سيباستيان بنيرا و حكامنا العرب

تابع العالم مؤخرا أزمة منجم سان خوصي بالشيلي الممتدة لأكثر من شهرين و النهاية السعيدة التي آلت إليها بعد خروج المنجميين أل 33 بفضل صمودهم و قدرتهم على التكيف و التكاثف تحت قيادة لوشو اورزيا أخر الناجين الذي قاد بقوة و حنكة معركة الموت و الحياة لكن ثقافة الحياة كانت أقوى من الاستسلام و الرضوخ و الانصياع لصوت الشيطان كما قال احد أبطال الملحمة.
و إذا كانت وسائل الإعلام العالمية قد سلطت الأضواء على هؤلاء المنجميين باعتبارهم نجوم هذه البطولة الإنسانية فاعتقد أن الرئيس الشيلى سيباستيان بنيرا يستحق هو كذلك أن يكون من نجوم هذه الملحمة إذ قام بتجييش كل إمكانيات الدولة و استغلال كل العلاقات الدولية بدء بوكالة ناسا الفضائية للوصول إلى هذه النهاية السعيدة.بل حرص على التواجد و الاستقبال الشخصي للناجين و الاطمئنان عليهم و الرفع من معنوياتهم وكم كانت تهتز مشاعري حين كان يبادر الرئيس بنيرا إلى مصافحة و معانقة كل من تلفظه باطن الأرض لمنجم سان خوصي دون برتوكول و إجراءات رسمية.
إن الإشراف المباشر و التواجد اليومي للرئيس بنيرا في موقع الحدث لا يؤشر إلا على الإحساس بالمسؤولية و الأمانة و الواجب الملقى على عاتق من يتحمل تدبير الشأن العام و أهمية و قيمة الإنسان الذي ينتمي للوطن مهما كان جنسه و لونه و دينه و عرقه إذ تكفي رابطة الانتماء حتى تجند كل الطاقات و المجهودات.أما في عالمنا العربي فالبون شاسع فاستغلال آلام الناس و المتاجرة بأحلامهم و أمالهم هو طريق للوصول إلى السلطة و مراكمة الثروات و الشواهد على ذلك لا تحتاج إلى دليل و لعل أخرها ما يجري في الانتخابات في مصر و التي تزامنت مع غلاء الطماطم حيث تحولت هذه الأخيرة إلى ورقة انتخابية لاستمالة الأصوات في ظل صمت مطبق من الحكومة وعدم قيامها بواجبها الدستوري في توفير كل متطلبات العيش اليومية و جعلها في متناول القدرة الشرائية للمواطنين.
الأكيد أن لا مجال للمقارنة بين الرئيس بنيرا و بين حكامنا العرب فشتان بين من يسير ولو ببطء في تشيد و بناء مجتمع إنساني يسمو بقيمة الإنسان و بين من يسعى إلى تدمير الإنسان مخافة أن يسائله يوما عن شرعيته.بل إنهم أمعنوا في فتح الجراحات حتى تحولت مجتمعاتنا إلى دول للمخبرين و المتلصصين خسرت كل معاركها الإنمائية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية دفعت بالمواطن إلى تمني ذلك اليوم الذي يتخلص فيه من هذه الأنظمة و لو اقتضى الأمر التحالف مع الشيطان كما عبر عن ذلك يوما محمد مهدي عاكف المرشد العام السابق للإخوان المسلمين بمصر.