المنظورالثاني:طبيعة السقوط الحضاري.
.
وسنبحث الموضوع من خلال ثلاثة نقاط
المنحى الاول: مشروعية المعرفة والعلم ودورها في السقوط الحضاري
المنحى الثاني: الطبيعةالكونية ودورها في السقوط الحضاري
المنحى الثالث: الكون بنيته الديانة الإستراتيجية)الفطرة(
المنحى الأول: مشروعية المعرفة والعلم ودورها في السقوط الحضاري
اذا كان الكون مشروعيته المعرفة والعلم، فإن ظاهرة السقوط الحضاري سرعان ما تتجلى في ظل هذه المشروعية، ولا غرابة أن تعتبر المعرفة والعلم أحد أهم برامج السقوط الحضاري أو التحفظ على مصير الحياة
فكما أن العصبية ساهمت في تغيير حركة التاريخ والأمزجة البشرية وأسباب تقدمها وانحرافاتها، الكوكبية المفترضة زمكانيا فالعلم سيكون له النصيب الأكبر في إعادة تشكيل مفهوم العولمة .
ان استغلال نبراس العلم والمعرفة في الطريق المرسوم له علميا وتقنيا وفنيا, سيؤدي الى تشكل منظور المعرفة والعلم في أبهى صياغة للمشاريع العلمية والمعرفية ومن ثم الدفع قدما نحو تحديث التراكم العلمي والمعرفي الذي يمثل قمة الاكتشاف العلمي العالمي والكوكبي.
لكن قمة الاكتشاف تلك تمثل لنا بشكل أو بآخر بداية لمرحلة جديدة أو نقطة معرفية أخرى. سوف يتمخض عنها التراجع الحضاري للعلم؛ مالم يتوج بتقدم آخر يجاريه في المساعي وبالقدر ذاته في مستوى الانهيار والسقوط , وبالتالي فان الفاعلين الاجتماعيين الذين كانوا في يوم وليلة منتجين للمعرفة والعلم ومستهلكين له ، سوف يصيبهم الإحلال المعرفي والعلمي لتشكيلة من الفاعلين الاجتماعيين الجدد الذين يمثلون العقل المدبر للدولة الكوكبية المفترضة .
وهنا تظهر مشكلة ان اكتشاف علم العمران البشري يوجب علينا الابتعاد عن القطيعة المعرفية أو فناء المعرفة الكوكبية والتي نعني بها التفريط المتواصل بالعلوم المكتسبة لصالح الأمم والممالك الذي يتم بنقلها من مهدها إلى ارض وأناس ورؤى متنوعة وأخلاق مغايرة عن الفضاء الاجتماعي والحيوي التي ترعرعت الأفكار فيها، اوبتعبر اخر ضرورة التأكد من باطن العلم والقدرة على فهم حركة الوقائع التاريخية وتسجيلها بعد إدراكها على مستوى الوعي، والعلاقة بين السبب والمسبب، وتجنب التلاعب في الحقائق العلمية ووقائعها لصالح جهة بعينها لأنها ملك للبشرية جمعاء .
اما ظهور النزعة الشخصية)التي تنكر على النفس الكوكبية القيم المثلى للحياة الكوكبية والمعرفة والتعليم الغني بالثقافة السلوكية ( و التفكير العلمي الأحادي الجانب والأنانية المفرطة وثقافة الرفاهية فمن شانها أن تكون هدفا سهلا للشطط الأخلاقي والفساد الاجتماعي، وميالة إلى الضغط على الآخرين بالقوة المشروطة والابتزاز، الذي يعصف بالكائنات الكوكبية
المنحى الثاني: الطبيعة الانسانية الكونية ودورها في السقوط الحضاري
ان المعجزات في تشكيل الامم تتجلى بنموذجين : الإعجاز الأول يهتم بأصل الصراع الكوكبي وكمثال على ذلك النبي آدم عليه السلام بين الخير والشر مع الشيطان والإعجاز الثاني يهتم بأصل الخلق الكوكبي وكمثال على ذلك النبي نوح عليه السلام بتجديد الصراع داخل المجتمع
إن هذا الصراع يشكل ظاهرة السقوط الحضاري التي تأخذ الكون على أنه يتشكل من الأمم والممالك والدول اما
1- بفعل المعجزات أو القوى الخارقة أو العصبية القبلية بالنسبة للمفهوم الخلدوني
والمعجزات والخوارق الطبيعية هي من سمات الأنبياء والأولياء الصالحين من ذوي الكرامات والأتقياء . وكل خارقة أو معجزة ناجزة مصدرها الفعل السابق يتبعها الفعل اللاحق والمهم إننا لا نعرف مصدر الفعل السابق أي مصدر المعجزة بحد ذاتها سوى أنها مخصصة لقلة من الناس العالميين في إطار زمكاني معين تحتمل الاستمرار أو الاندثار .
ان المعجزة واثرها في المجتمع يعايشها الإنسان العالمي كل يوم بشكل الصراع المرير بين الخير والشر، أو لنقل بين الحكمة العقلية والجهل المظلم. فالحكمة تعني السيطرة الدائمة على الحياة, وبالقدر ذاته يمثل الجهل رأس الشيطان وقمة سقوط الإنسان في الهاوية، وهي أصل الصراع العالمي والكوكبي، ينسخ عنها الناس ما يشاؤون. وهنا يتدخل الإعجاز الإلهي السماوي كقوى غيبية ماورائية لنصرة الحياة البشرية بدعوى التجديد للدولة والإنسان الكوكبي .
