كتاب ((طريق النحل))..
سيرة ذاتية لرامي علّيق كنت مسؤولاً في حزب الله
طريق النحل مؤلفه رامي عليق قيادي طلابي سابق في حزب الله،وصل الى مستوى الصف الاول والمسؤول الاول عن طلاب الحزب في الجامعة الاميركية في بيروت.
دون ان نقرأ اسم صاحب هذا الكلام، او نعرف اسم الكتاب الذي ورد فيه، أو نعرف صفة مؤلفه السابقة، فإن ذهنك يذهب مباشرة الى كاتب او اعلامي او سياسي او حزبي ينتمي الى قوى 14 آذار/مارس كتيار المستقبل، اواللقاء الديموقراطي او القوات اللبنانية او حزب الكتائب.. ذلك ان ما كتبه رامي علّيق في ((طريق النحل)) هو لسان حال قوى انتفاضة الارز التي ثارت على الوصاية السورية على لبنان التي استمرت نحو 30 سنة التي ايدتها قوى 8 آذار/مارس بل واكتسبت هذا الرقم من تظاهرة الوفاء لهذه الوصاية، وكان من ضمنها عليق نفسه.
لكن،الاهم هو قائله.. موقعه السابق، قناعاته التي جسدها في سيرة ذاتية ممتعة القراءة، بما يجعلك لا تترك الكتاب المؤلف من 200 صفحة من القطع المتوسط دون ان تكمل كل صفحاته التهاماً واعجاباً ودهشة بما تضمنه.
مقتطفات من كتابه :
." إذا نظرنا إلى التاريخ القريب، نجد أننا في الجنوب، وفي لبنان كله، كنا وما زلنا وقوداً لكل الحروب الدائرة على أرضنا؟ ألم تضع الحروب والنـزاعات مجتمعنا في وضع غير مستقر، يتعرض أهله للاستغلال والتشرد والقتل،وكأن ذلك هو مصيرهم الموروث؟"
لماذا نضطر عند كل حرب ومأساة إلى الاصطفاف وراء ساسة لا يجروننا إلا إلى مزيد من الانغلاق والعزلة، في وقت نتوق فيه إلى الانفتاح والتواصل مع الآخر، كما عودنا على ذلك آباؤنا وأجدادنا؟ لماذا جرى احلال التطرف والانعزال اللذين غذتهما سياسات المحاور الاقليمية محل لغة الاعتدال والانفتاح الديني التي كانت سائدة، فبتنا نشعر بأننا لسنا سوى ضحايا عمليات التآمر علينا، المفبركة باتقان والمربوطة زوراً بتاريخنا الديني)).
((بعد الفرص والموارد التي اتيحت لنا للعلم والثقافة والابداع لماذا لا نستغل ذلك كله في سبيل تحقيق قدر اكبر من الرخاء الاجتماعي والاقتصادي؟ لماذا يلازمنا شعور بالانكفاء عن كوننا جزءاً لا يتجزأ من بنية هذا الوطن ومؤسساته على الرغم من توافر كم كبير من الطاقات البشرية الجديدة بيننا؟؟ ولماذا بقيت مقاليد امورنا بيد حفنة من الازلام الفاسدين الذين قدموا اسوأ النماذج في تمثيلنا في السلطة؟ ألم نكن نعاني، نحن الجنوبيين كغيرنا من اللبنانيين من سطوة الوجود السوري وطغيانه قبل الانسحاب الاخير؟
((ألم يكن وجود العمال السوريين بشكل غير منظم عبئاً يومياً على اليد العاملة اللبنانية يتردد صداه بين افراد اسرنا؟ لماذا نختار ان نصطف وراءهؤلاء الذين يجروننا الى المزيد من التطرف في مواقفهم عبر اطلاق شعارات رنانة تدغدغ عواطفنا؟ لماذا صرنا نتحرك وفق خطاب يحاكي لغة العصور البائدة، فيتم تكريس مقدسات ليست مقدسة، ويحل جو من الارهاب الفكري محل اجواء النقد الفعال)).
