم المنتخبون رأيهم السابق، بالإشارة إلى تكرر أخبار تنقل المسؤولين وعلى رأسهم الولاة لزيارة موقع الاحتجاج للتحادث مع المنتفضين وغالبا ما يحل المشكل نهائيا بعد حرق العجلات.
وما يعزز رأي هؤلاء المنتخبين باعتبارهم عايشوا مثل هذه الاحتجاجات، أن المطالب المشتركة بين الجزائريين كالمطالبة بتوفير الماء صيفا والغاز شتاء وإصلاح انقطاعات التيار الكهربائي، والمطالبة بنصب الممهلات، تشكل كلها ملفات أرّقت وعرقت الكثير من المسؤولين المحليين في كواليس إداراتهم لأنها ببساطة لا تظهر أمام العامة، فالمطالبون بها لا يمكنهم توفيرها بكتابة عرائض جماعية لاستخفاف المسؤولين بأهميتها، وعند اشتعال العجلات في الطرقات تنقلب الأمر وتعلن حالة الطوارئ. ويقدم هؤلاء المنتخبون نماذج لولاة مقاطعات أو رؤساء دوائر تم إبعادهم من مناصبهم في إطار التحويلات التي تمت أو إنهاء مهامهم، مثلما هو الحال للوالي المنتدب السابق لمقاطعة زرالدة بعد الاحتجاج الشعبي على قضية قائمة السكنات بسطاوالي، وغيرها من الأحداث عبر الوطن التي كشفت حجم الأهمية التي يوليها الجزائريون لمثل هذه المطالب.
لهذا يبقى الشارع الوتر الحساس الذي (تهتزبه كراسي مسؤولينا)..فهو البلاط الذي تحتها...ويبدوا جليا بحث المواطن البسيط عن ما يسترعي إنتباه المسؤول إليه ..فكانت أدخنة الإطارات المطاطية تُرى من مئات الأميال وتُشتم رائحتها لحدٍ ينزعج منها (مسعولينا).
التعليقات (0)