سيناريو حوار كيّ لا يَنسى ولا يُنسى أحد
رسالة سلمية "من توكل كرمان وإلى توكل كرمان "
سأتجرأ في رسالتي هاته على التحدث بإسم توكل عبد السلام كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام مخاطباً عائلتها وجيرانها وشعب اليمن والوطن العربي والإسلامي والعالم أجمع، ولن تنقص جرأتي حين أكون متحدثاً بالنيابة عن أحد هؤلاء أو جميعهم لأخاطب توكل كرمان.
توكل كرمان :
أحرص بعد شكر الله عزّ وجلّ على هذه الجائزة أن أذكر فضل زوجي وأبنائي وعائلتي جميعاً، فمساندتهم لي وأنا أعمل في ميادين التحرير كان في كثير من الأوقات على حساب حقوقهم عليّ، كما أن دعمهم لي مع علمهم بخطر ما أواجهه كان من أكبر الدوافع لمواصلة المشوار. وبالطبع فإن فوزي بهذه الجائزة ما هو سوى رمز لفوز الشعب الذي أنتمي إليه، شعب اليمن العظيم الذي آمنت وأقسمت تماماً كما آمن وأقسم أنها سلمية وحتى إسقاط النظام.
عائلة كرمان :
إن فرحتنا بغاليتنا توكل لا توصف، وتعقيباً على ما قالته وإن قالته من باب إشراك من حولها فيما تقوم به فنحن على يقين مثلها تماماً أن تواجدها في الميادين بدل تواجدها وسط عائلتها هو خدمة لاستقرار هذه العائلة ، فمكاسب يمننا الغالي من مكاسب الأسرة اليمنية بل هو المكسب بعينه، لذلك بدل سلبية التفكير في عدم تواجدها في البيت قررنا جميعاً أن ننتقل للتواجد بإيجابية إلى جانبها في ساحات التغيير.
العرب، المسلون وأحرارالعالم :
هل فوزك بهذه الجائزة سيدة كرمان وما يصاحبها من فرحة ونشوة يجعلك تنسين أو تتناسين حقيقة التوظيف السياسي لهذه الجائزة عبر تاريخها وأن هذا التوظيف كثيراً ما يكون قذراً..؟
توكل كرمان :
قبل الإجابة على تساؤلكم أود أن أكرر تهنئتي للسيدة ليما غبويي والسيدة سالين جونسون سيرليف على تتويجهن كفائزات بجائزة نوبل للسلام فنحن شريكات في الجائزة، كما أن رابطاً قوياً صار بيننا وهو عالم النضال السلمي، أما بالعودة لتساؤلكم فلا أخفي أن تضارباً في مشاعري قائم منذ أن تلقيت نبأ فوزي بالجائزة التي فاز بها قبلي رابين وبيريز، ولا أخفيكم القول بأن هذا الإحساس مزيج بين الفخر والمهانة.
أنا :
يجب عليكي أختي كرمان كما على العالم فهم ووعي أن تتويجكِ بهذه الجائزة في هذا التوقيت بالذات هو إستعمال لنضالك كحقنة سلام مخدرة ومهدئة، لكنها جرعة لا تخلو من تأثيرات جانبية ومهلوسة.
الشعب اليمني :
نحن من جهتنا لنا رسالة نريد أيضاً توجيهها في هذه المناسبة السعيدة، وهي أن نضال أختنا توكل كرمان كان ومازال من أهم عوامل صمودنا لتحقيق أهداف ثورتنا ونجاحها، فقد شحذت الهِمم بوقفاتها البطولية حين حملت كفنها بين ساحات التحرير وسط إخوانها وأخواتها من اليمنيين واليمنيات، كما ذكّرنا حياؤها وحشمتها بأن دور التغيير مسؤولية الجميع فقمنا رجالاً ونساء نردد سلمية سلمية.
توكل كرمان :
أريد أن أؤكد عند هذه النقطة أني لم أكن سوى امرأةً بين ملايين النساء في اليمن، ربما قلت ما لم يجرؤ البعض على قوله قبل الثورة أو عند بدايتها، لكني نطقت مع أحرار اليمن بما أراد الجميع قوله، فقام الشعب عن بكرة أبيه، وثار اليمن بكامله عندما تحطم حاجز الخوف وأدرك الناس أن النظام القائم هو سبب ظلم المرأة كما الرجل، بل تعدى فهم الناس أن هذا النظام مستعدٌ ليبيع ويتاجر بمن بقي حياً في وجه رصاصه ومدافعه، مع جاهزيته التامة للمزايدة والمغامرة بقضاياه ومصائره.