((هذه التساؤلات وغيرها الكثير طغت على احاديثنا التي امتدت لشهور، وما تزال، وقد اعادتني بالذاكرة الى لحظات مؤثرة مررت بها ابان الانخراط في العمل الحزبي)).
((لاانسى لحظة التقيت احد الاصدقاء المسؤولين في حزب الله، منذ اكثر من عقد خلا، بعدعودته من دمشق ساخطاً، اذ قال بأسى: ((وكأننا لم نوجد الا لنموت في الجنوب))،تعبيراً عن تأففه من طبيعية الدور الذي يقوم به الحزب في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي)).
((كذلك لا انسى حديث مسؤول آخر حينذاك عن ضرورة وضع سلاح الحزب في اطار مؤسساتي حزبي واضح، وعدم تركه تحت سيطرة افراد من العسكر يمكنهم التفرد بقرار استعماله)).
((ولا انسى كيف رفع مسؤول آخر صوته معترضاً على التحالف مع المسؤولين السوريين، الذين لا يؤمن جانبهم، ولا يتمتعون حتى بالحدالادنى من الاخلاقية والاحترام في التعامل مع الآخرين، ولا ينفكون ينهبون ثرواتنا،وغير ذلك مما يصب في الخانة نفسها)).
((كفانا ذوباناً في اولويات الآخرين ومصالحهم بعيداً عن اعتباراتنا الوطنية والاجتماعية، والتي لا يصح الا ان تأتي من كوننا امتداداً لبعضنا البعض)).
ملخص الكتاب :
رامي علّيق من بلدة الخيام في قضاء مرجعيون في الجنوب، والده من بلدةيحمر في النبطية من اسرة تعمل في الزراعة، والده تخرج من المعهد التابع لوزارةالزراعة درس في معهد الهندسة الزراعية في جامعة دمشق، ارسلته وزارة الزراعة اللبنانية بعد تقديره العلمي الممتاز الى مصر ليحصل على تقدير ممتاز كإختصاصي في تنمية المجتمع.. اهتم ضمن اختصاصه عملياً بتربية النحل وتلقى مساعدة مهمة من زوجه في هذا الحقل.
اما والدته فقد ولدت في بلدة كفر تبنيت المحاذية ليحمر وهي ايضاً من اسرة ريفية، تزوجت وهي على وشك انهاء دراستها الثانوية، وعاشت مع بعلها بعد الزواج في بلدة مرجعيون المسيحية.
ابصر رامي النور في مرجعيون، لكنه كان في الرابعة من عمره حين هجرت عائلته البلدة المسيحية بسبب قربها من فلسطين حيث الاعتداءات اليومية للكيان الصهيوني على الجنوب وأهله.. فضلاً عن انفجار الحرب الاهلية في تلك الفترة مع ما صحبها من فرز سكاني بين المسلمين والمسحييين اولاً.. وبسبب هذه الحرب تنقلت عائلة رامي بين بلدات يحمر وكفرتبنيت والنبطية وزفتا، وتعددت المعارف والجيران مما لم يترك له ((صحبة طفولة)).
أول صدمة
اول صدمة تلقاها رامي في الطريق الى المدرسة عندما تعرض مع والده لحاجز لحركة فتح بين قريتي جباع حيث استقر لفترة وعين بوسوار، نتج عن تلاسن حصل بين الاب وعناصر الحاجزوتم اقتياده الى مركز مجاور ليعود ويعلم الجميع ان الوالد اشبع ضرباً من المسلحين الفلسطينيين.
أول درس
درس رامي في صيدا وتلقى دروساً دينية خلال دراسته الحديثة وتعلم أداء الصلاة والشعائر الدينية كما يقول على الطريقة ((السنية)) ولما كان والده يصلي مسدل اليدين سأله لماذا لا يضم يداً فوق الاخرى كماعلمته مدرّسته التي كانت ترتدي غطاء الرأس في مدرسة صيدا، اعطاه والده اول درس في عدم التفرقة: ليس مهماً كيف تصلي لأن الله يقبل الصلاة بأي من الطريقتين.
