الذين يعرفون رجل الأعمال السوري " رامي مخلوف" يقولون عنه: إنه أحد أركان النظام السوري و صانعي القرار السياسي في هذا البلد، بالإضافة إلى علاقة القرابة التي تجمعه برأس الدولة، بوصفه ابن خال الرئيس بشار الأسد. و بالنظر إلى هذا الوضع الاعتباري الذي يحظى به الرجل، فإن تصريحاته الأخيرة لصحيفة " نيويورك تايمز" تستحق النظر و التحليل لأنها تعبر عن لسان حال النظام السوري الذي ظل يتغنى باستمرار بأكذوبة الممانعة في مواجهة ما يوصف بالمؤامرة الغربية ضد العرب و المسلمين. و قد نجحت هذه السياسة طويلا في تنويم شعبه وتغليط الرأي العام العربي و الإسلامي بشأن الموقف من إسرائيل.
في المقابلة التي نشرتها الصحيفة الأمريكية بتاريخ 11/05/2011 قال رامي مخلوف: " إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا، فلن يكون هناك استقرار في إسرائيل." قد تكون هذه اللغة التي تحدث بها رامي مخلوف مفاجئة للذين يؤمنون بسوريا كدولة " ممانعة ". لذلك سارعت الحكومة السورية إلى اعتبار كلام " مخلوف" رأيا شخصيا لا يعبر عن توجه النظام الرسمي. لكن الأحداث التي رافقت ذكرى النكبة، عندما تظاهر المئات من الفلسطينيين و السوريين خارج السياج الحدودي المؤدي إلى هضبة الجولان، و حاولوا اقتحامه مما أدى إلى مواجهات مع الجيش الإسرائيلي... هذه الأحداث إذن أكدت أن نظام بشار الأسد يراهن على الهاجس الأمني الذي يقلق الدولة العبرية لكي يخطب ود الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر إسرائيل خطا أحمر لا يمكن المساس به. فطيلة 37 سنة ظلت الحدود على الجانبين تعرف هدوءا تاما، رغم أن دولة الاحتلال ترفض التنازل عن الهضبة لفائدة سوريا. لذلك فإن هذه الأحداث لم تكن لتقع في الأحوال العادية، لأن الوصول إلى المنطقة الحدودية أمر بالغ الصعوبة نظرا للرقابة الشديدة التي تخضع لها. و من تم فإن التفسير الوحيد لما حدث يجد سنده في محاولات الابتزاز السياسي التي يستهدف من خلالها النظام السوري تحييد الدول الغربية و إبعادها عن القيام بأي إجراء من شأنه أن يحول سوريا إلى ليبيا ثانية. و الرسالة التي يحاول الأسد تبليغها للغرب مفادها أن مستقبل السلام في الشرق الأوسط رهين ببقائه في السلطة.
هكذا إذن، و بعد أن فشلت الحكومة السورية في احتواء الحراك الشعبي بالرغم من القسوة الشديدة التي أظهرتها في مواجهة المتظاهرين، و بعد اتهام قيادات المعارضة بخدمة أجندات خارجية تستهدف زعزعة استقرار البلاد... ها هي تعزف على أشد الأوتار إثارة للعواطف الغربية، خصوصا و أن ما جرى في ذكرى النكبة يأتي في سياق الاتهامات الرسمية التي وجهتها الحكومة السورية لمتزعمي الحراك الشعبي بمحاولة تأسيس دولة دينية. و الإسرائيليون يدركون أكثر من غيرهم أن ظهور " حماس " جديدة على المحور السوري سيجعل دولتهم في حالة حرب معلنة على أكثر من واجهة. لذلك سيكون بقاء بشار الأسد على رأس السلطة في بلده من أهم الأماني الإسرائيلية في هذه المرحلة الدقيقة... لكن الدروس المستفادة من هذا التوجه السوري المكشوف لمساومة الغرب و ربح مزيد من الوقت لإخماد الثورة الشعبية، تؤكد أن الذين يراهنون على النظام السوري و حليفه حزب الله، ومعهما إيران هم مخطئون و واهمون. ذلك أن قصة الممانعة لا تتجاوز مستوى الاستهلاك الإعلامي من أجل تضليل الرأي العام و إبقاء الوضع على ما هو عليه. فقد ظلت مشاريع الدمقرطة و التحديث السياسي و ضمان الحريات مؤجلة باستمرار تحت ذريعة الوضع الإقليمي المتوتر بسبب القضية الفلسطينية. و هكذا نجحت شماعة الاحتلال الإسرائيلي في توجيه الرأي العام نحو الخارج بدل اهتمامه بقضاياه الداخلية... و المشاهد التي تصل إلينا من درعا و بانياس و حمص و تلكلخ و غيرها من المدن السورية تكشف الوجه الحقيقي لنظام الأسد الذي اختار أن يوجه دباباته لقمع المتظاهرين، رغم أن الشعب يطالبه بتوجيهها للجولان.
لقد سقطت ورقة التوت الأخيرة عن النظام السوري الذي أثبت أنه لا يختلف عن الأنظمة المجاورة إلا في الشعارات، فهو يعلن الآن على الأشهاد أنه صمام أمان لإسرائيل. أما عزف سمفونية الممانعة و نظرية المؤامرة، فلم تكن إلا أكذوبة تستهدف تنويم الشعب و تسليمه بالأمر الواقع في انتظار " غودو " الذي قد يأتي أو لا يأتي. لكن الشعب فهم اللعبة جيدا ( و إن كان الأمر متأخرا)، و لم يعد ينتظر أحدا لأنه قرر صنع مصيره بنفسه. محمد مغوتي.18/05/2011.
التعليقات (0)