سيكولوجية الصلح عند الإمام الحسن (ع)
الصلح هو عنوان لأكثر الاتفاقيات التي حدثت في التاريخ الإسلامي وقبله بين الإطراف المتحاربة او المتخاصمة وتسمى هذه الاتفاقيات في التاريخ الغربي (اتفاقيات سلام لان كلمة الصلح مقابلها كلمة peace تعني بالعربية سلام ).
وللصلح منظورين منضور تاريخي (عقد اتفاق بين طرفين متحاربين للتوصل الى السلام والأمن ) و منظور نفسي (الرضا والسلام والاطمئنان من كلا الطرفين ).
وقد أكدت المصادر التاريخية ان الصلح حصل بين الإمام الحسن ع ومعاوية وبإلحاح من معاوية و إن الإمام الحسن (ع) هو الذي صاغ هذه الاتفاقية صياغة تامة الدقة حفاظا للمسلمين وحقنا لدمائهم وقد ورد ت نصوص الاتفاقية في كتب الشيعة والسنة متضمنة المواد التالية :
المادة الأولى :
تسليم الأمر إلى معاوية على أن يعمل بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة الخلفاء الصالحين.
وهذا أمر فاضح لمعاوية لعدم تمكنه من استجابة نداء الله الذي تمثل بشرط الإمام ع .فمعاوية دائم الرغبة في ان يبحث عن مصالحه وأهوائه الشخصية دون المبالاة لأمر الله اذ قالَ معاوية في خطبتهِ : إِنِّي واللهِّ ما قاتلتُكم لتُصلُّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكُّوا، إِنّكم لتفعلونَ ذلكَ ، ولكنِّي قاتلتُكم للتأمر عليكم ، وقد أعطاني اللهُّ ذلكَ وأنتم له كارِهونَ . ألا ِوانِّي كنتُ منَّيتُ الحسنَ وأعطيتُه أشياءَ، وجَمِيعُها تحتَ قَدَمَيَّ لا أفي بشيءٍ منها له .
المادة الثانية :
أن يكون الأمر للحسن ع من بعده ,فان حدث به حدث فلأخيه الحسين (ع) وهي مادة دقيقة وضعها الحسن ع لمعرفته التامة بتاريخ معاوية وتاريخ أهله ليس لهم عهدا بالوفاء للإسلام وهم للجاهلية أطرب وفعلا حدث ما كان في نية معاوية اذ أرسل رسوله الشؤم (جعدة بنت الاشعث ) لتدس السم للإمام الحسن ع بعد عشر سنين من حكم معاوية وما زاد الطين بله انه أوصى بيزيد من بعده .
من هنا تَقصد الإمام الحسن (ع) ان يدون هذه الفقرة حتى يسد الطريق على المغرضين الذين يعدون خروج الحسين ع باطلا لانه خروج على ولي الأمر وهذا من وهم الجهلة الذين لم يفهموا اتفاقية الحسن ع التي تضمنت اعتراف كامل من معاوية بخلافة الإمام الحسين ع وبذلك يكون يزيد الملعون خرج عن أمر وليه الإمام الحسين ع ولاحول ولا قوه الا بالله.
المادة الثالثة :
ان يُترك سب امير المؤمنين عليه السلام والقنوت عليه بالصلاة وان لايُذكر عليا الا بخير .
وهذا تسجيل آخر للتاريخ ان معاوية تبنى سب أمير المؤمنين على المنابر بل حتى جعل من قنوته لعن لأمير المؤمنين علي (ع) وبذلك لايمكن لأي عاقل ان ينكر على معاوية هذا الفعل القبيح .
وهناك إشارة أخرى للحسن (ع) في هذه الفقرة فهو ذكر أمير المؤمنين بدون ان يذكر اسمه(علي بن ابي طالب ع) وذلك لان المسلمين لم يعرفوا احد بهذا اللقب الا علي ع وهو لقب خصصه النبي لعلي ع .
المادة الرابعة :
استثناء مافي بيت مال الكوفة ,وهو خمسة الاف فلا يشمله تسليم الأمر وعلى معاوية ان يحمل الى الحسين ع كل عام الفي درهم الى اخر المادة .
وهي فقرة اقتصادية تجبر معاوية على حمل المال الى الامام الحسين ع لعدم شرعية حاكمية معاوية ولم يكن الحسن (ع) غافلا عما ماسيقوم به معاوية اتجاه أتباع اهل البيت ومؤيدين الحسن وابوه عليهما السلام من منع العطاء عنهم وفعلا منع العطاء وأنزلهم في السجون وتعرضوا الى القتل والاغتيال .
المادة الخامسة:
على ان الناس امنون حيث كانوا من ارض الله في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم وان يؤمن الاسود والاحمر وان يتحمل معاوية مايكون من هفواتهم وان لايتبع احدهم بما مضى وان لاياخذ اهل العراق باحنة .
وهي مادة الأمان لأصحاب الإمام الحسن (ع) من غدر معاوية اذ يستمر بكتابة شروط الأمان الى ان يصل الى القول (ع) وعلى ان لاينعي للحسن بن علي ,ولا لاخيه الحسين ولا لاحد من اهل بيت رسول الله ص غائلة ,سرا ولاجهرا ولايخيف احدا منهم في أفق من الآفاق .
وهذه المادة توضح نقاط مهمة هي :
اولا التضحية الدائمة من اهل البيت لاتباعهم اذ قدم امان الناس عن امان اهل بيت النبي ص وهي عادتهم في تقديم مصلحة المؤمنين عن مصلحتهم .