الاجتياح والارز والحلوى
خلال اقامة اسرة رامي في عين بوسوار حصل الاجتياح الصهيوني عام 1982 وشعر الطفل والسكان يتفرجون على الطائرات الصهيونية تقصف القرى ومراكز المنظمات الفلسطينية ان الجميع كان يتوق الى رؤية المسلحين الفلسطينيين يرحلون عنهم بعد ان عاثوا في الارض فساداً عبر الاعتداء على حريات الناس، وفرض الاتاوات واحتلال البيوت، واقامة الحواجز المسلحة على الطرقات،والتجول بالسيارات العسكرية للمسلحين واطلاقهم الرصاص بين الناس، ناهيك عن التحكم بمقدرات البلد وسلب استقلاله وثروته، وهذا ما يفسر حسبما كتب رامي علّيق ربما مشهد بعض الاهالي ينثرون الارز على الدبابات الاسرائيلية لدى مرورها بمحاذاة بيوتهم.. وكان الاطفال يتقدمون باتجاه هذه الدبابات ليحصلوا على قطع اللبان والحلوى من الجنود الاسرائيليين.
امل ثم حزب الله
بعد مرور سنة على الاجتياح عادت اسرة رامي الى النبطية ليستأجر والده مسكناً في حارة المسيحيين القريبة من المدرسة، فكان معظم اصدقائه من اهل الحارة، عام 1983 كانت حركة امل تسلمت زمام المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي بعد افول نجم المنظمات اليسارية اثر اخراج المنظمات الفلسطينية، وفي الفترة نفسها ظهر حزب الله الى العلن للمرة الاولى في تظاهرات جرت في بلدة جبشيت وفي ضاحية بيروت الجنوبية.
يقول رامي:
شاهدت صور التظاهرات في الصحف ومنها صورة لإمرأة تغطي نفسها بالكامل بعباءة سوداء، علقت الصورة في ذهني لأنني لم اكن قد شاهدت شيئاً مماثلاً من قبل،وكان لافتاً في تلك التظاهرات وجود نساء بالشادور الاسود، وشعارات تشيد بالثورة الاسلامية في ايران، الامر الذي اعتبره معظم الناس ظاهرة غريبة عن مجتمعنا اللبناني في الجنوب في تلك الفترة، كما فهمت من كلام جيراننا وبعض الاساتذة في المدرسة، وبعض رفاقي الذين رددوا ما تناقله اهاليهم.
التفرقة
يكتب رامي ((اثناءاللعب مع اولاد اسر شيعية مقربة من حركة امل، كنت اسمع عبارات تفيد بأن المسيحيين عملاء للاسرائيليين، كان قسم من هؤلاء الاولاد رفاق صفي في المدرسة)).
((وكان لهذا الجو الاعلامي المشحون بالتوتر وأعمال العنف والقتل والتصفية الجسدية للمتعاملين مع اسرائيل، والتي تناقلتها الالسن، ومن تظاهرات ومظاهر مسلحة لعناصر حركة امل، ان دفع بنا الى اظهار حماسة لما تمثله الحركة على الساحة الشيعية، ادت بنا عام 1984 الى اعتبار ادارة المدرسة الانجيلية واساتذتها المسيحيين عملاء لاسرائيل)).
انعكست هذه الثقافة البدائية على حماس دفع رامي ورفاقه عند نهاية العام الدراسي الى رشق زجاج المدرسة بالحجارة لتهشيمه وارعاب من كان داخلها، والهرب بعد ذلك لتقييم ما حدث ثم لحضور شريط عن المستضعفين يتناول حياة الامام الخميني.
كذبة
يعترف رامي بعد ان جاء مدير المدرسة منذر انطوان الى والده يشكو له ما فعله غير مصدق، انه كذب وانه ظل يعاني عقدة الذنب تجاه هذه الكذبة حتى الآن، ومع هذا بعد ان علم والدي بالامر وضربني صممت على تمسكي بموقفي يومها كان والداي شديدي الاعتدال، وكنت انا مشدوداً الى ما يجري من اعمال عسكرية وعنف وأصوات دوي الانفجارات والمدافع وتشنجات كلامية وفعلية ومفردات لغة الحرب والعنف، ومع هذا حافظ رامي على صداقاته مع المسيحيين.. إلا ان مظاهر التزامه الديني في الملبس وطريقة التعاطي مع الآخرين والتحدث معهم دفعت إدارة المدرسة إلى طرده بعد انتهاء امتحانات آخر السنة.
