عند استعراض المراحل التاريخية للصين, وصولاً إلى القرن العشرين الذي شهدت فيه طفرة هائلة في مجال التصنيع, رغم أنه جاء متأخراً عن التصنيع في أوروبا لأكثر من قرنين من الزمان, إلا أن ظروف الصين كانت أفضل حالاً من الوضع في أوروبا, وكانت المرحلة الأولى من الحكم الشيوعي هي بداية التحول الضخم في وضعها الاقتصادي, ونجحت هذه المرحلة (1949م-1987م) في علاج قرن كامل من الفشل الاقتصادي, وأعادت الوحدة والاستقرار إلى البلد, وضمنت نوع الانطلاق الاقتصادي الذي فشلت فيه الأنظمة السابقة, و نجد ان أسس تحول الصين الاقتصادي قد وضعت في عهد الزعيم "ماو تسي تونغ Mao Tse Tung " الذي يعتبر مؤسس الجمهوريه الصينيه الشعبيه واول رئيس لها كما اخذ "ماو" على عاتقه تمدن الصين وتحويلها الى امة عصريه قويه، واليوم دون شك او مبالغه لو قلنا ان صعود الصين الى قمة التقدم الاقتصادي ووصولها الى سفح جبل التطور المعرفي المدعوم بقوه عسكريه حديثه هي بحق اسطوره من اساطير السياسه المعاصره وهو تحديث مبهر بلا جدال ، وهنا لابد من ان نؤشر المنعطفات المهمه لهذا الانطلاق والحقيقه تعد ثورة عام 1911م اهم حدث عرفته الصين في اوائل القرن العشرين حيث استطاعت الاطاحه بالنظام الامبراطوري الاقطاعي الذي جثم على صدور الشعب الصيني لمدة الفي عام وفي ذات الوقت قام زعيمها دكتور "صان يات سينDr.Sun Yat - Sen "بتأسيس الجمهوريه في الصين وكان اول رئيس لتلك الجمهوريه فقد قام مجموعة من الثوار بالاطاحه بالنظام الحاكم والبلاط الامبراطوري لسلالة "تشينغ"الحاكمه حيث أصبحت التعاليم الكنفوشيوسية التي وطدت حكم سلالة "تشينغ "للبلاد موضع تساؤل بالإضافة إلى انعدام الثقة العام بالثقافة القومية الذي دفع البلاد إلى حالة من اليأس العام مما أضطر أكثر من 40 مليون فرد من الشعب (حوالي 10% من إجمالي الشعب في ذلك الوقت)، إلى إدمان مادة الهيروين المخدرة. وخلال فترة قمع "ثورة الملاكمين" عام 1900 م من جانب تحالف قادته ثمانية من الدول العظمى في ذلك الوقت (روسيا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والإمبراطورية النمساوية المجرية) كانت إمبراطورية "تشينغ" قد ماتت إكلينيكيا بالفعل، إلا أن عدم وجود نظام حاكم بديل يأخذ بمقاليد الحكم أجل زوالها إلى عام 1912م حيث قامت ثورة 1911م واطاحت بها ودخلت الصين في العهد الجمهوري بتاسيس الجمهورية الصينيه التي كما ذكرنا اسسها الدكتور "صان يات سين".،وقد ظهرت الحركه الثقافيه الجديده عام 1915م حيث رفعت شعار "العلم"و"الديمقراطيه" لتجسيد الطموحات والمثل العليا للثقافه الديمقراطيه وذلك بعد ان ارتأت ان تخلف الصين يكمن في افتقارها الى العلوم الحديثه والديمقراطيه ومن ثم قادت حرب شعواء للأطاحه ب"دار كونفوشسوس"ومقاومة التيار الرجعي وعبادة الكونفوشيوسيه ومعارضة العوده الى الطريق القديمه الباليه وتحرير الشعب الصيني ايدلوجياَ.
