جلست سيدة زوجة محمد أبو زبادي إلى طشت الغسيل وهي في ندم على حظها في الحياة فكل صديقاتها في الحارة إشتروا غسالات كهربائية وهي ما زالت تغسل أثمال زوجها وملابس أسرتها بيدها ...حتى صارت أصابعها البضة اللينة في شبابها أصابع خشنة مثل تلك التي في يد زوجها تماما... كان محمد أبو زبادي يسرح بالتروسيكل الشتوي يبيع غزل البنات وفي الشتاء يغير حوض التروسيكل ليضع مكانه حوض الدندورمه (الآيس كريم) ويطوف في القرى المجاورة وبزمارته المميزة لينبه الأطفال أن أبو زبادى قد أتي فأقبلوا يا أحباب...يعود أبوزبادي إلى منزله العاري من الأثاث إلا من الكنبة والحصيرة والكولمان وسرير الزوجية السعيد بعشرات القروش في ذلك الوقت من ستينات القرن الماضي وفي وقت إنشاء السد العالي..... ينقل أبو زبادي إلي الكولمان ما بقي من ثلج الدندورمه ليشرب الماء البارد ويحمد الله قبل وبعد العشاء....الرضا كان رزق الأسرة.. والحمد لله سلاحها في التغلب على الفقر والحاجة ...والتروسيكل هو محل أبو زبادي المتنقل يمضي كل يوم جمعة في صيانته وتشحيم الجنزير وغسل الحوض بالماء والصابون وتجفيفه بفوطة خاصة لا تستخدم أبدا في غير ذلك الغرض... دارت الأفكار في عقل سيدة بينما يداها تغسل وشفتاها تغني أغنيات فايزة أحمد مع أهازيج الريف وموواليه العذبة وتنتظر عودة وزجها (الذي كان في نظر رجال القرية يشبه الجمل في صبره والنملة في دأبها والنحلة في توفير عسلها لتبذله لباقي الخلية وللمتطفلين من البشر) ...لم تكن الغسالة الكهربائية هي شاغل سيدة الوحيد ولكن يشغلها دراسة أحمد أكبر أبنائها الذي ما زال في صباه وتتمنى لو تراه في أعلى المناصب يحمل دبلوم التجارة مثل شباب القرية النجباء...التروسيكل لم يكن وفيا ل(أبو زبادى) كما يجب وكل فترة ينقطع جنزيره ويحتاج إلى تغيير رمان البلى عند جودة العجلاتي حيث أن الإصلاح ليس في استطاعة الصابر أبو زبادي...إنها مشكلة عارضة تحدث كل بضعة أسابيع تستهلك من رصيد الأسرة قدرا عزيزا من قروشها المحجوزة للظروف....سألته سيدة:...
يعني التروسيكل حا ياخد كام يا محمد ؟...قالتها في خوف دفين.....
يعني..... اتنين تلاتة جنيه....
طيب بسيطه....
فكت الصرة التي تحملها ليل نهار في أقرب نقطة إلى قلبها وأعطته المبلغ.....
لا بد أن يفصل محمد العجلة عن التروسيكل ليحملها على كتفه إلى جودة عند سويقة الخضار ...
سار في طريقه إلى الورشة ويراوده حلمه القديم بالحصول على دكان يبيع فيه الغزل والدندورمه وبعض البقوليات والشاي والسكر حتى يخرج من ضائقته ...فصبيان القرى لم تعد تجذبهم منتجات التروسيكل حيث ظهرت في دكان البقال عبد الوهاب حلوى مغلفة جديدة يحثهم الأهل على شرائها خوفا على الصحة واتقاء للمجهول ...
غاص أبو زبادي في أفكاره وآماله ولم ينتبه إلى حصان الكارو المسرع على الطريق حيث دهمه الحصان وكسر ساقه وأصابه ببعض الرضوض ...كان العربجي رحيما فحمله إلى الوحدة الصحية ثم نقل بعد ساعات إلى مستشفى المركز ليواصل العلاج
التعليقات (0)