بمناسبة قرب عقد الاتفاق بين مبارك و .. الادارة الأمريكية وتل أبيب لتصعيد ابنه رسميا، أعيد نشر هذا المقال
أوسلو في 12 ديسمبر 2005
رسالة مفتوحة من الرئيس جمال مبارك للمصريين
أيها المواطنون المصريون،
لم أعد أتحمل الانتظارَ حتى تحملني ظهوُركم التي أنهكتها سنواتُ حُكْم أبي إلى القصر الجمهوري بعابدين أو قصر العروبة، وأصارحكم الحقيقة بأن حالة من الرعشة تنتابني، والسوط الأكثر لسعاً وألَماً الذي يعدني في صباح كل يوم بأنه سيهوي فوق سبعين مليونا من البشر والحجر على حد سواء لم يعد يتحمل هو الآخر صبرا أكثر بطئا من هذا!
كنت أظن أن بإمكاني الإنتظار عاما أو اثنين أو أكثر حتى يتفضل عزرائيل بزيارة خاطفة لوالدي، لكن المشهد الذي سال على إثره لعابي لاستحماركم واستعبادكم وإذلالكم كان أكبر من طاقتي على تحمل سنوات انتظار أخرى، فقد شاهدت بأم عيني الانتخابات المهزلة التي اشترك فيها المصريون، ورأيت رجال أمننا يُفَجّرون غَضَبَ أسرتنا في أجساد أبنائكم وآبائكم، وسقط قتلى، واستقبلت المستشفيات خمسمئة جريح كانوا يحاولون الوصول لصناديق الانتخاب بعدما صدقوا بطيبتهم المفرطة وسذاجتهم المصرية البحتة بأن أبي قد يكونوا صادقا هذه المرة بعدما كذب عليهم ربع قرن.
استقيظت مبكرا في صباح اليوم التالي وكانت المفاجأة أكبر من قدرتي على الاستيعاب. لقد عاد الهدوء إلى الشارع المصري، ورأيتكم تلهثون وراء لقمة العيش، ويتصبب العرق من أجسادكم المنهكة، وتقفون صفوفا طويلة أمام كل شيء وأي شيء، من استخراج شهادة وفاة إلى البحث عن دواء غير موجود، ومن مجمع التحرير إلى الشهر العقاري، ومن عيادة طبيب إلى أحد الأفران التي تمدكم بالخبز ومحتوياته من نشارة خشب ومسامير صغيرة.
اتصلت فورا بوالدي السيد الرئيس موقظا إياه من نوم عميق فهو آمن في قصره ما أنفك المصريون يلوذون بالصمت الأخرس مؤمنين بأن اللسان خلقه الله للتذوق وإلقاء النكات فقط.
قال لي: هل تحرك عسكري أو رجل أمن أو سجان أو لص مصارف أو منتهك حرمات في قسم شرطة أو بلطجي إنتخابات دون علمي ومعرفتي ورضائي؟
قلت له: لا يا أبي العزيز، فكلنا نعرف أنه لا تتحرك دابة في مصر ولا برغوث ولا قملة ولا ينزل سوط فوق مصري في تخشيبة ولا يخرج ناهب لأكثر من مليون دولار من مطار القاهرة الدولي دون علمك، فقد علّمتنا أن هذا البلد متاح لنا جميعا شريطة معرفتك بأسماء اللصوص والقتلة ومعذبي مواطنيك من رجال الأمن، حتى الثلاثون ألف معتقل الذين لم يعرض أكثرهم على القضاء والعدالة تعرفهم وتأمر كلابنا بالاحتفاظ بهم وتأديبهم وتعليمهم أن قيمة المصري في عهدنا ينبغي أن لا تتجاوز قيمة الحشرة أو الجيفة.
قال لي: أريد أن أعود إلى الفراش، فهات ما عندك!
قلت له:أصابتني صدمة السيد أمام العبيد عندما يطالبون باستمرار استرقاقهم، فقد عاد الهدوء إلى الشارع المصري بعدما قتلنا عشرين أو أكثر وأطلقنا الهراوات والرصاص المطاط والحي على المئات تماما كما كان الهدوء يخيم على العاصمة عقب كل مظاهرة لـــ كفاية وكأن الأمر لا يعني هؤلاء الرعاع الذين نحكمهم!