عندما نتحدث عن المعطيات الاقتصاديه لبدايات التحولات والطفرات المفاجئه في قوة الصين الاقتصاديه والسياسيه انما لانها شكلت بداية التغيرات في السياسه الدوليه في عقود الثمانينات والتسعينيات وحتى مع بدايات القرن الحادي والعشرين. فالصين بالرغم من اقليمها الشاسع وعدد سكانها الهائل الا انها لم تكن قوة عظمى على ارض الواقع الا بعد ان بدأت برنامج طموح للاصلاح الاقتصادي في السبعينات والثمانينات حيث تضاعف الناتج المحلي GDP اكثر من اربعة اضعاف بين عامي 1978م و1999م ولاننسى ايضاَ ان هناك مؤشرات اخرى قد قفزت هي الاخرى مثل مستويات التجاره واحتياطي العملات الاجنبيه وخلال ذلك فقد شرعت الصين في تحديث القوات المسلحه وشراء اسلحه متقدمه من دول اخرى مثل روسيا . المسأله الهامه ماحدث من جدال حول موضوع "اصلاح القوميه"والهدف كان تغيير الافراد القابعين في نطاق مفهوم نظام الثقافه التقليديه الى افراد يتحلون بمفهوم التحديث وانشاء نقطة النمو لتجديد الامه والسير على درب التحديث والتطوير من خلال تغيير الطبيعه الفكريه للافراد وهذا هو منطلق النجاح فما حدث من تحول في الثقافه الاجتماعيه في الصين خلال القرن العشرين قد غير تماماَ بيئة حياة الافراد والبيئه الثقافيه وانهار صرح نظام الثقافه التقليديه عندما ارتطم بالتحديث ولم يعد يستطيع ان يقدم الدعم الثقافي الكامل لمغزى حياة الصينيين واهتماماتهم القصوى وحدث ايضاَ اثناء ذلك تصادم بين انهيار النظام القديم لعمل الحكومه من خلال المؤسسات الاجتماعيه والتأسيس التدريجي لنظام المجتمع الحديث من جهه والتبادل الثقافي العالمي من جهة اخرى وتغير هيكل المفاهيم –مفاهيم الصينيين-وشبكة المعاني خطوه خطوه وتغلغلت عناصر الثقافه الحديثه تدريجياَ الى داخل الحياة اليوميه المعتاده للصينيين وغير الصينيون اسلوب المعيشه الخاص بهم والبيئه الثقافيه في عملية مواجهة القرن العشرين والاستجابه له،وفي ذات الوقت يقومون ايضاَ بتغيير انفسهم ومفاهيم قيمهم ونموذج سلوكهم والمثل العليا لحياتهم ومواقفهم النفسيه ،فبالتأكيد الصينيون اليوم وهم المعاصرون يختلفون عن الصينيين التقليديين الى حد كبير ولديهم المغزى الثقافي المتباين هذا هو الانبهار الحقيقي والدهشه الواقعيه لصين اليوم .