ثانيا: وهو أمر تجاهله الكثير عن قصد اودونه وهي تضييق قضية الامام الحسن وتخصيصها بأهل الكوفة ويلقون المسؤولية الكاملة عليهم في كل ماحدث للإمام الحسن ع والحسين ع وكأنما الحسن ع هو إمام لأهل الكوفة فقط وهذا الطرح يقلل من شان أهل الكوفة وأهل العراق فهذا يقول أهل الكوفة وذاك يقول غدر الكوفة بينما الحسن ع يقول أهل العراق ويجعل لهم الأمان المخصوص كما هو واضح . وعدوها البعض تكليف لأهل الكوفة بل هي قضية وتكليف عالمي في كل زمان ومكان .
ويتعدى طلب الإمام عليه السلام للامان لكل إتباعه في البلاد الإسلامية وهو أمان عام للجميع حتى لولم يعتقدوا به لان ولايته مبسوطة على الجميع.
واخر المادة الخامسة يشترط الإمام ع ان تكون الاتفاقية مصالحة حقيقية خالية من الوساوس الشيطانية التي ورثها معاوية وهي فقرة مخصوصة لمعاوية لأنه مصدر غير موثوق به :
أصحاب الإمام ع والاتفاقية :
كانت معاهدة الإمام الحسن ع مع معاوية معاهدة مشروطة بتحقيق بنودها التي أشار اليها الإمام الحسن ع فان تحققت كل هذه الشروط تحققت المصالحة الحقيقية وهي المصالحة التي تعني بالمنظور النفسي الرضا والسلام والاطمئنان من كلا الطرفين . فهي ليست صلحا كما لم يرد على لسان الإمام ع انه صلح مع معاوية الا حينما قدم له استفتاء من أصحابه لما داهنت وصالحت معاوية قال فيما قال (ع):
علة مصلحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله ( صلى الله عليه واله ) لبني خمرة وبني اشجع ولاهل مكة حين انصرف من الحديبية اولئك كفار بالتنزيل ومعاوية واصحابة كفار بالتاويل .. والواضح من كلام الامام ع ان المصالحة بمعنى المسالمة ليس لها معنى اخراذ اكد عليها الامام ع عندما قال ع(ايها الناس ان الله هداكم باولنا وحقن دماءكم باخرنا وقد سالمت معاوية وان ادري لعله فتنة ومتاع الى حين ) وقال في اخرى (مااردت بمصالحتي الا ان ادفع عنكم القتل ) والصلح لم يكن مع معاوية والحسن ع انما كان بين الامام ع وجيشه مع اهل الشام وهذا واضح من قول النبي ص ( ان ابني هذا سيد ولعل الله ان يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين ) واكيد معاوية لا من هذه الفئة ولامن تلك . ولم يعقد الامام الاتفاقية الا ان جرب القتال وخرج الى النخيلة فلم يجد من يطيعه وتركوه مع القلة القليلة من اصحابه وبذلك يكون الامام (ع) قد سد الطريق عن المتقولين ان الحسن(ع) لم يقاتل حتى أنهم ذهبوا الى تفسيرحديث النبي ص(هذان ولداي إمامان قاما ام قعدا ) ان القيام جهاد والقعود عنه وهذ حق الجهالة لان القعود مذموم لايأتي به الامام المعصوم ابدا وخروجه الى النخيلة يؤكد ذلك وحديث النبي ص يقصد به الخلافة أي انه أصبح خليفة او لم يصبح فهو امام او شئتم ام لم تشائوا هما امامان.
ومع ان الاتفاقية او المعاهدة كانت مذلة لمعاوية وتشير اغلب شروطها الى الخبايا النفسية العدائية لمعاوية للسلم والاسلام الا ان اصحاب الامام الحسن ع رفضوها ولم يفهموها واقاموا الدنيا ولم يقعدوها فهم خالفوا الامام (ع) على هدايتهم بينما الطرف الثاني اطاع معاوية على ظلالتهم لذا تعرض الامام (ع) للاغتيال اكثر من مرة واستهزئوا بإمامته حتى انهم كانوا يردون التحية عليه (السلام عليك يامذل المسلمين ) اذ يقول السيد شرف الدين عن هذه المرحلة (كان صلح الحسن ع مع معاوية من اشد مالقيه ائمة اهل البيت من هذه الامة بعد رسول الله ص لقي به الحسن ع محنا يضيق بها الوسع لاقوة لاحد عليها الا بالله عزوجل لكنه رضخ لها صابرا محتسبا وخرج منها ظافرا بما يبتغيه من النصح لله تعالى ولكتاب الله عزوجل ولرسوله ولخاصة المسلمين وعامتهم وهذا الذي يبتغيه ويحرص عليه في كل ماياخذ او يدع من قول او فعل .)انتهى قول السيد . واعتمد معاوية في محاربة الامام الحسن (ع) على الدعاية والاعلام الكاذب وهي انه اذاع غير هذه الشروط الموجودة في الاتفاقية وجعل عماله يبثون الكذب الذي يصور ان الامام (ع) صالح معاوية دون شرط وانه ليس له باع في السياسة وقيادة الامة بينما كان الصلح صلحا مشروطا ومقيدا بشروط مهينة لمعاوية . وان اصحاب الامام ع لم يفهموا الاتفاية حتى انهم لم يستمعوا للامام ع وفضلوا ان يصدقوا الاعلام الكاذب لمعاوية على ما يقوله الحسن (ع) .
(وكان من افضع الكفران لمواهب العظماء ان يتحكم في تاريخهم وتنسيق مراتبهم ناس من هؤلاء الناس الماخوذين بسوء الذوق والمغلولين بسوء الطوية يتظاهرون بالمعرفة ويرتجزون بحسن التفكير ثم يتحذلقون بالتطاول على الكرامات المجيدة دون رؤية او تدقيق ولا اكتراث فلا يدلون بتفريطهم في إحكامهم الا على فرط الضعف في نفوسهم) .
التعليقات (0)