لايمكن أعتبار مرور سفينتين حربييتين أيرانيتين من قناة السويس خبراً عادياً بأي مقياس ، فلم تعبر سفينة أيرانية حربية قناة السويس منذ قيام الثورة الأيرانية اللتي أسقطت نظام الشاه الدكتاتوري في عام 1979 ، وأستقبال السادات لدكتاتور أيران آنذاك كلاجيء ، وهو الرئيس الوحيد في العالم اللذي قبل أستقبال هذا الدكتاتور ، بعد أن رفضت أستقباله حليفته الأولى الولايات المتحدة وباقي دول الغرب ، تماما كما حدث مع بن علي .
ولو قرأنا ما قاله شمعون بيريز خلال زيارته لأسبانيا حول هذا الموضوع ، لتاكد لنا مدى أهمية دلالات هذا العبور الحربي الايراني لقناة السويس ، حيث قال بيريز .
"هذا استفزاز رخيص من ايران . مرور السفينتين لا يمثل تهديدا بذاته على منطقتنا لكن التهديد الحقيقي والواضح كضوء الانذار، هو لاوروبا ولبقية العالم ."
والحقيقة اللتي أخفاها بيريز هي أن هذا الأختبار ليس فقط للأسباب اللتي قالها ، فأيران لديها من المشاكل الداخلية والخارجية اللتي تجعل من هجومها على الغرب أنتحاراً ، بل أن الأمر يتعدى ذلك بكثير ، أمر لا يريد بيريز ولا الغرب التكلم عنه الآن بأنتظار ما ستسفر عنه تحركاتهم للسيطرة على الوضع في الوطن العربي اللذي خرج عن سيطرتهم ، أو كاد .
، فما دلالات هذا العبور للسفينتين الأيرانيتين لقناة السويس ؟ .
منذ أن وقع السادات كامب ديفد ، باعت مصر جزء كبير من سيادتها الى أمريكا والغرب مقابل المال ، وأذا عرفنا أن هذا المال كان على شكل مساعدات عسكرية في مجمله ، فسنعرف مدى الخسارة المعنوية والمادية اللتي خسرتها مصر من جراء هذه الصفقة الشيطانية .
كتب ديفد ريف ، على موقع أذاعة NPR الأمريكية مقالاً بعنوان ، " الجمهورية الجديدة ، سقوط المساعدات الأمريكية في مصر " ، فقال ، (رابط 3) .
" صحيح أنه منذ عام 1975 ، قدمت (USAID) ما مجموعه 28 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية والتنموية لمصر ، وأن هذه البرامج قد تم تصميمه تصميما جيدا . ألا أن الوقائع لا تسمح الا باستنتاج واحد فقط .
فوفقا للشروط المطبقه في الولايات المتحدة ، وعلى المستوى الجزئي ، فأن المساعدات العسكرية لمصر تتمتع بقدر من النجاح ، بينما على المستوى الكلي ، فأن المساعدات الإنمائية لمصر وبأي مقياس موضوعي ، قد فشلت فشلاَ ذريعاً .
يبلغ متوسط المساعدات العسكرية لمصر 1,3 مليار دولار سنويا ، وقد سمحت هذه المساعدات للشرطة المصرية والقوات شبه العسكرية بقصف المتظاهرين بوابل بعد وابل من الغاز المسيل للدموع ، مصنوع في مصانع Combined Systems International بجيمس تاون في ولاية بنسلفانيا .
لابد وأن نشعر بالأستغراب ونحن نتسائل عن هدف واشنطن من تزويد القوات المسلحة المصرية
بمنصات ونظم وأسلحة مثل طائرات إف 16 ، ودبابات القتال الرئيسية أبرامز وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز أباتشي ، وبطاريات صواريخ مضادة للطائرات ، وأشياء أخرى كثيرة ، حتى لا تستخدم ضد اسرائيل " .