في كتابه "النجم الصاعد- الصين ديبلوماسية امنيه جديده Rising Star-Chinas New Security Diplomacy" يقول "بايتس غيلBates Gill " :" ادركت الصين ان العالم يمر في تحولات عميقه تفرض نبذ عقلية الحرب البارده وتطوير مفهوم امني جديد ونظام سياسي اقتصادي وامني عالمي جديد يلبي حاجات زمننا الحاضر الذي يجب ان تشكل الثقه المتبادله والفائده المشتركه والمساواة والتعاون جوهر المفهوم الامني الجديد كما يجب ان يشكل كل من ميثاق الامم المتحده والمباديء الخمسه للتعايش السلمي (الاحترام المتبادل لسيادة سلطة الدولة على كامل أراضيها ، عدم الاعتداء على الآخر ،عدم التدخل في شؤونها الداخلية ، التساوي بين الدول وتحقيق المنفعة المتبادلة ،التعايش السلمي)وغيرها من المباديء المعترف بها دولياَ التي تحكم العلاقات الدوليه الاساس السياسي لحماية السلام على اعتبار ان التعاون يعود بالفائده المتبادلهوالازدهار المشترك يشكلان الضمانه الاقتصاديه اما السبيل المثالي لحل النزاعات وحماية السلام فيقوم على اجراء الحوارات والمفاوضات والمناقشات على قدم المساواة ،في خطاب عن السياسه الخارجيه القاه في جنيف في اذار/مارس 1999م قدم الزعيم الصيني "جيانغ زيمين " جوهر المفهوم الامني الجديد فيما يدخر الاعلان في المؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني عام 2002م الجزء الاكبر من الفكر الذي كان وراء هذا المفهوم ،ان السنوات العشرين الاولى من القرن الحادي والعشرين ستشكل نافذه من "الفرصه الاستراتيجيه"يمكن من خلالها السعي الى تحقيق هدفها في بناء مجتمع ميسور بشكل كلمل،لقد بدأ السياسيون والاستراتيجيون الصينيون يتحدثون عن الصين كقوه عظمى مسؤوله فقد ولد هذا المصطلح من دون اي تحفظ في موازاة قرار بكين بعدم خفض قيمة عملتها الوطنيه خلال الازمه الماليه الاسيويه بين الاعوام 1997-1998م وهو قرار لاقى ترحيب وتقدير كبيرين في المنطقه وانحاء العالم ومنذ ذلك الوقت فقد استخدم هذا التعبير من اجل وصف الوضع الديبلوماسي المتغيير للصين وكهدف بعيد المدى يجب ان تسعى اليه الصين في سياستها الخارجيه اكثر من ذلك نظرية "القوه العظمى المسؤوله" والحقيقه تشير هذه النظريه الى ديبلوماسيه امنيه صينيه اقل عرضه لتقع ضحيه واقل تعرضاَ للظلم واقل نفوراَ وفي الوقت نفسه اكثر دعماَ والتزاماَ للمعايير الدوليه والمؤسسات المتعددة الاطراف كالأمم المتحده ومنظمة التجاره العالميه ومنتدى آسيان الاقليمي ومنظمة شنغهاي للتعاون .
ان النظريات التي تركز بشكل واضح وصريح على دينامية علاقات القوه المتغيره في النظام الدولي هناك نظريتان لابد ان نناقشهما النظريه الاولى وهي "نظرية زعزعة الهيمنه Hegemonic instability –HST-Theory" والنظريه الثانيه هي "نظرية توازن القوى Balance of Power Theory" هاتان النظريتان تؤكدان على مدى الصعوبات التي تنشأ عن صعود او انهيار الدول المهيمنه على النظام ،فتذهب نظرية "زعزعة الهيمنه"الى ان التعارض بين القدرات المتناميه للقوه الصاعده ومكانتها التابعه المتواصله في نظام سياسي دولي تسيطر عليه القوه المهيمنه السابقه يؤدي الى صراعات لا يسويها في العاده