سوسيولوجيا الحداثة ومنطق الفوضى الاجتماعية
إن حركة الحداثة الأوروبية بدأت قبل قرن من الزمن في باريس بظهور الحركة البوهيمية ( الحركةالفنية الغجريةفي تشيككوسلوفاكيا)
ونتيجة للمؤثرات الفكرية، والصراع السياسي والمذهبي والاجتماعي شهدت نهاية القرن التاسع عشر الميلادي في أوروبا اضمحلال العلاقات بين الطبقات، ووجود فوضى حضارية. وبلغت التفاعلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في أوروبا ذروتها في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وبقيت باريس مركز تيار الحداثة الذي يمثل الفوضى الاجتماعية.
تمثل الحداثة مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي نهاية العصور الوسطى في الغرب وتتميز بالتحرر من كل القيود والاطر الاجتماعية وتحولت الى مذهب فكري انطلق من الفن وتجلى بشكل أدبي وعلماني، وانتج أفكار وعقائد غربية خالصة مثل الماركسية والوجودية والفرويدية والداروينية، وأستفاد من المذاهب الفلسفية والأدبية التي سبقته مثل السريالية والرمزية… وغيرها.
وهي اضطرابات وإملاءات اللاوعي والفوضى الاجتماعية في غيبة الوعي والعقل .
بدأ مذهب الحداثة في باريس على يد كثير من الأدباء السرياليين والرمزيين والماركسيين والفوضويين والعبثيين، ولقي استجابة لدى الأدباء الماديين والعلمانيين والملحدين في الشرق والغرب. حتى وصل إلى شرقنا الإسلامي والعربي.
وليس من الغريب ان تخضع حركة التحديث الى قوانين التغيير الاجتماعي في مبدأ الفعل ونقيضه وأن كل حركة جديدة للحداثة تعارض سابقتها في بعض نواحي شذوذها وتتابع في الوقت نفسه مسيرتها في الخصائص الفكرية الرئيسية للحداثة.
وتهدف الحداثة إلى التحرر من الواقع الموجود ومن قيمه الحضارية وتحطيم كل القيم الاخلاقية والانسانية، لتبني الحياة على اسس فلسفية جديدة تمثلت قي الإباحية والفوضى والغموض، وعدم المنطق، والغرائز الحيوانية، وذلك باسم الحرية، والنفاذ إلى أعماق الحياة.
وتتمثل في :
- تحطيم الأطر التقليدية والشخصية الفردية، وتبني رغبات الإنسان الفوضوية والغريزية.
- رفض مصادر الأطر التقليدية ، وما صدر عنها من عقيدة إما صراحة أو ضمناً. وذلك تهربا من السيطرة الكنسية التي عاشتها اوربة
- الدعوة إلى تأويل جديد لهذه الاطر يتناسب والأفكار الحداثية. وإلى إنشاء فلسفات حديثة على أنقاض سابقتها
- الثورة على الأنظمة السياسية الحاكمة لأنها تستند الى الاطر القديمةأي غير حداثية،
- نشوء فلسفة حضارية جديدة مثل أفكار ماركس المادية ، ونظريات فرويد في النفس الإنسانية وأوهامه، ونظريات دارون في أصل الأنواع وأفكار نيتشة، وهلوسته، والتي سموها فلسفة في الإنسان الأعلى
-الثورة على جميع القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية الإنسانية، وحتى الاقتصادية والسياسية.
- وقد واجهت الحداثة معارضة شديدة في كل أنحاء أوروبا، حتى في باريس مسقط رأسها، من المدافعين عن الفلسفةو مهمة التوصيل في إطار العقل والوعي الإنساني.
- وكثير من أدباء القرن العشرين لم يعترفوا بالحداثة ولا بما جاءت به من تجريد جمالي وثورة وعدم تواصل، وعدَّ كثير من المفكرين الغربيين الحداثة نزوة عابرة في تاريخ الفكر الغربي.
الحداثة العربية
لابد من الاشارة اولا الى ان التجسيد الحضاري للحداثة الغربية يعتمد على المادةو الالحاد والهروب من الله,وان الحضارة الاسلامية كانت في ذلك الوقت في اضعف حلقاتها بعد تفكك الخلافة العثمانية واستطاع المفكرين العرب (واغلبهم ممن ترعرعوا في اوربة) نقل هذه الحضارة بشكلياتها دون اعتبار للاطر الحضارية الاسلامية.
ان مفكري الحداثة العربية في القرن الماضي اعتبروا انه "لا يمكن أن تنهض الحياة العربية ويبدع الإنسان العربي إذا لم تتهدم البنية التقليدية السائدة في الفكر العربي والتخلص من المبنى الديني التقليدي الإتباعي". ,وانه لا يمكن الفصل بين الحداثة العربية والحداثة في العالم".
ويمكن نعتبر الحداثة هي بداية الفوضى الاجتماعية التي تحمل في طياتها بداية التغيير للحضارة الانسانية العربية في مراحلها المتعددة منذ بداية القرن الماضي
أن الحداثة تصور فلسفي جديد – تماماً – للكون والإنسان والحياة،. ، وليست تلك التي تسايره في حياته الجادة، وإنما هي التي تعارض هذه الحياة! أي تصدمه، وتخرجه من سباته، تفرغه من موروثه وتقذفه خارج نفسه، إنها التي تجابه السياسة ومؤسساتها، الدين ومؤسساته، العائلة ومؤسساتها، التراث ومؤسساته، وبنية المجتمع القائم. كلها بجميع مظاهرها ومؤسساتها، وذلك من أجل تهديمها كلها!,وبناء بديلها كمرحلة من مراحل التطور الاجتماعي
أي من أجل خلق الإنسان الجديد، علينا ان نفهم منهج الحداثة وتطبيعه بالاطر الانسانية الاسلامية
والابداع في تطوير هذا المنهج بعد تجريده من رواسب الالحاد وهي مهمة صعبة للغاية تحتاج جهدا ضخما من المفكرين الاسلاميين
ان الإسلام لايقف عائقاً أمام المجتمعات العربية للتقدم نحو "الحداثة"؟ كما انه لايقف ضد "التحديث"كمنهج علمي، بل ضد "الحداثة" كفكر يحمل في طياته التجسيد المادي الالحادي للحضارة الانسانية.
كما ان فكر الحداثة يحمل حرية الإبداع، وينطلق بالفكر الإنساني نحو مجاهل غير مألوفة، لا سيما ما يتعلق منه باستخدام المنهج العقلي النقدي التجريبي ولذلك يجب عزله كمنهج عن مجال التجسيد الحضاري .وايجاد البديل الذي يتوافق مع طبيعة حضارتنا الانسانية الاسلامية.
ان التاريخ يعيد نفسه فكما ان المسلمين استطاعوا فهم حضارة الاغريق والفرس واستوعبوها وابدعوا بها بعد تجريدها من منطق الالحاد ثم قدموها للغرب الذي جردها مرة اخرى من الايمان علينا ان نعيد الكرة ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز.
التعليقات (0)