بلغ رامي 13 عاماً من عمره فبدأ يقضي أوقاتاً متزايدة في الجامع تأثر ببعض الاصدقاء دون أن يمنعه هذا من المحافظة على صداقته مع أهل الحارة من المسيحيين. وبدأ نفوره من ممارسات حركة أمل وتجاوزات عناصرها ومنها إطلاق أحدهم النار على شاب آخر على مسبح الغازية حيث كان رامي مع أهله.
بدأ رامي التشدد داخل منـزله بمنع المسكرات والاستماع إلى الموسيقى والاغاني بحضوره، وضرب شقيقته ابنة العاشرة بسبب ارتدائها سروالاً من ((الجينـز)).
تقليد الخميني
باكراً قلد رامي عليق الإمام الخميني كمبدأ شيعي في تطبيق نظرية ولاية الفقيه وكان يراجع المشايخ في أصغرالتفاصيل وأدقها.
تعلم رامي في المسجد ان أهل الكتاب، مسيحيين ويهوداً، هم نجسون ويجب تطهير الجسد حالة ملامسة أحدهم.. ومع استمراره في اللعب مع زملاء مسيحيين فإنه طلب منهم مرة أن يبعدوا عنه بعد ان لمسه أحدهم وان يلعبا معه بلا ملامسة.
إلى هذا تلقى رامي في المسجد ان أموال المسيحيين واليهود وأعراضهم مباحة لنا لكونهم من غير المسلمين، فغزا أشجار الاكي دنيا لأنها في أرض المسيحيين.
زواج المتعة
اقترب رامي من صبايا مسيحيات بقصد زواج المتعة.. مع أي واحدة منهن تنفيساً عن كبت جنسي، ويقول ان ما تعلمه من الجامع ان زواج المتعة هو زواج مؤقت تحدد مدته قبل إجرائه.. وان المتعة حلال للرجل المسلم مع الفتيات من أهل الكتاب ومع المسلمات الأرامل أو المطلقات.. لكن هامش زواج المتعة أخذ بالاتساع شيئاً فشيئاً من أجل إشباع غريزة الجنس عند الشبان والفتيات كما شاهده رامي من تصرفات العديد من الشباب، وكان المشايخ يوسعون دائرة هذا الزواج حتى طال الفتيات المسلمات من غير الأرامل أو المطلقات أو أهل الكتاب.
تعلم رامي أيضاً من المشايخ ان تغليب المصلحة السياسية على القيم الاخلاقية ممكن في إطارولاية الحاكم الشرعي.. وشرط الحصول على ((فتوى)) أو إجازة من هؤلاء المشايخ ومنهم مسؤولون في الحزب.
عاشوراء
كانت عاشوراء في رأي رامي كما مارسها مشايخ حزب الله أساساً لاعتقاد لدى الشيعة بابتعاد المسلمين السنة عن طريق الاسلام الصحيح. فكان يتم شتم الخليفتين الراشدين أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب لسلبهما الخلافة من الامام علي كما يروج مشايخ الحزب.
الالتزام بحزب الله
في مسجد حي السراي في النبطية تعرف رامي إلى مسؤول التعبئة الطلابية لحزب الله، الذي كان بدأ ينتشر في الجنوب نتيجة عملياته العسكرية ضد الاحتلال الصهيوني،ونشر مبادىء الحزب التي يقوم بها مشايخه فتم تكريس رامي مسؤول التعبئة في مدرسته بالرغم من صغر سنه (14 سنة) علماً بأن طموحه كان الالتحاق بمجموعة التعبئة العسكرية.
((أول الغيث)) تهديد مدير المدرسة
في مدرسة حبوش الدولية كان أول نشاط علني حزبي لرامي ضد مدير المدرسة الذي رفض الموافقة على معرض صور للخميني في داخلها. فأنبه رامي لأن زوجه تلبس الجينـز وهي غير محتشمة، طردالمدير رامي فلجأ إلى الحزب الذي وعده بإعادته، فكان تهديد للمدير بالسلاح دفعه إلى إقفال المدرسة لثلاثة أيام، ثم لجأ إلى حركة أمل لإنقاذه من تهديدات حزب الله، ونتج عن هذا اعتقال أمل لرامي ووالده، الذي عاد إلى منـزله بعد فترة تاركاً رامي في سجن الحركة في النبطية.