الا خوض حروب كبرى ومع اننا لم نرى بعد هذا النوع الحاد من المنافسه الذي تتوقع النظريه انه سوف يسبق هذه المواجهه حول الهيمنه فان الصراعات الاخيره بين الصين القادره والقوه العالميه المهيمنه –امريكا-تتفق مع منطق هذه النظريه،ففي التسعينيات انتقدت الصين بشكل صاخب اكثر من اي وقت سابق سياسة حقوق الانسان الامريكيه بوصفها محاوله لفرض القيم الامريكيه على بقية العالم وانتقدت السياسه الاقتصاديه الدوليه للولايات المتحده الامريكيه خاصة فيما يتعلق بانضمام الصين الى منظمة التجاره العالميه او الدوليهبوصفها محاوله للحفاظ على السيطره الاقتصاديه الامريكيه وفي واشنطن اثار العجز التجاري المتزايد مع الصين مخاوف من المنافسه الاقتصاديه غير العادله فيما اسهم التحديث العسكري في الصين في جعل الصين حالة طواريء تخطيطيه بارزه لتقييم كفاءة القوات المسلحه الامريكيه خاصة ترسانتها النوويه الاستراتيجيه.ونجد ان نظرية توازن القوى تحذرنا كما فعلت مثل نظرية زعزعة الهيمنه من التأثيرات الممزقه الممكنه للصين الصاعده والحجه الاساسيه في هذه النظريه حول السلوك المتوازن تؤدي الى توقع ان قدرات الصين المتناميه ستتسبب في رد فعل بين اولئك القلقين من الاستخدامات التي يمكن ان تستثمر الصين قوتها فيها ،وكما يؤكد "ستيفن والت Stephen Walt"فأن القوة العظمى في ذاتها لاتمثل تهديداَ يتطلب رداَ لكن الجغرافيا وكذلك خبرة المنطقه مع هيمنة الصين قبل وصول الامبرياليه الغربيه في القرن التاسع عشر تقترح انه سيكون من الصعب على بكين ان تهديء المخاوف حول طرق استخدامها لقدراتها المتناميه وقد كان هناك بالفعل تذمر من النوع الذي تتنبأ به نظرية توازي القوى،ومن ذلك مثلاَ التعزيز العسكري المقابل في المنطقه والبحث عن حلفاء للتعويض عن قيود القوه القوميه "وهو مااتضح بشكل خاص في المشاورات التمهيديه بين دول رابطة جنوب شرق اسيا وتأكيداَ في نيسان/ابريل 1996م على المعاهده الامنيه الامريكيه-اليابانيه غير ان نظرية توازن القوى وحدها لاتشير الى ان الدنياميه التي تقول بها تؤدي حتماَ الى الحرب لذلك يدفع بعض الباحثيين الى ان استقطاب النظام الدولي قد يقرر ما اذا كان سيتسم بتوازن سلمي ام لا لكن ماذا تقول اعمال هؤلاء حول نتائج صعود الصين اولاَ من المهم ان نلاحظ انه مازال من غير الواضح ما اذا كان شرق اسيا في عصر مابعد الحرب البارده الذي سيتضح فيه تأثير الصين قبل المناطق الاخرى سيكون منطقه ثنائيه القطبيه ام متعدد الاقطاب فالاستقطاب الثنائي قد يعود لكن هذه المره بين الولايات المتحده والصين ،مع هامشية الادوار التي تلعبها اليابان المقيده ذاتياَ عسكرياَ وروسيا الضعيفه داخلياَ والمتوجهه نحو اوربا وفي هذه الحاله فان صعود الصين قد يثير مخاطر من نوع التوازن الذي يحدث في ظل الاستقطاب الثنائي خاصة ردود الفعل العدوانيه العنيفه فبعد انتهاء الحرب البارده مباشره اتضح ان الصين والولايات المتحده سرعان ما ركز كل منهما على الاخر باعتبارهما اللاعبين الاساسيين في اللعبه واخذت الواحده منهما تنظر الى اعمال الاخرى بوصفها تحمل تهديدات ممكنه وكل منهما قلقه حول التوازنات المتغيره