سوء استخدام وسائل التقنية
خليل الفزيع
يمتد سوء استخدام وسائل التقنية لمجالات عديدة ومنها مجال الاتصالات الذي تحول من نعمة يستفيد منها الناس في قضاء حوائجهم واختصار أوقاتهم.. إلى نقمة تسبب لهم الإزعاج والقلق على أيدي بعض العابثين، ممن لا يقدرون نتائج تصرفاتهم الرعناء وما يمكن أن تجلبه على غيرهم من سلبيات يذهب ضحيتها بعض الأبرياء الذين تداهمهم هذه المشاكل دون أن يملكوا القدرة على منعها أو ردع مرتكبيها، وقد تعددت وسائل الاتصال، لكن ما يعنينا في هذه العجالة هو سوء استخدام الهاتف سواء كان ثابتا أو متنقلا، فبعض ضعاف النفوس إذا حصل على رقم هاتفك بوسيلة أو بأخرى، تسبب في إزعاجك حتى وإن لم يعرفك، فالمعاكسات الهاتفية هواية سيئة عند بعض العابثين، ومن الخطأ أن نقصر هذا العبث على الشباب، لأن هناك رجالا تعتقد أنهم أبعد ما يكونون عن هذا التصرف الأرعن، وتفاجأ بأنهم غير بعيدين عن هذا الانحراف السلوكي السيئ، ثمة مثل يقول: (من السهل أن تطرد جيشا يحتل وطنك، لكن من الصعب أن تطرد جحشا يعرف رقمك) ولا شك أن قائل هذا المثل قد اكتوى بنار أحد الثقلاء الذي سبب له إزعاجا بعد أن عرف رقم هاتفه، وصمم على إيذائه دون رادع من خلق ولا وازع من دين، ومن يفقد دينه سيفقد خلقه دون شك.
في البداية لابد من تبرئة الجحش من تصرفات بعض الآدميين، وللجحش صولة وجولة في الأدب العربي قديمه وحديثه لصبره وقوة احتماله، وليس توفيق الحكيم هو أول من اهتم بالجحش، فهناك من شعراء العرب منذ الجاهلية حتى العصر الحديث من جاءوا على ذكر الجحش فأعشى قيس حين أراد ذكر ناقته قال:
غادر الجحش في الغبار وعداها لِصُوّةِ الأدحال
ذاك شبهت ناقتي عن يمين الرعن بعد الكلال والإعمال
بينما يقول نقولا الاسطنبولي عن أحدهم:
يبغي الحصول على جحش لكي
يقضي مآرب نفسه المحزونة
لا تعنينا علاقة المستهترين بالجحش، لكن ما يعنينا هو إيغال هذه الفئة من الناس في الاستهتار، وإصرارها على إيذاء غيرها بالمعاكسات الهاتفية، لدرجة قد تؤدي إلى خراب البيوت، عندما ينشأ بين أفراد الأسرة سوء الظن الذي يؤدي إلى الشك، وهو طريق لانعدام الثقة وخراب البيوت، وما أكثر المواقف التي يتحكم فيها الغضب، ثم يعقبها الندم عندما يغيب عن العقل قوله تعالى: (يا أيها الذِين آمنوا إِن جاءكم فاسقٌ بِنبأٍ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بِجهالَةٍ فتصبِحوا على ما فعلتم نادمين)
ومن البديهي ألا يرضى أي عابث لنفسه أن يقع في نفس المصيدة، فكيف يرضى لغيره ما لا يرضاه لنفسه.
وإذا برزت هذه الظاهرة في مجتمع متخلف، وجدت من يبررها، لكن أن توجد في مجتمع انتشر فيه التعليم، وتوفرت وتعددت فيه وسائل التثقيف الذاتي، فما هو الدافع في هذه الحالة لإزعاج الناس الآمنين في منازلهم، والمطمئنين في حياتهم؟ لينقلب الأمن والاطمئنان إلى قلق دائم وإزعاج مثير للأعصاب.. هل هي البطالة؟ أم فراغ القلب من الإيمان؟ أم فراغ الروح من الفضيلة؟ أم هي التنشئة الأسرية الخاطئة التي لا تحرص على تحصين الأبناء بمكارم الأخلاق؟ أم هو العبث والخواء الذي يعصف بعقول بعض مرضى القلوب، وفاقدي البصيرة، سواء كانوا من صغار السن أو من الكبار؟.
إن سوء استخدام الهاتف باستغلاله لإيذاء الناس.. أمر يرفضه أصحاب النفوس الكريمة والأخلاق العالية، بل وترفضه كل القيم التي تحرص على كرامة الإنسان وأمنه، وهذا بالضرورة يعني وجود أنظمة صارمة تطبق ضد كل من يرتكب مثل هذه المخالفات المشينة، والمسيئة لأبرياء لا ذنب لهم..
إن حالات كثيرة تؤكد تلك المقولة: (من السهل أن تطرد جيشا يحتل وطنك، لكن من الصعب أن تطرد جحشا يعرف رقمك).
التعليقات (0)