تتجه الأوضاع في سوريا إلى المجهول بعدما ترك الشعب الثائر هناك وحيدا في مواجهة القتلة البعثيين، الذين لا يترددون لحظة في التنكيل به بشكل لا يحتمل مزيدا من الصمت أو اللامبالاة. فقد أصبح مشهد الدم اليومي في مدن وقرى الشام خبرا عاديا في وسائل الإعلام. و مع استمرار مسلسل القتل الممنهج فقدت الثورة السورية كثيرا من الإهتمام الجماهيري. و أصبح كل من يتابع نشرات الأخبار على القنوات التلفزيونية فاقدا للرغبة في متابعتها لأنه يدرك جيدا أنها لا تحمل سوى أنباء القتل و التعذيب... و إذا كان صمت المواطن البسيط مبررا بسبب افتقاده للقدرة على التصرف، فإن كل دول العالم- و بغض النظر عن حجم تأثيرها في العلاقات الدولية- تتحمل مسؤولية كبيرة في تداعيات الحرب المعلنة على الشعب السوري من طرف قيادته. كما تتحمل مؤسسات المجتمع المدني نصيبها من المسؤولية أيضا، لأن ما يحدث في بلاد الشام يستدعي موقفا دوليا حازما، و ذلك ما يحتم على المنظمات الأهلية ممارسة كل الضغوط الممكنة لدفع المنتظم الدولي الى اتخاذ قرار يضع حدا للمجازر في سوريا.
هذا الموقف الدولي تأخر كثيرا، و لا يبدو في الأفق أي توافق بشأنه بين القوى المتحكمة في صناعة القرار السياسي في أروقة الأمم المتحدة. أما ما يسمى ب " المبادرة العربية " فلا خير يرجى منها، و إن بدا ظاهريا أن العرب أو أغلبهم قد تبرأوا من ممارسات نظام الأسد. لكن كل المعطيات تثبت أن قرارات الجامعة العربية لن تغير من واقع الأمر شيئا. إذ ما زال الشرط الأساسي في المبادرة، و المتمثل في دعوة النظام السوري إلى وضع حد للعنف في مواجهة المطالبين برحيله، ما زال بعيدا عن التحقق. بل إن رد البعثيين أصبح أكثر إيلاما و وحشية مما كان عليه الأمر سابقا. ثم إن هذه القرارات العربية التي طبل لها الكثيرون لا معنى لها، و هي ليست إلا ذرا للرماد في عيون الشعوب حتى لا تدور الدوائر على باقي الأنظمة. لذلك لا تعدو هذه المبادرة أن تكون تعبيرا عن موقف تستثمره كل دولة على طريقتها الخاصة في مواجهة رهاناتها الداخلية. فأية قرارات هذه إذا كانت مجرد حبر على ورق؟. و أية جامعة هذه إذا كانت قراراتها لا تلزم أحدا؟.
لقد عبر النظام السوري بالواضح عن تجذر عقيدته العسكرية في مواجهة الثائرين. و لا حاجة لنا هنا بالتذكير بأكذوبة الممانعة التي تم تسويقها بشكل تضليلي طيلة عقود كثيرة. هذا النظام أثبت أنه متمنع على أبناء شعبه فقط، حريص على السلطة أكثر من أي أمر آخر. و هو مستعد لقتل الجميع إذا كان في ذلك سبيل للبقاء في الحكم. لذلك فإن كل القنوات الديبلوماسية الممكنة لن تردع هذا النظام عن ممارساته. و كل يوم يمر دون اتخاذ قرار أممي حاسم في مواجهة سياسة التقتيل المتواصلة في سوريا يمثل وصمة عار على جبين الإنسانية... المهم الآن، و بعد عشرة شهور من سفك الدماء، هو أن الشعب السوري يحتاج إلى الحماية، و لتذهب كل الحسابات السياسية الضيقة إلى الجحيم، و لتذهب معها كل الشعارات الزائفة التي تعزف على الإنتماء القومي، و تحذر من مغبة الإستقواء بالأجنبي. هذا الشعب المغلوب على أمره، و الذي يطالب بحقه في الحرية و الحياة الكريمة، لا يمكن أن يتكبد مزيدا من المعاناة و القهر و الخوف، بينما العالم بأسره يتفرج من بعيد، أو يطلق عبارات المناشدة في أحسن الأحوال.
الملف السوري يحتاج إلى التدويل، سواء على الطريقة الليبية أو بأسلوب مختلف. لكن هذا الحل لا يحتمل التأجيل. إنه مطلب كل الأحرار في العالم اليوم و ليس غدا. هذا المطلب لا يحتاج لفتوى دينية من أحد، و لا يحتمل التردد الذي تبديه الولايات المتحدة الأمريكية و معها الإتحاد الأوربي، كما لا يقبل هذا الإصطفاف الأعمى من الصين و روسيا إلى جانب نظام يقتل شعبه بدون هوادة. محمد مغوتي.16/12/2011.
التعليقات (0)