للقوه العسكريه والمدركات المتبادله للنوايا وتكشف الاشارات الاوليه الى ان شرق آسيا ثنائي القطبيه قد يهيمن عليه الصراع الصيني-الامريكي المتكرر،ماالتوقعات التي ستكون لها الغلبه اذا ظهرت الصين بدلاَ من ذلك كواحده من عدة قوى كبرى في شرق آسيا متعدد الاقطاب (منها الولايات المتحده وكذلك اليابان اذا تخففت من قيودها وروسيا الناهضه وربما حتى الهند الاوسع انخراطاَ واندنوسيا الصاعده حديثاَ)لعله من سوء الطالع كما ينبه "آرون فريدبيرج Aaron Friedberg"ان بعض التأثيرات التي تقلل مخاطر التعدديه القطبيه في اوربا مابعد الحرب البارده (مثل الاجماع على الدروس المستفاده من حروب الماضي والخبره الطويله في الدبلوماسيه الدوليه وتجانس الترتيبات السياسيه المحليه)ليست بهذا الوضوح في شرق آسيا ،علاوة على ان الاعتبارات العسكريه-الاستراتيجيه التي يمكن في بعض الاحيان ان تعادل اخطار التوازن في ظل التعدديه القطبيه قد تكون غائبه فليس من الواضح على سبيل المثال ان حاجة الصين الى حلفاء سوف تمارس تأثيراَ كابحاَ كبيراَ عليها خاصة على اعتبار ان كثيراَ من السيناريوهات لسلوكها الممزق في المنطقه لاتتطلب جهوداَ مشتركه وبدلاَ من ذلك ونظراَ لأن بعض اهم المناطق الملتهبه تستلزم صراعات على الادعاء البحريه في جزر غير آهله بالسكان اساساَ او تكوينات جيولوجيه سطحيه ومادون السطحيه فقيره فان الاعتقاد بامكانية شن اعمال عسكريه هجوميه بأقل اخطار ممكنه من حيث التصعيد قد يغري بالسلوك المغامر اذا كان من المتوقع ان الخصوم الممكتيين المتعددين سيلقون التبعيه على فاعلين اضعف ويقبلون بالأمر الواقع وهو احد الاخطار الكلاسيكيه في ظل التعدديه القطبيه وحيث ان هذه الرهانات الآمنه على مايبدوا تتكشف في بعض الاحيان بشكل كارثي عن تنبؤات خاطئه فان ذلك احد الاسباب التي تدعوا الى القلق حول نتائج صعود الصين في محيط متعدد الاقطاب.وعند البحث في مناقشة النظريه للمعضله الامنيه من منظور نظريه توازن القوى ايضاَ ان قوة الصين المتناميه ستتسبب في زيادة الصراع الدولي فهذه المناقشه توضح ان عدم اليقين المتعذر تجنبه حول قدرات نوايا الآخرين جنباَ الى جنب مع صعوبة ارساء التزامات ملزمه في ظل الفوضى يعني ان جهود كل دوله لتحسين امنها يفرض تهديداَ ممكناَ يحتمل ان يرد عليه الاخرون وعلى الرغم من ان الادبيات تقترح ان الاختلافات في المعتقدات الاستراتيجيه والتكنلوجيا العسكريه قد تكبح هذه الديناميه.
"الصحفي البريطاني مارتن جاكMartin Jack الذي عمل في السنوات الاخيره استاذاَ زائراَ في احدى جامعات الصين وباحثاَ في المركز الدولي للدراسات الصينيه يقول: "ستكون صدمة عميقة للولايات المتحدة الأميركية عند عدم تفردها بالعالم واستئثارها به, لن تعود النزعة الكلية الغربية شمولية بأي معنى مع صعود الصين, وسيتقلص باطراد تأثير قيم الغرب ووجهات نظره, أي أن ظهور الصين كقوة كوكبية, سيعمل واقعياً على إضفاء الصبغة النسبية على كل شيء"، "لقد تعود الغرب على فكرة أن العالم هو عالمه, والمجتمع الدولي مجتمعه, والمؤسسات الدولية مؤسساته, والعملة العالمية (الدولار) عملته, واللغة العالمية (الإنجليزية) لغته, لكن هذا لن يستمر.. سيكتشف الغرب باطراد أن العالم لم يعد غربياً, هذا علاوة على أنه سيجد نفسه في نفس الوضع, الذي كانت عليه بقية دول العالم في عهد هيمنة الغرب". إن أفضل وصف للعصر الذي ندخل إليه الآن هو أنه عصر الحداثات المتنافسة، وهو لا يتميز بخط سياسي أو أيديولوجي واضح، بل بمنافسة ثقافية مهيمنة، ولا يعني ظهور حداثات جديدة أن الغرب لم يعد يتمتع باحتكار كلي للحداثة, بل يعني أيضاً أن تاريخ وثقافات وقيم تلك المجتمعات الجديدة ستؤكد وجودها بأسلوب جديد. لقد اتسم العالم حتى الآن بالاستكبار الغربي, أي قناعة الغرب بأن قيمه ومعتقداته ومؤسساته وترتيباته أسمى من الأخريات جميعاً, ولا يجوز التقليل من سطوة هذه العقلية ومثابرتها, ولا تشعر الحكومات الغربية بأي وازع أو قيد وهي تحاضر للبلدان الأخرى عن نسخها من الديمقراطية وحقوق الإنسان وقيمتها المؤكدة وفضائلها الدامغة. وهناك حس عميق نفسي متأصل بالسمو الغربي, مستمد من التوجهات الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية والإثنية القوية, يتحدى ظهور عالم متعدد الحداثات, وتلك العقبة لابد من أن تتآكل وتقوض, ولن يغدو العديد من المفردات مثل "المتقدمة" و"المتحضرة" مرادفا للغرب. نعم الموضوع ليس بالسرعه التي يمكن ان نتصور بها تحكم السياسه او الفلسفه او القوه الصينيه على العالم لكننا نعترف باننا مثلاَ ذهلنا عندما وصلت الصين الى الاقتصاد الثاني بتخطيه اقتصاد اليابان خلال العام 2010م هكذا فقد تحقق ماتوقعه العالم لكن ليس بهذه السرعه التي لم يتوقعها احد فقد كانت مفاجئه كبيره للجميع وبالرغم من الجدال لازال مستمر ضمن الدوائر ومراكز البحوث الامريكيه والغربيه حول الاثار التي ستنجم عن صعود الصين فيما يخص مستقبل الامن الدولي ،ربما لايكون الاهتمام بالدور الصيني الدولي مفاجئاَ فالصين تملك ثلاثة سمات مطلوبه لدخول نادي القوى العظمى وهي الاقليم الواسع والموارد الغنيه وعدد السكان الكبير فخلال الحرب البارده عزز القاده الصينيون الجدد مكانتهم الدوليه بشكل تدريجي واطاحوا في النهايه محاولات العزله الديلوماسيه وخصوصاَ في مجلس الامن التابع للامم المتحده فخلال الحرب البارده لستثمر الحزب الشيوعي الصيني بشكل مكثف في تطوير الفائق والسريع لشارات مكانة القوى العظمى التي يتطلبها العصر الحديث وهي الرؤوس النوويه والصواريخ البالستيه اللازمه لحملها ومن نافلة القول ان الصين حتى اواخر الحرب البارده كانت مرشحه كقوه عظمى فحسب لكن مع بداية العام 1979م وعندما كان الاتحاد السوفيتي يتراجع عالمياَ مالبث ان انهار دشن القاده الجدد في بكين مجموعه من الاصلاحات التي ادت الى نمو سريع "توسع كمي وتحسن كيفي في ذات الوقت"ومع نهاية تلك الحرب البارده كانت الصين قد قضت اكثر من عقد في انطلاقتها الاقتصاديه وهو ماجعل الاستنتاج الحتمي بان هذه الدوله قدر لها اخيراَ ان تضيف الاجزاء الاخيره في لغز قوتها العظمى ،فهي تملك الثروه والخبره اللازمه لكي تكون لاعباَ اساسياَ في الشؤون الاقتصاديه الدوليه بالاضافه الى الاصول اللازمه لتأسيس قدره عسكريه ضخمه من الدرجه الاولى .
التعليقات (0)