قال لي أبي وسيدكم: ألم أقل لك أنك قادم لا محالة، وأن أحزاب المعارضة التي رفضت العصيان المدني في مايو لأنها أقدر على معرفة نبض الشارع المصري صفعناها على قفاها ثلاث مرات في مراحل الانتخابات التشريعية، ثم أسقطنا أهم رموزها، وقريبا سينتظر الرجل الحالم الدكتور أيمن نور زيارة في سجنه تحمل له السجائر الأجنبية وبيجامة نظيفة وأربعة كيلو تفاح لتوزيعه على زملاء الزنزانة وحارسهم.
قلت له: هل يعني هذا أنني عندما أصبح سيد القصر أستطيع أن آمر باغتصاب المصريين واحدا تلو الآخر دون أن تتحرك مجنزرة من موقعها أو جنرال من ثكنته أو لواء من مكتبه أو منزله احتجاجا على ما يحدث لأهل بلدهم؟
أيها المصريون،
معذرة فلن أستطيع البوح برد أبي السيد الرئيس، لكنني أعترف لكم جهرا وعلانية وأمام العالم أن سنوات حكم والدي التي شهدت النهب الختامي لأم الدنيا، وكادت تفرط في كل شبر من أرضكم، وفتحت مغارة علي بابا لأربعين ألف حرامي كل في تخصصه ومبتغاه، فمنهم من يسرق الأراضي الزراعية ليقيم عليها مشروعاته الخدمية، ومنهم من تخصص في تخصيب أجسامكم بعدة أنواع من السرطان، ومنهم من ساهم بجعل أكباد ثمانين بالمئة منكم تعمل بنصف طاقتها وتعد العدة لالتقاط أمراض أخرى تعجل في موتكم، هي سنوات البهجة والسعادة مقارنة بفترة حكمي التي سأجعلكم خلالها متسولين وشحاذين وأقل شعوب العالم شأنا وقيمة وكرامة.
أما البطالة الحقيقية والمقنعة، والأمية، والتعليم الفاشل، والتطرف الديني، والتمييز العقيدي، والفتنة بين أبناء الوطن الواحد، ونصف مليون مدمن، ومئة ألف مسجل خطر، وملايين من سكان المقابر، فأعدكم أنها ستتضاعف ولن يتسلم مصر من بعدي أحدٌ إلا ويجدها قاعا صفصفا تذروه الرياح.
لقد قرأتم وسمعتم وشاهدتم كل أنواع التحريض الشرس لعلكم تثأرون لكرامتكم، وتقرأون على الانترنيت، ويسمع الأميون منكم حكايات يشيب لها شعر الولدان، وليس لأحد منكم العذر في عدم المعرفة، فكل منكم حسب مستواه الفكري والثقافي يعلم تفاصيل جحيمية عن عهد أبي، ثم يلتزم عهدا قطعه على نفسه بقطع لسانه.
أيها المصريون،
ألا ترتعش أجسادكم؟
ألا تسري في نفوسكم الآن رغبة في التمرد والثورة؟
ألا يقرأ كلماتي تلك رجل منكم عاقل وحكيم وثوري يخرج من بينكم فوق دبابة أو في انقلاب في القصر أو يحيط ورهط من زملائه الأحرار بماسبيرو؟
ألا تريدون أن تعيشوا كبقية خلق الله؟
مرة خامسة وعاشرة وللمرة السبعين: ماذا نفعل بكم لكي نستثير الغضب والكرامة ومشاعر انسانية بسيطة تجعلكم تنظرون في يوم من الأيام في عيون أولادكم دون خجل أو مشاعر ذل ومسكنة؟
هل تعرفون الآن ماذا سأفعل بكم؟
لابأس من ممارسة الحياة العادية، وأن يقرأ كل منكم كلماتي تلك، ويبتسم، ويتصفح ما بعدها فالأمر لا يعنيه، وهي كلمات كرذاذ المطر أو كنسمة صيف، فوالدي محق في كل ما علمني إياه، وأنتم محصنون ضد مشاعر الغضب للكرامة، فتفضلوا، وانتقلوا إلى صفحة أخر وموقع آخر، وتبادلوا الحوارات والتعليقات، واستخرجوا من كلماتي مبررات لصمتكم القاتل.
أيها المصريون،
الآن أستطيع أن أنام ملء جفوني، وأحلم بفترة رئاستي الرابعة بعد ربع قرن من الآن، هذا إن بقي في مصر شيء واحد أحكمه.
أيها الغضب .. أيتها الكرامة، كم خذلكما المصريون؟
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
التعليقات (0)