2- وهنا تظهر الكارثة الكبرى في استغلال الانسان للابحاث العلمية واستخدامها في غير موضعها الأصلي أو الإطار الذي رصدت لها الامكانيات من اجلها وصفة العلم أنه يجنح إما إلى الاستغلال العقلاني للبشرية أو إلى الاستغلال غير العقلاني للبشرية.
وبفعل العمل والمثابرة والقدرة على التصميم والتخطيط الإرادي المستمر يتجلى الصراع بالتنافس وبالأنشطة التي تنهض بواقع الكوكبية التي تدحر فكرة السقوط الحضاري العشوائي من جهة او تنمّي فكرة السقوط الحضاري عندما يكون عرضة لأن ينزع نزعة أخرى نحو اللاشرعية، واللاشرعية تعني اختلال المعايير العلمية و ضعف النزاهة المطلوبة في الحفاظ على أخلاق المهنة التي يمكن أن تنحرف عن مسارها الطبيعي، مما قد يفجر موازين القوى في العالم الكوكبي أو أنه حصل ذلك بالفعل.
3- وأخيرا بفعل الصدفة والمفاجأة والقدر أو مفارقة النتائج .وهو مانعني به الفناء المؤجل .
هذه الاسباب الثلاثة تنشط جادة نحو بناء مرحلة تجدد الأمم والممالك والدول والقيادة العظيمة، الذي ما يلبث أن يسقط وينهار بفعل الأنشطة والأفعال البشرية، وكذلك التحولات التاريخية المستمرة التي تعمل على تجدد الصراعات بين الفاعلين الاجتماعيين أو قوى التغيير الاجتماعي، حيث تشكل الدول بالقدر ذاته تشكل العصور . فالعصور لا تنشأ إلا بفعل تجدد روادها ، وهي بذلك تصنع الحياة الكونية أو الكوكبية المفترضة في الزمان والمكان الذي يحمل انكساراته وهزائمه.
المنحى الثالث: الكون بنيته الديانة الفطرية الإستراتيجية والفوضى الدينية
أما بخصوص الديانة الاستراتيجية فهي غاية تتجه إلى بناء الإنسان الكوكبي ونستطيع القول أن كل مجتمع يصنف نفسه عقيديا من الديانات السماوية أو الوضعية قادر على التوحد نحو فكرة الله الواحد القهار وهذا المجتمع يمثل مجتمعا متقدما نحو بناء الدولة الكوكبية المفترضة وينأى بنفسه وبديانته عن فكرة السقوط والانهيار الحضاريين وهنا لابد من فكرة الهدف المتقدم في بناء ديانة إستراتيجية شرعية لمجتمع ما بعد العولمة لحماية المجتمعات من السقوط والانهيار
فالديانة الفطرية الإستراتيجية مكوَّن أساسي من مكونات الطبيعة البشرية والمفطورة بالهالة القدسية والطابع الروحاني الذي يفيض به جيشان العاطفة الإنسانية المتأصلة بكنه الجنس البشري، والتي تترجم بفعل الزمكانية إلى طقوس ومسارات تعبدية تكرس حالة الاعتقاد والادانة إلى قوى غيبية معنوية أو رمزية كامنة بالطبيعة وواعية منطقيا وغريزيا في الإنسان يصعب إزالتها بسهولة رغم قوة ورباطة جأش الإنسان.
إلا أن الدين باستغلاله يستطيع أن يجعل من الضمير الجمعي الذي يجهد الإنسان في بنائه وتكوينه الاجتماعي منذ الصغر هدفا للتحول بأنشطة النفس البشرية نحو أهوائه وتلبية لرغباته وشهواته.
وبطبيعة الحال،الفعل الديني سواء كان مصدره الفعل الرمزي أم الفعل المرهون بالعمل المادي ؛ فانه يمثل بصورة ما الحصانة الشرعية للمجتمع الدولي .وأن المجتمعات التي هي ذات ديانة سماوية من صنع الله أو ديانة وضعية من نسج العقل البشري هي تكريس لما جبل الإنسان عليه، وهو القطع التام بأن لا سبيل لوجود أمة دون وجود ديانة.وإن لكل ديانة إستراتيجيتها.
ولا ريب أن الديانة تملك حدا كبيرا من الاندماج بالأمم والممالك والدول كما تملك القدر ذاته من العزوف والرفض وعدم المبالاة بالديانات السماوية والوضعية. ولهذا نجد ان الأمم القادرة على زيادة حالة الاندماج بالأمم والممالك والدول هي الأكثر قدرة على انتشار الحالة الدينية و زيادة الرفعة في المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وهي تمثل نقطة تحول للديانة بأن تملك إستراتيجية وجودها أم لا.
فالديانة الفطرية الإستراتيجية؛ استقوائية بالطبيعة أي تملك شرعية وجودها من واقع القدسية التي تتمتع بها، وبإضفاء القدسية على الآخرين دون حاجة إلى إثبات قدسيتها . فان الدارس العارف بتطور مسألة التدين الرسمي عند سكان المعمورة ونخص كل من الديانة اليهودية والمسيحية والإسلام كديانات سماوية عالمة أي متميزة عن غيرها من الديانات الوضعية السلوكية يدرك الفارق الحقيقي بين أمرين: الأمر الأول متعلق بطبيعة الدين والأمر الثاني متعلق بانعطافات الدين وهنا يجب ان نبحث موضوع الفوضى الدينية واسبابها.
وهو ماسنبحثه في موضوع لاحق.
التعليقات (0)