سوق الكتابة. حينما يكتب أو يتحدث أي انسان، فانه يعبر عن نفسه أكثر من أي شيء آخر. وكل ما يفهم من أقواله يحسب له أو عليه، وذلك وفق معايير المتلقي ومرجعياته وقناعاته طبعا. لذلك يقتضي فعل الكتابة طقوسا خاصة جدا تتواجه فيها قناعات الكاتب مع منتظرات المتلقين وأشكال تفاعلهم مع ما يقرأونه.
التحدي الأول الذي يواجهه كل كاتب هو ردود الأفعال المترتبة عن أفكاره لدى القراء، لذلك يمثل الرأي العام مقياسا أساسيا في الحكم على طبيعة الآراء التي تصدر عن كل واحد منا. وهي نتيجة تحتم على كل من يكتب أن يستحضر المتلقي " لاشعوريا " في كل كلمة يخطها. وهذا يفرض على الكاتب نوعا من الرقابة الذاتية القبلية، فالكتابة انتاج عقلي موجه للاستهلاك المعرفي. وفي سوق الكتابة تتعدد الألوان والأذواق كما في كل الأسواق. غير أن ما يهمنا في هذا الاطار هو الكتابة المعبرة عن آراء تهم قضايا فكرية وسياسية واجتماعية لها وزنها وحضورها في العقل الجمعي الذي نتوجه اليه. هنا بالضبط تختلف ردود الأفعال الى درجة التناقض الصارخ. وهنا يغيب الاجماع. اذ لا يمكن أن يجتمع كل القراء على رأي واحد مهما بلغ صاحبه من الدقة في صياغته و الوضوح في الدفاع عنه، ومهما بالغ في التماس أسباب النجاح لفكرته.
نحن نكتب اذن، و نكاد نعرف مسبقا نوعية الانطباعات التي ستترتب عن ذلك عند قرائنا. وذلك عنصر ايجابي لأنه يؤسس لثقافة الحوار والاختلاف. والمواضيع الجدلية هي دائما حقول للمغايرة و المعاكسة. لكن المشكلة الأساسية هي دور هذا المتلقي في ما يكتبه المدون مثلا. ومادمنا بصدد التدوين، فقد لا حظ الجميع التفاعل الكبير للمدونين مع الأحداث. وهو ما نسجله بالخصوص هذه الأيام بعد حادث القرصنة الاسرائيلية لقافلة الحرية في مياه البحر الأبيض المتوسط. وذلك أمر محمود ومطلوب لأن التفاعل مع القضايا الآنية يعبر عن الارتباط بالواقع و الحضور في صلب الأحداث في كل مكان، ويسمح بهوامش كبيرة للحوار والتعبير عن الرأي. ونحن متفقون في هذا الشأن على أن الكتابة هي استدعاء للقارئ سواء عبر الاثارة أو الاستفزاز أو التوجيه...لكن هذا الحاضر الغائب في ما نكتبه من أفكار و ما نعبر عنه من آراء، يمكن أن يكون مصدر قلق للكاتب، عندما يجد المرء نفسه مجبرا على كتابة " ما يطلبه القراء "، ويصبح كاتبا تحت الطلب، تابعا لاختيارات خارجية تفرض عليه توجها معينا في الكتابة. وهذه مشكلة حقيقية تفرغ الكتابة من محتواها، وتكرس لثقافة ماهو عام ومطلوب ومرغوب فيه من طرف المتلقين.
ان الكاتب الذي يفرض نفسه هو من يعبر عن شخصيته في كل ما يكتب. وعندما يصبح القلم أداة لكتابة ما يريده المجتمع القارئ تغيب مصداقية الكتابة. وقد كان كانط يقول بهذا الصدد: " قد يتعذر علي الحديث عن أشياء أقتنع بصحتها، لكن يستحيل أن أكتب ما لا أعتقد بصدقه ". وفي هذا دليل على أن الكلام هو مسؤولية أخلاقية بامتياز. ولا معنى للكتابة خارج هذا السياج الأخلاقي. محمد مغوتي.02/06/2010.
التعليقات (0)