اشترى عروان أبو جاسم، مركبة جديدة صُنعت سنة 1970م، كان يحبس مفتاح المركبة عن ابنه جاسم، لأنه كان غثيثاً، يصر ويلح على أبيه بطلب ركوب المركبة إلحاحاً، وأبوه لا يرضى بتاتاً. كان جاسم يتحين الفرصة.. لتغذو الرغبة رهينة.. ويفضي به الحال إلى اعتناق مقودها.
في ظهيرة أحد أيام القيظ الملتهب سنحت لجاسم سانحة. بعد أن قال أبوه وأطال في قيلولته، تدحرج المفتاح من جيبه وهو في سبات عميق.. شاهد جاسم المفتاح.. ترقب.. نظر.. أخذه.. وانطلق مهرولاً إلى المركبة.
لقد ابتعد كثيراً بخياله لما رأى أنه صار أمام المقود. عزم على المسير.. تقدم قليلاً.. ثم تراجع.. ثم تقدم.. ثم تراجع.. ثم تقدم.. إلى أن فقد السيطرة على المركبة.. تقدمت حتى تصافر جسدها بجدار بيت جاره.. تصادى صوت الاحتكاك عالياً، لا يدر ماذا يعمل!.
أستند على منبه المركبة بدون قصد، نبه الجيران من رقادهم، ونهض الجميع من فُرُشِهم.
ارتاع مما شاهد .. خرج من المركبة.. رمى المفتاح داخل البيت.. هرب.. اختفى إلى السراب.
لم يدر الناس ما القصة عند خفوت الصوت بعد أن راعهم، اقتربوا أكثر نحو المركبة. استيقظ عروان من قيلولته العميقة، شاهد الناس أمام مركبته، أضحت خربة.. ملتصقة بالجدار ومتخدشة من جانبها.
قال الناس له “مالك يا أبا جاسم؟ ألم تكن قد تعلمت القيادة وأجدتها؟”.
كان مشدوها.. ينبش في جيبه.. يبحث عن مفتاح المركبة.. قرع جرس في نافوخه “فعلها الوغد”.
أطلت الوجوه نحو الشرق.. إذ جاسم قادم من بعيد، تظاهر بالاغتمام الشديد.. والضيق.. والذعر مما يرى.
قال وهو ينظر للمركبة “يالله ماهذا يا أبي؟ .. ألم أقل لك أن تعلمني القيادة؟.. فأنت لم تعد ترى جيداً”.
قال عروان “لا أدري ماذا أقول فيما حصل! .. لكن برئت من هذا الولد إن دخل بيتي شهراً”.
وانتزع حذاءه ورمى به عليه.. فولى جاسم هارباً يغمغم.
التعليقات (0)