ارتفعت أسهم رامي في الحزب حتى حصل على وعد من رئيس مجلس شورى الجنوب السيد عباس الموسوي بأن يتكفل الحزب بمصاريفه حتى إنهاء دراسته الجامعية.
كاد رامي أن يصبح شيخاً لولا رغبته بالدراسة العلمية وحاجة الحزب إلى متعلمين وليس إلى مشايخ..
يكشف رامي عليق في طريق النحل ان حزب الله الذي كان يدافع عن المنظمات الفلسطينية أثناء حرب المخيمات مع أمل، ويسرب لهم الأسلحة إلى داخل مخيمات الضاحية كان يرسل مقاتليه للقتال إلى جانب حركة أمل في الجنوب ضد الفلسطينيين أنفسهم.
ويكشف أيضاً مشاهدته لجموع في الحزب تتخذ من جامع السراي في النبطية مركزاً للانطلاق للقتال ضد الجيش العراقي خلال الحرب العراقية – الإيرانية (1980 – 1988).
ويكشف رامي كيف كان الحزب يقفل جامع التعمير في النبطية في وجه المصلين كي يجروا دورات على السلاح داخله.
وكشف رامي ارتفاع شعبيته في الحزب بسبب إبلائه بلاء حسناً في مقاتلة عناصر أمل أثناءالمواجهات بينها وبين حزب الله حتى أصبح بالنسبة للحزب رامبو خاصة بعد اعتقاله في منـزله في النبطية ولم يكن تجاوز الـ15 من عمره..
في معتقله تلقى رامي توكيداً من مدير عام مؤسسة الشهيد المعتقل معه أيضاً بالتكفل بمصاريفه حتى إنهاء دراسته الجامعية ليصبح لديه وعدان منفصلان من الحزب ومؤسساته.
ويكشف رامي أخيراً انه لم يكن يعرف ان شقيقه وداخل منـزل الأهل كان يعمل متخفياً في حزب الله دون أن يكتشف أمره.. لكن هذا الأمر لم يمر دون آثار على الأهل بعد اعتقال الشقيق ونسف سيارة الوالد وإلقاء قنابل صوتية على شرفة المنـزل العائلي ثم حصول تطورات اجتماعية وثقافية دفعت الأم والشقيقة إلى وضع غطاء الرأس واتجاه الوالد نحو التدين.
ان حرص رامي وصموده أمام التعذيب في سجن أمل كان طريق الاعجاب الشديد به في الحزب حتى فتح له باب العمل في الجهاز الأمني بعيداً عن الجهاز العسكري وبشكل متخف ليحفظ له حياته ودوره.
الضاحية الجنوبية والجامعة الأميركية
بعد اشتداد المعارك بين حزب الله وحركة أمل طلب الحزب من رامي التوجه إلى الضاحية الجنوبية لتبدأ فيها مرحلة جديدة في حياته.. مع بدء المعارك في إقليم التفاح ضد حركة أمل التي شارك فيها رامي وأصيب في رأسه ومع هذا ورغم تغيبه عن المدرسة امتحن لصف البكالوريا وكان الناجح الوحيد على مدرسته.
ويروي رامي انه أثناء تواجده في قرية جب جنين في زيارة لعمه طلب من ابنة الجيران وكانت تجاوزت التاسعة من عمرها أن يعقد معها زواج متعة كي يتمكن من مصافحتها وملامستها.
نصرالله يرفض وعد الموسوي
بعد نجاحه في البكالوريا توجه رامي لدراسة الزراعة في الجامعة الأميركية سنة 1991 وواجهته عقبة القسط المرتفع فيها فطلب تنفيذ وعد أمين مجلس شورى الجنوب الذي أصبح أميناً عاماً للحزب السيد عباس الموسوي، لكن إسرائيل قتلت الموسوي وتولى حسن نصرالله الامانة العامة فرفض تنفيذ وعد الموسوي لأنه على حد قوله كان وعداً شخصياً وليس قراراًحزبياً، بما جعله يكتشف ان هناك خلافات عميقة بين السيدين نصرالله والموسوي.