الغيورين على اليمن :
نرجو من توكل كرمان توضيح ملابسات المبادرة الخليجية ودعمها الدولي، وتعاطي علي عبد الله صالح ورهطه مع هذه المبادرة التي انتهت بتوقيع الجميع عليها، ثم الشروع في تطبيق آلياتها وبعدها عودة صالح التي تُعتبر تلويحاً بالضمانات التي تحميه من أية ملاحقة.
توكل كرمان :
اُطمئن أحباب اليمن أن التضحيات وعلى رأسها دماء شهدائنا وجرحانا لن تذهب سدى، وأن لا سبيل لإفلات صالح والمسئولين عن المجازر من المحاكمة والعقاب نظير ما أجرموه، فليختبئ المجرمون وراء ما أرادوا وأينما أرادوا لأن يد الشعب اليمني ستطالهم، كما أنه لا يمكن لأي قوة أن تقف في وجه إرادة شعبٍ ثائرٍ، لذلك نحن مستمرون في ترديد ما يردده إخواننا وأخواتنا في مصر، ثورة ثورة حتى النصر.
حكام الغرب "المتمدن" :
لا نخفي عليكِ ميس كرمان تخوفاتنا من حراككم الثوري وتطلعاته، ومبرر ذلك وسببه هو أنظمتكم التي شوّهت صورتكم عندنا إلى حد خلق إسلاموفوبيا وعربوفوبيا وحتى سلاموفوبيا حين يكون السلام قادم من عندكم، لكننا قررنا دعم ثوراتكم وحركاتكم بعد فهمنا الجديد لواقعكم كما نشاهده عبركِ وعبر الشباب العربي المهرول نحو حريته، كما أننا سندعمكم في بناء مستقبلكم على أساس هويتكم الإسلامية والعربية وثقافة منطقتكم، بل ونرحب بهذا المستقبل الذي تتطلعون إليه، إلاّ أننا نراقب خطواتكم ونحرص على متابعة التطورات لنضمن مدى ملائمتها للمدنية والحضارة التي إتفق العالم اليوم على تشييدها سويةً.
توكل كرمان :
لن أحتاج بعد التحرير لجرأتي التي أستعملها اليوم لإسقاط النظام العسكري البائد بقوة السلم، فوقوفنا عندئذ سيكون على أرض صلبة نبني عليها مستقبلنا الواعد بسواعدنا، وعندئذٍ كذلك سيفهم هذا الغرب المتبجح أن ثورتنا السلمية قامت حنيناً لأنفسنا وثقافتنا وعدلنا وجميع قيمنا التي ظلت مخزونةً في وجداننا مُبقيةً على نبضِ عروقنا رغم تآمركم مع حكامنا، فنحن ثرنا بسلمية بينما ثرتم وغربكم لأجل مصالحكم بحروب علينا وعلى كل من يخالفكم، بل وعلى الكائن البشري والكوكب الذي يعيش عليه، عند تحريرنا وقطف ثمار ربيع ثورتنا سنتابع بدورنا تطور مدنيتكم التي يمنع ساركوزي في ضوئها محجبات فرنسا من نور العلم كعنوان لتفتحكم المتسامح، وسنعاين إن كنتم مؤهلين حقيقةً لبناء غدٍ آمن يملؤه السلام، أو أن شعوبكم ستضطر للقيام ضد ظلم حكامها بثورات تبدأ بمطالبة الحياة الكريمة ولا تنتهي حتى إسقاط النظام، عندئذٍ أيضاً سنكون بدورنا من يراقب حضارتكم من أرض كانت فيها بلقيس ملكةً منذ آلاف السنين، وفازت فيها اليوم توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام، وستكون غداً جاهزةً لدعم ثوّاركم على أمل أن يصرخوا كما نصرخ نحن اليوم سلمية سلمية.
أنا :
رسالة في عنقي وجب عليّ إيصالها لكِ أختي كرمان بالنيابة عن ملايين الذين فخروا بك وبتتويجك السلمي، فالجميع حريص أن يقول لك أنهم استوعبوا الدرس جيداً، وفهموا أنك لست الأكمل والأفضل، إلّا أنك تقومين بما تؤمنين وجوب القيام به، بعيداً عن تسويف أو إنتظار أن يقوم به غيرك، ودون الرضوخ للضغوطات والمساومات أو حتى التهديدات، الكل واعٍ اليوم أختي توكل بأن الطموح يبقى حقاً مهما علا في إطاره السلمي، كما قد يكون واجباً إن نادى بما ينادي به الجميع بعيداً عن الأنا وإن كان إسقاطاً للنظام.
كيّ لا يَنسى ولا يُنسى أحد
الجزائر في 2011.11.29
سمير بن سالم
التعليقات (0)