لم أقدر والطائرة تعبر فوق صحراء سيناء أن أزيح من خاطري التفكير بالاحلام.. ألاحلام الضائعة, والمسروقة, والمغتصبة.. تذكرت القصص، و"صف الدبابات".. و الأسرى القتلى..الحرب و السلام..و الملايين.. وفكرت بالالاف الالاف الذين كان سهلا جدا بيع احلامهم, رغم أن هذه الاحلام هي كل ما بقي منهم بعد أن باعوا حياتهم ثمنا لها.
سيناء رمز واحد من رموز ضياعنا و هزائمنا و أحزاننا.. ليست مجرد صحراء أو رمال يتغير لونها تدريجيا نحو الأحمر.. إنها شاهد صامت على تعاسة عبثيتنا.. مضحكة مبكية عبثية الموت.. والتضحية من أجل .. "لا شيء". حزين جدا أن يموت آلاف من أجل فكرة , فكرة من وجدان شعب يعبث بها رجل واحد فتختفي.. ويختفي حتى الامل.. أيعقل أن يكون الاف ماتوا من أجل خطإ حسابي قررنا أن نعود عنه؟و هل حقا يمكن - ويجب - أن ننسى ؟
أهي سيناء بحد ذاتها ما ماتوا من أجله؟ ألم تكن لهم قبل أن يحاربوا؟؟! أم هي هضبة؟ أم ضفة نهر؟ أو حتى مزرعة؟ الهذا مات من مات؟! أننسى لماذا؟
و سيناء وجه واحد فقط من مئة وجه فشل يذكرنا أبدا أننا سمحنا بشكل أو بآخر لعصابات اختطفت الماضي و مستقبلنا بأن تقرر وأن ترتاح في كراسيها المذهبة.. ورغم أن سيناء الهزيمة و الاستسلام ألم.. فسيناء الفوضى والعبث والسرقة ألف ألم! أليس غريبا جدا أن تعيش شعوب بعد استقلالها لحظات كآبة لم تعرفها في أشد أيام الاحتلال صعوبة؟ تذكرت "ذاكرة الجسد" وماذا يستطيع فساد تجار أن يفعل بأشياء كبرى، كروح ثورة مثلا، و روح الثوار.. هي مأساة أن يتحسر إنسان على رحيل محتل.
أهناك ما هو أقسى من أن يرى الشخص احتضار الحلم والامل؟ و يعيش مرارة الانكسار المتكرر والصمت الاجباري مدى الحياة؟
وحطت الطائرة في القاهرة، التي كعادتها تضج بالحياة و الانشغال وتعبق بالتاريخ، و يسري في شرايينها دمها الجارف: ملايين من "الغلابة" الذين سلبوا أحلاما و آمال كثيرة، وأجبروا على الجري وراء النسيان..
في اليوم التالي.. كانت الجرائد تفيض حبورا.. فآلاف المساكن ستبنى، الفقراء سيتعزون، سيحارب الفساد... و خطة حد النسل المباركة صار لها الكثير من الاعلانات الدعائية في الشوارع
التعليقات (0)