وفي عدة مقالات وبرامج امريكية تسائل بعض الصحفيين عن حقيقية، " امتلاك الولايات المتحدة لمصر ! " ، وكانت صيغة السؤال اللتي وردت في كذا برنامج وصحيفة هي ، " نحن دفعنا الى مصر أكثر من خمسين ملياراً من الدولارات ، أفلا يعني ذلك بأننا نمتلك مصر ؟! " ، (رابط 5 ,6) .
هذه المقالات والأسئلة تشرح سرعة التلويح الأمريكي بقطع المساعدات عن مصر في المراحل الأخيرة من الثورة ، حيث أرادت الولايات المتحدة أيهام الجميع بأنها أصبحت تساند الثورة المصرية ، بينما في الحقيقة هي كانت تعبر عن ما سيحصل لو أن أي نظام جديد لايلبي مطالبها تجاه الصهاينة وسياساتها في المنطقة سيقتضي بالضرورة قطع توريد الأسلحة الى هذا النظام الجديد ! .
يقول ديفد ريف في ذات المقال .
"" كشف موقع ويكيلياكس عن برقية بعثت الى واشنطن من السفارة الأميركية في القاهرة في آذار / مارس 2009 ،وقد لخصت هذه البرقية المنطق الأمريكي اللذي يعلل المساعدات العسكرية لمصر ، ورؤية الرئيس مبارك حول هذا الموضوع ، وبوضوح رائع ، وهذا أمر يستحق أن نسلط الضوء عليه بشيء من التفصيل .
" الرئيس مبارك والقادة العسكريين المصريين يرون برنامجنا للمساعدات العسكرية بوصفه حجر الزاوية في علاقتنا معهم ، كما يرون أن ال 1.3 مليار دولار أمريكي من التمويل العسكري الخارجي هي بمثابة " تعويض أو ثمن " يستحقونه عن صنع السلام مع إسرائيل ، وأيضا للحفاظ عليه .
أما الفوائد الملموسة اللتي حصلنا عليها من هذه العلاقة الواضحة هي :..
أن مصر لا تزال تعيش في سلام مع إسرائيل .
وأن الجيش الامريكي يتمتع بأفضلية لعبور قناة السويس والاجواء المصرية .
وعلى مدى العام الماضي ، دخلنا مع قادة وزارة الدفاع المصرية في أتفاقيات على أهداف استراتيجية مشتركة لمواجهة التهديدات الحالية والناشئة ، بما في ذلك أمن الحدود ومكافحة الإرهاب والدفاع المدني ، وحفظ السلام . وهو ما عنيناه بالنجاح المحدود .
كل ما يفكر المرء في هذه "الفوائد الملموسة" ، فأنه لا يستطيع أن يتعرف على الحكمة من الاستمرار في سياسة المساعدات العسكرية ، ولا الأستراتيجية مع ، عدم وجود المبررات العسكرية . والاضطراب الإسرائيلي سيظهر جلياً مع احتمال نهاية نظام مبارك ...."" .
ما أن تأكد للجميع ، أن الشعب المصري في طريقه الى أـسقاط نظام حسني ، حتى سارع حلفاء الأمس الى تغيير موقفهم من الفرعون بمئة وثمانين درجه ، ومع أن الغرب قد أعترف ضمناً بأن لا فضل ، ولا شأن له بأي ثورة في الوطن العربي ، قبل أن يعترف علناً بذلك على لسان اوباما في خطابه الأخير حول ليبيا ، ألا أن رؤساء الجمهورية ورؤساء الوزارات من الكيان الصهيوني شرقاً ، وحتى الولايات المتحدة غربا أصروا في خطب أعترافهم هذه بضرورة أحترام الأتفاقات الدولية ، أو بمعنى آخر بقاء مصر كتابع مطيع للغرب ، ينفذ ما جاء في أتفاقات كامب ديفد المذلة واللتي أبقت الشعب المصري تحت خط الفقر بدون ثمن .
والكثير من الأصوات في الغرب ، "وربما عندنا أيضاً " ، تعتبر أن الجيش المصري نمراً من ورق ، ( رابط 7 ) ، ، فهو معتمد تماماً على مساعدات أمريكا اللتي كانت تحرص على جعله أداة بيد حسني للسيطرة على الداخل دون أي قدرات للردع الخارجي ، وخصوصا الكيان الصهيوني .
