لاشك أن الذين حضروا الدورة التكوينية، التي نظمها نادي الصحافة والاعلام بسيدي افني بشراكة مع مجلة "مشاهد"، اقتربوا اكثر من فهم دور الصحافة ومسؤوليتها في اطلاع الرأي العام.
فالمبادرة التي تعتبر الاولى من نوعها، قد تسهم، على الأمد البعيد، في رسم خطوط تحرير للكلمة التي يؤمل منها أن تحمي حدود الممارسة السياسية المشروعة من التطفل الذي أساء، وبشكل كبير، إلى العمل السياسي، حتى أصبح كل من هب ودب يطرق أبواب الاحزاب السياسية للحصول على مفتاح اقتحام المؤسسات المنتخبة.
لهذا فما يجب أن يفهمه المتسابقون على المشاركة في الانتخابات أنهم باتوا تحت رقابة سلطة جديدة، لم تكن موجودة من قبل، سيكون بإمكانها أن تُسلط سيف نقدها على الأعناق المشرئبة نحو كراسي التمثيل.
وربما يُفهم الآن بشكل أوضح أن اقصى ما يمكن أن تصل إليه بعض التعليقات ــ التي لا أجهل مصدرها بالمناسبةــ ، و ردود الفعل الغاضبة على المقالات، التي حاولتُ من خلالها إطلاع الرأي العام على حقيقة بعض المنتخبين المختبئين وراء الابتسامات العريضة ، هي انها أكدت، وبالملموس، بأن الرسالة وصلت إلى العنوان الصحيح وجعلت ساكنيه يخرجون من جحورهم على أمل التقاط انفاسهم التي تختنق بعد دخول ولايتهم الجماعية نزعها الاخير.
فاذا كان البعض من هؤلاء الذين يطلون، من حين لأخر، من نوافذ بيوتهم الزجاجية ، يعتقدون أنهم قادرون على كسر قلمي بمجرد نفخ أوداجهم أمام بيادقهم ، فهم لا يزالوا يسبحون في سوء الوهم الكبير الذي يمنعهم حتما من رؤية حقيقة مزعجة تنتظره في "الدورة".
ويبدو أن "الفقيه"، الذي رُفع عنه القلم و لم نترجى يوما بركته ، و"الحقوقي" الصنديد، الذي سارع الى تحرير خربشات على الورق، يتوهم، هو الآخر، أنه سينجح في الدفاع عن رئيسه "المخلوع"، الذي لم يعُد إلى الشارع إلا بعد ما تأكد من دُنو موعد الانتخابات الجماعية المبكرة.
فعوض أن يلتزم الصمت أو يقر بالواقع الكارثي، الذي يئن تحته تسيير بلدية سيدي افني، لجأ إلى القاموس الديني معتقدا انه سينجح في إيهام الرأي العام بكونه صاحب خُلق ودين.
والحقيقة، التي لن يستطيع أي غربال في الدنيا أن يحجب شمسها، هي أنه وأمثاله يقفون وراء إفشال تجربة "اركانة"، من خلال تدخلهم المشين في قطاعات التسيير وتجاوزهم لحدود اختصاصاتهم بالرغم من أنهم لا يملكون الصلاحيات المخولة لذلك، فأن يأتي اليوم ليحرف النقاش عن مساره الحقيقي ويلجأ الى إظهار علامات الدين والورع، فهذا لن ينفع في إخفاء الندوب الواضحة التي تعتري وجه تجربة اقتنع الرأي العام بكونها الأسوأ في تاريخ الجماعات المحلية بسيدي إفني.
وليس خافيا على أحد أن أغلب النواب غادروا قطار التسيير منذ مدة، لا لأنهم فضلوا النزول في محطة للراحة، ولكنهم اضطروا اضطرارا لتوديعه بالمرة، بعد أن تبينوا أن آخر شيء يمكن أن يتغير هو طريقة القيادة التي لم تتوقف عن التسبب في "الكصايد" منذ انطلاقتها.
إن محاولة هذا "الحقوقي" الصنديد، و الذي أدانته المحكمة بشهرين مع وقف التنفيذ وغرامة قدرها 4000 درهم في قضية الاعتداء على موظف اثناء مزاولته لمهامه، ــ الفقيه اللي كانتسناو باراكتو دخل الجامع ببلغتو ــ، باءت بالفشل، وما عليه إلا أن يعيد الكَرة لعله ينجح في إبعاد كُرة الفشل بعيدا عن مربع الفتنة التي يسهر أسياده الليل كله على أمل ايقاظها في شوارع المدينة عساها تُوفر موجة جديدة يسهُل الركوب عليها.
وإذا كان الوهم الكبير لا زال يحاصر هذا "الفقيه العارف بالله" حتى دفعه إلى المتح من القرآن خوفا وطمعا، فمن الأحسن أن يوجه كلامه الى أحد آخر غيري، حتى لا أضطر إلى أن أذكره ببعض "غزواته في أراضي الغير"، التي لا تمت بأية صلة بما يخرج من فمه من دروس للوعظ والارشاد، و لربما سأكون، حينها، أقل حرصا على تجنب ذكر للمناطق الحساسة.
يجب أن يعلم هؤلاء الذين حضروا الدورة التكوينية ويتعلموا أن من حق أي صحافي أن ينتقد اداء المسؤولين على تدبير المال العام مهما على شأنهم، وأن أي مقال بهذا الخصوص ليس سبا ولا تجريحا ولا انتقاما، و إنما يجسد الدور الحقيقي والطبيعي الذي يجب أن تضطلع به الصحافة التي بُني أساسها على قاعدة القطارات التي لاتصل في موعدها.
أما إذا أراد البعض من الذين لا يملكون الشجاعة الكافية لتوجيه أسهم النقد إلى صدر المسؤول، الذي خيب ظن الرأي العام، فما عليهم إلا أن يطلقوا سراح قلم الصحافة ويبحثوا لهم عن "الغربال" لعلهم يحظوا بشرف الانخراط في جوقة التطبيل الى جانب "الشيخات" و"النكافات" التي لم تفلح أصواتهن المرتفعة، في المقاهي والساحات، في ضبط ايقاع المجموعة ولا في جلب اهتمام المستمعين.
وهذه مناسبة لكي نذكر محترفي "التبنديق" أن دور الصحافة لا يتوقف عند حدود الخبر ونشره، بل يسعى الى أبعد من ذلك ليصل الى تفكيك شبكة الفتنة التي ينسجها البعض بخيوط المؤامرة و الكذب و الخداع بهدف الاختلاء بذوي النوايا الحسنة والايقاع بهم في الشراك المعد بعناية.
أما الاختباء وراء شعارات من قبيل الخصوصية و ادعاء الحرص على السلم الاجتماعي، أو ما شابه ذلك من كلمات فضفاضة للتغطية عن العجز في ممارسة الجنس الأدبي، فليست من الصحافة في شيء، اللهم أنها تُشجع "الشمايت" على الإمعان في احتقار الرأي العام و خداعه.
التعليقات (0)