لم يكن أحد يتصو يوما ما أن يأتي فيه زمان , و بشكل قريب, تنتفض فيه ما يسمونها بالشعوب "العربية" ضد حكامها "المحكومين" أصلا من قبل الغرب و إخوانهم اليهود الذين كبلوهم بالشهوات و الرغبات و النزوات و أغرقوهم بالنفوذ و النقود.
النفوذ و النقود هما بيت الداء و أم المضائب, إذ اتجمعت مع جنون العظمة فتولد الاستبداد و الطغيان. و الحكام "العرب" ما هم سوى دمى في أيدي أصحابها خلف الكواليس تتراقص و تتلاعب بهم كيفما شاؤوا و هم يمارسون الضغط على شعوبهم, والضغط طبعا يولد الانفجار.
في خضم هذه الظروف المزرية, كانت الشعوب تغلي في صمت عميق مخيف كالذي يسبق عادة العاصفة الهوجاء, و هو فعلا كذلك لأنه لم يعط أي إشارة أو لمحة أو بوادر عن قرب عاصفة توشك على الوقوع, لكنها وقعت, بل ووقعت بشكل فاجأ الجميع بما فيهم الذين قاموا بالثورات أنفسهم, فعصفت و اندلع الحريق الذي أتى على الأخضر هذه المرة (الحكام) لأن اليابس (الشعوب) كانت قد التهمت منذ زمن قد ولى.
و صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قال عن القرآن الكريم في حديث معناه : فيه خبر ما قبلكم و نبأ ما بعدكم و حكم ما بينكم.و لهذا نجد فيه قصص الأمم السابقة و ماوقع لها نتيجة اعتقاداتها الخاطئة و تصرفاتها المشينة.
و مما جاء فيه من القصص العبرة قصة نوح عليه السلام مع ابنه الذي رفض ركوب سفينة النجاة مع أبيه الذي دعاه بإلحاح لكي ينجو و يفلح في الدنيا و الآخرة لكنه أبى و أصر على عصيان الطلب الحنون الذي فيه مصلحته هو فقط لا غير, معتقدا أنه سينجو بفطنته و تفكيره العقيم حين رأى أنه سيكون في مأمن من الغرق بمجرد تسلقه قمة الجبل, فكانت عاقبته أن كان من الغارقين في مياه بحر الدنيا و سيصبح كذلك غريق جهنم و بئس القرار. فنوح عليه السلام حين دعاه, دعاه إلى سبيل النجاة بالركوب معهم في السفينة لأنه علم علم اليقين بألا سبيل للنجاة في ظروف غير عادية مهما لجأ المرء إلى أي شيء مهما رآه كبيرا أو ضخما أو قويا إلا بالتمسك بالصالح من الأمور.
والثورات التي قامت بها , وتقوم بها, الشعوب المقهورة المسحوقة ما هي في الحقيقة إلا سيلان جارف من الطوفان الذي لا نجاة منه سوى بركوب سفينة الإصلاحات الجذرية في هذه الأوطان الثائرة التي فار تنورها بغضب عارم على الأوضاع العامة المعاشة. و كلما قال شعب لحاكمه يا حاكم اصلح معنا رفض و استبد و طغى قائلا سآوي إلى الغرب و الشرق و اليهود يعصمني منكم. و هيهات هيهات أن يمد الغرب أو الشرق أو أسيادهم اليهود أيديهم ليساعدوا من كانوا تحت إبطهم مخنوقين بالنفوذ و الفقود و كانوا طوع بنانهم كمن كان يملك كلبا يطعمه و يسقيه لمصلحته فلما يصيبه داء السعار لا يتردد في قتله أو يتخلى عنه تنهشه الكلاب و الضواري.
إن من لا يأخذ العبرة من قصص القرآن الكريم فلابد له من يوم يقال له لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم.. و يكون في نهاية الأمر من المخلوعين, و يكون لقبه للأبد "الحاكم المخلوع" كأعلى درجة في سلم النياشين التي سترصع الأكتاف و أغلى وسام سيتدلى على الصدور كعربون نبذ و رفض لما قاموا به في حق شعوبهم.
إن ثقافة الاستعلاء و الاحتقار التي يمارسها الحكام على الشعوب تنم بشكل واضح و جلي مدى قصر الفهم لدى الإنسان العربي الذي يحب ممارسة هواية الاستيلاء و القهر و إذا ما مورس عليه رفضه و استهجنه في تناقض صارخ للمبادئ بالكيل بمكيالين.
إن عقل الإنسان العربي فيه قصور في النضج و التفكير ,حاكما كان أم محكوما, و كل ما يقوم به هو رد فعل حماسي اندفاعي لا يمت بالتصورات المستقبلية بأية صلة, و هو ما أخشاه على هذه الثورات من ألا تحقق إلا الفوضى دون التوصل و الوصول إلى إرساء قواعد نظام سياسي إجتماعي سليم يقوم على أساس الحكمة و التبصر من أجل مستقبل أفضل للأجيال المقبلة لأن الثورة و الإنتفاضة ليست في حد ذاتها الغاية بال هي مجرد و سيلة لتحقيق الغايات العظمى و الأهداف السامية من أجل مستقبل أفضل للبشرية تحت ظل الإسلام كدستور عالمي تنضوي تحته جميع الأجناس و الأعراق دون تفضيل لعرق على آخر إلا بتقوى الله تعالى.
السبت 25 يونيو 2011
التعليقات (0)