ولو أننا راجعنا تسلسل الأخبار ، فسنلاحظ أن الكيان الصهيوني حاول تجييش العالم ضد قرار ، الجيش المصري ، اللذي يقوم مجلسه الحربي بأعباء منصب رئيس الجمهورية ، بالسماح للسفينتين الأيرانيتين بعبور قناة السويس ، في محاولة منه " لذبح القطة " للنظام المصري الجديد كما يقول المثل المصري ، ومن ثم رأينا سكوتاً على مضض بعد ذلك ، وهو ما يوحي بأن الولايات المتحدة والغرب لايريدان أي أستثارة أو تحدي مبكر لمشاعر الثوار والجيش في مصر ، خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة بالنسبة لهما .
والحقيقة اللتي لايمكن تجاهلها هي ، أن طلب عبور السفينتين الأيرانييتين من قناة السويس كان بالون اختبار مهم اطلقته ايران لمعرفة موقف النظام الجديد في مصر تجاهها ، وربما تجاه بعض قضايا المنطقة ، ولكن ربما عن غير قصد ، فأن بالون الأختبار هذا اتى بعدة أجابات على عدة أسئلة تدور في ذهن جميع العالم اليوم ، وأهم هذه الأسئلة هي .
هل سيستطيع أي نظام جديد يقوم بعد أنهيار نظام حسني مبارك بأستعادة الكرامة المصرية المهدورة في كامب ديفد ، والأستقلال بالقرار عن الغرب والصهاينة ؟ .
وهل سيتحدى النظام الجديد بقيادة الجيش المصري ، " المؤقتة " ، واللذي أعلن عن ألتزامه "بالقرارات والأتفاقات الدولية" أملائات الغرب والصهاينة ، وهو اللذي روحه بأيديهم كما يقول الكثيرين ؟ .
وماذا ستكون أيحائات هذا التحدي الى الحكومة المصرية المنتخبة القادمة ، اللتي قد يقلقها موقف الجيش في حالة ما اذا قررت ألغاء هذه المعاهدة المهينة ، أو أبرام معاهدة بشروط جديدة ، تحفظ لمصر كرامتها وهيبتها ؟ .
أن قرار الجيش المصري بالسماح للسفينتين الحربييتين الأيرانيتين بعبور قناة السويس ، " اللتي هي ممر مصري داخلي " ، يسمح لنا بالأجابة بأن الجيش المصري العظيم قد تحدى بالفعل الغرب والكيان الصهيوني اللذي غضب غضباً عارماً من هذا الموقف المصري اللذي غير الوضع اللذي كان الكيان الصهيوني يقرر فيه من يمر ومن لايمر من الأراضي المصرية .
كما أن هذا الموقف لابد وأن يؤكد للجميع أن الجيش المصري هو نمر حقيقي ، استطاع أن يؤكد أستعادة الشعب المصري لكرامته وكبريائه اللذين يستحقهما عن جدارة بعد ثورته العظيمة ، الأمر اللذي سيجعل الشعب المصري يطمأن بأن من ورائه سنداً قوياً يحميه من أن يطأطأ رأسه مرة أخرى لأستجداء اللذين غلت ايديهم ، واللذين لايعطون شيئاً ألا بعد أن ياخذوا مقابله اشياء وأشياء .
رابط 1
http://www.bbc.co.uk/arabic/inthepress/2011/02/110223_pressreview.shtml
رابط 2
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2011/02/110222_egypt_iran.shtml
رابط 3
http://www.npr.org/2011/02/07/133492143/the-new-republic-the-failure-of-us-aid-in-egypt
رابط 4
http://www.masrawy.com/News/MidEast/Reuters/2011/February/24/4028705Update.aspx?ref=extraclip
رابط 5
http://www.trivisonno.com/the-egyptian-army-is-a-paper-tiger
رابط 6
رابط 7
http://www.trivisonno.com/the-egyptian-army-is-a-paper-tiger
التعليقات (0)