مارس الاستعمار البريطاني لمصر (1882-1923م) سياسة تجهيلية للنخب المصرية فيما يتعلق بسيناء، بحيث غابت تلك المنطقة عن محور اهتمام مصر، وأمنها القومي، وكانت بريطانيا ترى في سيناء منطقة تصلح لأن تكون وطناً قومياً لليهود قبل أن تصبح فلسطين هي الوطن القومي لهم، وأقاموا على أراضيها دولتهم المزعومة (إسرائيل)، وبقيت سيناء تحتل أهمية جيوسياسية ودينية عند قادة إسرائيل، فحسب اتفاقية كامب ديفيد (1979م) تم تقسيم منطقة سيناء إلى ثلاث مناطق (أ-ب-ج)، ومن خلال تلك الاتفاقية استطاعت إسرائيل تأمين حدودها الجنوبية الغربية والتي يبلغ طولها 250كم تقريباً، وبعد تولي السيد محمد حسني مبارك السلطة عملت إسرائيل على بناء قواعدها الجوية ومصانعها الإستراتيجية بالقرب من الحدود مع سيناء.
ونشطت إسرائيل بشكل أكبر في منطقة سيناء بعد الانسحاب من قطاع غزة في عام (2005م)، وزادت المخاوف الصهيونية بعد فوز حركة حماس بالانتخابات وتربعها على سدة الحكم في القطاع، ومجابهتها للحصار الذي فرض عليها من خلال الأنفاق المنتشرة على طول الحدود مع مصر، ونجحت في ذلك نجاحاً باهراً، واستطاعت حماس من الصمود في وجه حرب شرسة شنتها إسرائيل على القطاع، وسقطت حكومة أولمرت وبقي حكم حماس، وازداد قوة نتيجة العمق الاستراتيجي لقطاع غزة المتمثل في مصر الشقيقة بشكل عام وسيناء على وجه الخصوص، وبذلك أصبحت تشكل سيناء أولوية استخباراتية بالنسبة لإسرائيل، وزادت تلك الأولوية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولذلك نرى حجم الجرائم المنظمة في تلك المنطقة بعد الثورة.
ومن هنا يأتي ارتباط الأمن القومي المصري بالأمن القومي الفلسطيني، وأن هناك تكاملاً في الأهداف والمهام بين الطرفين ربما عبر عنه السفير المصري في فلسطين السيد ياسر عثمان في تعقيبه على أحداث العريش حيث قال: " أن قطاع غزة يعتبر خط الدفاع الأول عن الأمن القومي المصري والعربي، الأمر الذي يتطلب جهد مشترك لحفظ الأمن.
وقال عثمان ما حدث في العريش يثبت أن هناك تكامل ما بين الأمن القومي المصري والفلسطيني، فالتحديات والتهديدات واحدة وتحتاج إلى جهد مشترك لمواجهتها، فقطاع غزة يعتبر خط الدفاع الأول عن الأمن القومي المصري والعربي".
ولكي تتكامل نظرية الأمن القومي المصري لابد من تحقيق هدفين:
الأول: الاهتمام بمنطقة سيناء، ومعرفة تلك المنطقة جيداً، فخبرة المصريين بسيناء بدأت تتنامى عقب هزيمة حزيران/1967، ولكن لم تصل إلى درجة متقدمة من المعرفة والاهتمام وربما يعود ذلك إلى ملاحق إضافية وسرية في اتفاقية كامب ديفيد تمنع المصريين من إضافة أي جديد في منطقة سيناء، وأقصد هنا على وجه الخصوص أي جديد في مجالات التنمية، فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الزراعة في بعض مناطق سيناء في عهد النظام السابق كانت ممنوعة، وهذا يتطلب إعادة البحث في اتفاقية كامب ديفيد وملاحقها كي يتسنى للمجلس العسكري الأعلى وللحكومة المصرية إعادة صياغة إستراتيجية جديدة تتكيف مع روح الثورة المصرية من أجل سيناء، وحمايتها من عبث جهاز الموساد الإسرائيلي، فالأمن القومي المصري بحاجة إلى إعادة صياغة وترتيب الأولويات، وربما تتربع سيناء على رأس أولويات الأمن القومي المصري، ولكي يتم ذلك لابد من العمل على بناء بنية تحتية في سيناء تشمل مدن صناعية ومناطق سكنية ومرافق عامة ومدارس ومساجد وجامعات ومدن سياحية ومشاريع زراعية، حتى لو خالفت تلك النهضة التنموية اتفاقية كامب ديفيد، فشعب سيناء كي لا يكون أداة بيد أحد لابد من توفير حياة كريمة له ولأبنائه.
الثاني: دعم وتعزيز صمود قطاع غزة، فقطاع غزة وفصائله المقاومة يمثلون كتيبة الجيش الأولى في حماية الأمن القومي المصري، وتشكل المشاريع المشتركة بين قطاع غزة ومصر أحد أهم عناصر التنمية في منطقة سيناء، ولعل من أهم المشاريع المشتركة التي تعزز التنمية في كل من سيناء وقطاع غزة هي المنطقة الصناعية المشتركة على الحدود المصرية الفلسطينية والتي تستطيع استيعاب عشرات الآلاف من الأيدي العاملة، وتكون بديلاً للمنتج الإسرائيلي الذي يرى في قطاع غزة السوق الاستهلاكية الأكبر في العالم، وهناك مشروع إمداد القطاع بالطاقة الكهربائية، والعديد من المشاريع المشتركة بين أهالي سيناء وأهالي قطاع غزة، والتي سوف تغلق الطريق أمام أجهزة الاستخبارات العالمية في العبث بسيناء، وكذلك تضع حداً للتطرف الديني الذي يرى بالعنف طريقاً وحيداً للتغيير.
Hossam555@hotmail.com
التعليقات (0)