تذكر وعد رئيس مؤسسة الشهيد فذهب إليه فكان الرد شبيهاً بالآخر فتحمل أهل رامي نفقات دراسته في الجامعة الأميركية.
إيران – سوريا
يقول رامي عليق تحت عنوان شهداء في كل مكان في الصفحة 51: ((انتهت الحرب بين أمل وحزب الله بترتيبات سياسية جاء على أثرها وزير خارجية إيران علي أكبرولايتي ليقرأ العزاء على أرواح ضحايا الحزب والحركة)).
((كان الحديث يدورداخل الحزب حول ان الحرب التي حصلت ما هي إلا محاولة إيرانية للتأثير على الساحة اللبنانية بشكل مباشر من خلال حزب الله، من دون المرور بسوريا، مما دفع سوريا إلى استخدام أمل للوقوف في وجه هذه المحاولة)) لكن في النهاية تشكلت قناعة لدى إيران بأن دخول لبنان والتأثير الفاعل فيه لا يمكن أن يتم إلا من خلال البوابة السورية. وقد التحق رامى عليق بالجامعة الأمريكية - كلية الزراعة وشجع إخوته على الالتحاق بها، رغم العقبات المادية التى جرى تذليلها من خلال أمرين: الأمر الأول: هو اعتبار والدى رامى أن التعليم من أولى أولوياتهما. الأمر الثانى: هو حصول شقيقته رلى على منحة دراسية من مؤسسة الحريرى «وهى المؤسسة التى أنشأها الرئيس الشهيد رفيق الحريرى، ومكنت عشرات آلاف الطلاب من كل مناطق وطوائف لبنان من إكمال دراستهم الجامعية فى أرقى جامعات العالم.. دون أى مقابل». فى الجامعة الأمريكية تكونت لدى رامى قناعة بأن بيئة الجامعة فاسدة لكونها تشكل نموذجًا أمريكيًا للحياة ولوجود المنكرات ومن ضمنها قيام الشباب والصبايا بجلسات العشق الحميمة.. رغم أنه كان مرتبطاً بعقد متعة مع فتاة اسمها فاطمة. هنا يقول رامى: كنت أرفض ما كان يحدث فى العلن فى حرم الجامعة وأسعى وراءه فى السر لطالما سألت نفسى فيما بعد، ولو بصمت: أى نفاق هذا، ومن أين أتى، وكيف دخل إلى حياتنا ليصبح نمطًا؟
التعبئة التربوية
تم تعيين رامى ممثلاً للتعبئة التربوية للحزب فى الجامعة الأمريكية مكتشفًا أن حزبه لا يعير اهتمامًا كافيًا لها كأن الأمر ناتج عن شعور بالنقص لديهم تجاه كونها أمريكية.. ربما ساعد على ذلك إعلان الحرب على كل ما هو أمريكى بعد وصف الإمام الخمينى لأمريكا بالشيطان الأكبر. لتغيير هذه النظرة سعى رامى للقاء أمين عام الحزب حسن نصر الله، لكن الأخير كان مسافرًا إلى إيران فالتقى نائبه نعيم قاسم عارضًا مخططًا للتحكم بأهم المفاصل الرئيسية فى الجامعة المتعلقة بالطلاب والأساتذة والإدارة قائلاً له: أستطيع أن أجعل الجامعة فى قبضة يدنا.. شارحًا ضعف بنيتنا التنظيمية للتعبئة التربوية بسبب تفوق الأجهزة الأمنية والعسكرية عليها.
كان رامى يسعى لإطلاق يده فى الجامعة متحررًا من سيطرة الحزبيين المطلقة معتمدًا رفاقًا قدماء، وكان أول امتحانين نجح فيهما وأنهاهما.
1- منع إقفال نادى التراث العربى الذى كان محسوبًا على الحزب.
