سياسة القمع
في أحد الأيام قرر رئيس مجلس الإدارة في إحدى المؤسسات منع التدخين في كل مرافق المؤسسة التي يديرها وعليه تم إبلاغ الموظفين قبل أسبوع من البدء في تطبيق القرار، وبالطبع لم يأخذ الموظفين الأمر على محمل الجد ، إلى أن جاء اليوم الأول من سريان مفعول القرار وفوجئ الموظفين حينها بإغلاق المرافق التى اعتادوا الجلوس فيها للتدخين وبوجود كاشفات الدخان في جميع المكاتب بلا استثناء, حينها بدأ الموظفون بالاستسلام إلا أنه بعد مضي ساعتين علا نداء الحاجة للنيكوتين في دمائهم ، فانتهى بهم الحال بالهرب نحو سياراتهم للتدخين فيها خفية ..!
ما ذكرته مجرد مثال بسيط على سياسة القمع الإداري عند بعض المدراء وهي ليست بجديدة فكثيرا ما مورست علينا والمشكلة أن كثيرا من أصحاب هذه السياسة مازالوا يؤمنون بها ويتخذونها منهجاً في تطبيق قراراتهم على الرغم من كونها غير مجدية البتة ، كما في المثال الذي ذكرته لم يوقف الموظفين ما فعله المدير ووجدوا طريقة أخرى لفعل مايريدون بعيدا عن دكتاتوريته، التي أدت في النهاية إلى تعطيل العمل ، بينما كان من الأجدى و الأفضل أن يترك لموظفيه مكاناً للتدخين مع ترتيب أوقات خروجهم بحيث لا يتم تعطيل العمل.
وإذا كان ما تقدم يمثل وضعا مؤسفا في الإدارة ويكاد يكون من المسلم به إلا أن المؤسف حقا أن نجد سياسة القمع هذه لا تتوقف عند العمل الإداري فحسب بل تمتد إلى الحياة الاجتماعية ونجدها في أغلب البيوت بما فيها المحسوبة على العلم والثقافة ، ولكم رأينا حالات قمع شديدة لرأي الصغار ، أو عندما نجد تسلط أحد أفراد العائلة حينما يقوم بمصادرة رأي الآخرين وإصدار القرارات التي توافق هواه رغم أهميتها لكل الأسرة بل ربما يصل به الأمر إلى التدخل في الأمور الشخصية لأفرادها .
وحتى في الحقل التربوي نجد كثير من الأساتذة يقمعون مشاركات الطلاب ويرفضون آرائهم واقتراحاتهم حتى لو كانت جيدة ,لأنهم يعتقدون أن آراءهم وقراراتهم دائما في المقدمة.
وبناء على ما تقدم نستنتج دون عناء أن سياسة القمع في أبعادها الإدارية والاجتماعية والتربوية تؤدي إلى اندثار الإبداع فضلا عن الكبت التي تسببه للموظف أو الطالب وهذا ما يدركه المدراء والمعلمون من هذه النوعية جيداً كون هذه التصرفات لا تصدر إلا من شخص مريض يوجد بداخله غضب كامن لا يعرف كيف ينفس عنه رغم علمه قصر عمر هذه السياسة وأنها لا تفي بالغرض بالنسبة لتعديل سلوك الآخرين .
التعليقات (0)