نصت شرعة حقوق الطفل أن للاطفال الحق في اللعب في كل شئ الا في السياسة، وذكر علماء التربية في الشرق والغرب والشمال والجنوب ان التعليم بالمحاولة والخطأ ينفع في كل شئ الا في السياسة.
فمصائر الناس وادارة شؤونهم وتحقيق مصالحهم لا يمكن ان تناط بالاطفال او بالاغرار،لأن وزارة العقل والوعي تحذر ان ذلك يؤدي الى اعراض خطيرة ومميتة، بل قد يؤدي الى دماء ودمار، وسراب وخراب.
كم كابدت البشرية من سياسة الاطفال وعانت من اطفال السياسة كم غامر الناس في انتخابات او في مبايعات او في توريثات، فسلموا مستقبلهم لاولاد في السياسة واغرار في الرياسة، فكانت هذه النماذج عبرة لمن يعتبر وامثولة لمن يمتثل.
كم دخلت بلاد في منزلقات سحيقة واندثرت ممالك في وديان عميقة، لمجرد ان زعيما لم يجد لابنه بلاي ستايشن يهديها له في عيد ميلاده، ولكن وجد ان لعبة الزعامة تليق بابنه البار، فكلله باكليل الغار وجعله رمز الانتصار، فجلب لبلده الانمحاء عن الخريطة، ولوطنه الاندثار والانكسار.
كم راينا من نماذج لممالك سيرت المواكب لتتويج الامير الصغير ملكا جليلا، لا يعرف من الملك الا كلمة تاج، ولا من الحكم الا كلمة كرسي، ولا من القيادة الا الصولجان، فبدل ان يكون زعيما من الزعماء اصبح ذو عماء واخذ يضرب خبط عشواء من اصابه اماته ومن اخطأه اوقعه في دوامة شعواء.
في لبناننا الحبيب من اطفال السياسة من اتقن لعبة كرة القدم، وظن ان الهجوم والدفاع واليمين والشمال وخط الوسط والمرمى والهدف وركلة الجزاء هي مفردات السياسة، ورسم في مخيلته الوطن كرة يتقاذفها هو ورفاقه من اللاعبين، والاصعب من كل ذلك انه اتى بمدرب اجنبي لفريقه، يملي عليه الخطط ويرشده الى اساليب اللعب، وراح يلعب بالبلد، ويا ليته يلعب هذه اللعب ببراءة الاطفال ولكنه يلعبها بخشونة لم تعهدها الملاعب من قبل، ويلعبها برعونة لم تشهد لها البشرية مثل.
الهواة في السياسة، المتشردون عن قواعدها وضوابطها وقيمها الوطنية، المتلاعبون باوتار الطائفية والمذهبية لمصلحة مآربهم الضيقة الشخصية، هم خطر على الصيغة اللبنانية، وكل مواطن يساهم في وصولهم او بقائهم في المناصب والمهمات القيادية، يساهم في ذبح مستقبله ومستقبل اولاده ومستقبل الصيغة اللبنانية النموذجية.
لبناننا للأسف اصبح العمر المسموح فيه بممارسة السياسة هو بين 8 و14، والمطلوب ممن يتعداه الاعتزال وأن يتعرض مستقبله السياسي للاختزال ذلك ان الراشدين في السياسة، البالغون مستوى الحنكة السياسية والممتلكون للمهارات القيادية وللقدرات الفكرية، ليسوا قادرين على نشر الفتن وصنع المحن، وتحريك الحروب واختراع المعارك الوهمية، التي يستفيد منها اعداء الوطن وتجار السلاح وأمراء الحروب الاهلية.
جرّب لبنان ويجرّب هؤلاء الاغرار في السياسة، وعانى حربا اشعلوها بطفيليتهم السياسية، فجلبت الويلات على الوطن وابنائه وخرج منها بقليل من الاحتراف السياسي من بعض من فهموا حركة التاريخ، واتقنوا تدوير الزوايا والالتفاف على الازمات وادارتها، للخروج منها باقل الخسائر الممكنة، نجحوا احيانا واخفقوا احيانا اخرى ولكنهم في الغالب لم يلعبوا، بل كانوا يقومون بما يقومون به عن وعي وتبصر وحكمة وتعقل.
بعد وفاة اكبر هؤلاء المحترفين في السياسة، بعد وفاة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، على يد ربما احد المدربين الاجانب لاطفال السياسة، استلم البلد ليخرجه من مأزقه رجل محترف من الكبار، ومحنك من النُخب المفكرة المثقفة باعتراف بعض اغرار السياسة، استلم البلد في احلك اوقاته لثلاثة اشهر، وصنع فيه ما ادهش، واستطاع ان يجري انتخابات ولأول مرة في لبنان ديموقراطية باعتراف كافة الافرقاء اللنانيين.
وعادت سياسة الاطفال العاطفية النزواتية لتلعب بالوطن الذي نحب، بالبلد الذي نعشق، عادت لتلعب باحلامنا بالازدهار، عادت لتعبث بآمالنا بالاستقرار، عادت وجرَّت الوطن الى صراعات آذار وعيد طفوليتهم السياسية فيه، وجرَّت البلد الى 7 ايار، وعلق البلد في دوار.
اليوم عاد المحترف الوسطي صاحب القيم السياسية التي يشهد له فيها القريب والبعيد والعدو والصديق - عفوا ليس له عدو الا اعداء الوطن- عاد ليكون مطفئ الفتنة، مخمد نيران الصراع المذهبي البغيض، عاد ليرسم للوطن سياسة تخرجه من سياسة المحاور، تبعده عن نزاعات القبائل، وتنتشله من براثن البراجماتية الدولية، لتضعه في لبنان الوطن السيد الحر المستقل.
دعوه ايها الهواة يقودنا كلنا للوطن دعوه يشملنا بكلنا للعمل، اعطوه فرصة ليريكم افعاله، ولا تبكوا كراسيكم كالاطفال الذين سحبت منهم لعبة ليقوموا الى درسهم، ويأخذوا الوقت الكافي ليتعلموا من اساتذة السياسة الجذر اللغوي لهذه الكلمة والمعنى الاصطلاحي لفعل ساس يسوس، فقد نخر السوس اسنان الحليب لديهم، بسبب ما تناولوه من اطعمة الفساد والرشوة، واشربة الفوضى والعبثية.
دعوه يعمل لاجل لبناننا دعوه ينفذ توجهه السياسي بالوسطية، وتخطيطه الاقتصادي في ميثاق بيروت الابية، ورؤيته الاجتماعية المتقنة المؤسساستية لرفاه الانسان عبر الرعاية والتنمية البشرية. دعوه يمارس قيمه التي خبرها منه كل من عرفه.
دعوه يعمل بالتسامح والاعتدال والوسطية للوصول بالوطن الى شاطئ الامان لتعيشوا ونعيش ويعيش لبنان.
كفوا عن لبناننا سياسة الاطفال واطفال السياسة.
نسيم ضناوي
التعليقات (0)