2- دعوة السيد محمد حسين فضل الله إلى محاضرة كانت ممنوعة سابقا.. لكن هذه الدعوة الناجحة طبعت فى ذهن كثيرين فى الحزب أن رامى محسوب على السيد محمد حسين فضل الله الذى بدأ الحزب يبتعد عنه شيئًا فشيئًا حتى وصل الأمر إلى حد منع الصلاة خلفه، وطرد من يقلده من الحزب بعد حرمانه من كل المزايا المالية والخدماتية والصحية والتربوية.. كان السيد فضل الله حريصًا على الاستقلالية بخصوص العلاقة مع السلطات الإيرانية.. على عكس الحزب.
التكليف الشرعى
تنظيم صفوف الحزب فى الجامعة اعتمد التكليف الشرعى كامتداد لولاية الفقيه الممثل بولى آمر المسلمين فى إيران، فى اعتقاد أنها تستمد حجيتها من الله، إلى درجة مصادرة هامش المناقشة والنقد فى سبيل تنفيذ الأوامر بشكل صارم. أول مظاهره إلغاء البيت المفتوح.. (Open House) وهو تقليد سنوى يسمح بزيارات متبادلة فى يوم محدد بين الطلاب والطالبات.. حضر طلاب حزب الله إلى «كير هول» ومنعوا بالقوة هذا النشاط رغم حضور 300 عنصر من قوى الأمن الداخلى وأمن الجامعة. انتشرت شعارات الحزب الدينية فى الجامعة فى المناسبات خاصة فى عاشوراء ما دفع إذاعة «مونت كارلو» إلى وصف حرم الجامعة بأنه متشح بالسواد. سير الحزب دوريات لمنع جلوس الطلاب والطالبات بشكل حميم على المقاعد، وقمنا برش العشب بالمبيدات لحرقه لمنع الجلوس عليه، فى وقت كان فيه شبابه وفتياته يسعون سرًا إلى الجنس والعاطفة.. كنا نعيش ازدواجية فى معايير النضج لدينا كما قال رامى. يقول رامى عليق: «رأى طلاب الحزب أن حرصى على مصالحهم كان فى مقدمة أولوياتى، وكنت مستعدًا لفعل ما يمنع تعرضهم لأى أذى، وقد ترجم هذا أفعالاً وتهديدات طالت عددًا من الأساتذة والإداريين عندما وقعت أيديهم على تجاوزات لأنظمة الجامعة قام بها طلاب الحزب». «اعتقادًا منا بأن الشيعة هم فى تعرض مستمر لمؤامرة تهميشهم» قمنا بمحاولات اختراق أنظمة امتحانات الدخول وملفاتهم من أجل تمكين أكبر عدد ممكن من الطلاب من الشيعة من الانتساب إلى الجامعة، وعندما انكشفت بعض تلك المحاولات طلبت بلغة لم تخل من الترهيب إلى الإداريين المسئولين عن ملفات الالتحاق عدم إثارة هذا الموضوع فلم يفعلوا». يتابع رامى عليق كتابته فيقول:
«من المهام التى أوكلت إلى كإرث أسلافى الحزبيين، ولم يكن لى شرف السبق فى ابتداعها، مهمة الطلب إلى الأساتذة فى نهاية كل فصل دراسى زيادة علامات طلاب الحزب، الذين كانوا بحاجة إلى رفع معدلاتهم.. مضطرًا إلى تهديد الأساتذة لتحقيقها فى بعض الأحيان». «قمنا بتأمين خدمة التخابر الدولى وبيعها للطلاب عبر جهاز الهاتف النقال قبل اعتماد الهاتف الخلوى فى لبنان واستطعنا التأثير بشكل كبير على قرارات إعطاء المنح الدراسية من قبل مكتب شئون الطلاب، والتحكم بتوزيع عدد من الغرف فى مبانى السكن، وفيما عجزت النائبة بهية الحريرى عن توفير غرفة لأحد الطلاب الجنوبيين نجحنا نحن فى توفير هذه الغرفة».
الصندوق السرى
«بلغت قوتنا داخل الجامعة حد تزويد إداريين وأساتذة لى بمعلومات لم تكن معروفة، ومنها «صندوق الحريرى السرى لمساعدة الطلاب المحتاجين». «وأصبحت مرجعًا داخل الجامعة لحل خلافات الأساتذة الشيعة، وكان التذرع فى التدخل أن هناك محاولات لإقصاء الشيعة عن الساحة الجامعية». برغم كل الإنجازات التى حققها رامى عليق للحزب فى الجامعة.. وانطلاقًا من حسابات شخصية ضيقة وادعاءات بأنى محسوب على السيد فضل الله تارة، وبأننى لا أقوم بتنفيذ العديد من التكاليف الشرعية الموجهة إلى من قبل جهاز التعبئة تارة أخرى، أوعز هؤلاء إلى أعضاء جهازى شورى القرار والتنفيذ فى الحزب، افتراءً بأننى لست من أتباع الخط الأصيل فى الحزب، الخط النابع من التقيد الكامل بولاية الفقيه، عملوا على حبك الموضوع بشكل متواصل، مما أدى فى النهاية إلى نجاحهم فى تحقيق هدفهم عن طريق فتح قنوات اتصال تنظيمية مع طلاب الحزب، فى الجامعة دون علمى، وتسللاً بسرقة الإنجازات وإضافتها إلى أرصدتهم لدى القياديين فى الحزب بعد معرفتى بما كان يحصل قادنى انفعالى، وبمرارة كبيرة، إلى تقديم استقالتى من العمل ضمن جهاز التعبئة منتصف عام 1994 استقلت بعد أن نجحوا فى مخطط الإحراج للإخراج، دون أن يسربوا خبر الاستقالة حتى لا يتأثر الوضع الحزبى والمؤيد لى وسط الجامعة.
تساؤلات عابرة
أثر جو الجامعة المنفتح على منهج رامى لجهة التحفيز على الاختلاط بين أصحاب المشارب المختلفة، مع المحافظة على الالتزام الدينى متسائلا عن جدوى هذا التعصب والانغلاق الدينى. كانت هذه التساؤلات المقدمة الطبيعية لعمل ديموقراطى بين الطلاب بعيدا عن الحزبية والتعصب الدينى.. ولإطلاق تحرك طلابى واسع مستغلين قرار الجامعة بزيادة على الأقساط السنوية. بعد اعتقال أحد الطلاب إثر خطبة ضد الزيادة دعوت إلى الإضراب المفتوح وأمهلت الإدارة ساعة لإطلاق سراح الطالب.. استفحل الأمر مما دعا الجامعة لتدخل قوى الأمن.. ولم تفعل شيئا فحضر العقيد جهاد عن الاستخبارات السورية ورفضت مخاطبته بحجة انشغالى فانسحب غاضبا مرسلا مخبريه لاعتقالى، مما دفعنى لإطلاق شعارات تلقفها الطلاب مرددة ضد أى تدخل سورى. بعدها حضر مسئول الأمن فى حزب الله وفيق صفا ومعه النائبان محمد برجاوى ونجاح واكيم طالبين منى وقف الاعتصام والتحرك والانسحاب منه.. بناء على تكليف شرعى صادر عن الأمين العام حسن نصر الله طالبا منى الاتصال به مع تعليمات بألا أعود إلا وأنت معى حتى لا يضع السوريون يدهم عليك.. أبلغته بعدم نيتى مخالفة التكليف الشرعى لكن من الخطأ الانسحاب لأن فيه انقلابا غير أخلاقى على الطلاب المعتصمين من غير الحزبيين.
استمع إلى النائب برجاوى بشىء من التفهم، عاد واتصل بالسيد نصر الله شارحا موقفى ثم أخبرنى فى الخلاصة بأن الأمر يعود إلىَّ.
يقول رامى عليق بعد هذه الواقعة:
تعزز لدىِّ تساؤل فى الأيام التى تلت عن مغزى تقديس التكليف الشرعى إذا كنا بصدد نتيجة عوامل سياسية أو اجتماعية غالبا ما ترتبط بمزاج من يصدره، كذلك ما الذى يمنع المشاركة فى إصداره أو إمكانية تغييره إذا تم إخضاعه للنقاش.. بما يمنع عنه صفة القدسية
التعليقات (0)