بقلم/ ممدوح الشيخ
mmshikh@hotmail.com
مساء الجمعة الماضية كنت على موعد مع مفاجأة جميلة، ففي إحدى قاعات مكتبة الإسكندرية قضيت سهرة رائعة مع مطرب مميز أسمعه للمرة الأولى هو حمزة نمر السكندري الذي نجح في خلال سنوات قصيرة أن يحقق نجاحا فنيا جديرا بالتوقف أمامه، وبخاصة أنه لم يجد حتى الآن مكانه الذي يستحقه على شاشات الفضائيات العربية التي ما زالت تفرض لونا فنيا أحاديا رافعة شعار "الجمهور عايز كدة".
لكن ما يريده الجمهور فعلا – أو على الأقل – شريحة كبيرة من الجمهور رأيته فيما يقدمه حمزة. فالقاعة امتلأت بالجمهور رغم محدودية الجهد التعريفي بتجربة حمزة (ويشار هنا إلى الجهد المميز للأستاذة هاجر السيد التي نجحت في جمع عدد من الإعلاميين لحضور الحفل). والجمهور بحد ذاته كان على غير المتوقع مزيجا من العائلات والشباب من كل الأعمار والمشرك الأكبر كان "الحجاب"، وعلى ما نراه في الحفلات الصاخبة لم يكن هناك أحد يعبر عن إعجابه بالرقص!
الأعمال الفنية التي قدمها حمزة مميزة شكلا وموضوعا فيها حس إنساني راقي وجهد فني لأسماء لا نصيب لها من الشهرة لكن نصيبها من الموهبة كبير جدا، وهي إلى جانب ذلك تستحضر رموزا وتبعث رسائل صيغت بعناية تخلو منها معظم الأعمال الفنية الرائجة فضائيا.
لقد غنى حمزة نمرة فسمعت سيد درويش وتذكرت أصالة محمود الشريف وانطلاق محمد منير، وفي لحظة ما شعرت أنني أسمع محمد نوح يغني "شدي حيلك يا بلد". والكلمات فيها بحث دؤوب عن الإنسان بوصفه إنسانا لا بوصفه خليطا متنافرا من الغرائز والرغبات الجامحة.
وحمزة رغم البعد الأخلاقي في الكلمات التي يختارها بعناية واضحة لا يقدم وعظا مباشرا ولا هجائيات تبعث على اليأس بل يفتح أبواب للأمل والحلم، ويداعب في النفس الإنسانية توقها الفطري للبهجة التي توقظ العقل والضمير ولا تتعمد تغييبهما.
غنى حمزة قرابة الساعتين والجمهور يردد معه أغانيه ويطالبه بأغانٍ محددة، ما يعني أن التواصل قائم بينه وبين مستمعيه قبل الحفل، فهو كما فهمت من حوار بينه وبين الجمهور أنه يجيد بناء الجسور عبر شبكة الإنترنت وبخاصة الفيس بوك، وهو درس مهم في أن "الفن المتزن" كما حرص أن يسميه صاحب الشركة المنتجة لحمزة لا يعني مخاصمة وسائل العصر الأكثر حداثة بل تطويعها، وعند استكمال أي عمل شروطه وأسباب نجاحه فمن الطبيعي أن تكون الثمرة كما رأيت، وإذا كان مصطلح "الفن الملتزم" يثير حفيظة البعض دون سبب مبرر فإن ما رأيته في مكتبة الإسكندرية يبشر بأن التيار الجارف الذي يكاد يبتلع الفن في عالمنا العربي يمكن ببساطة السباحة ضد اتجاهه بشكل آمن.
وقد أتيح لي – ضمن عدد من الإعلاميين – لقاء الفنان المبدع عقب الحفل في مؤتمر صحفي فكانت الأسئلة والتعليقات مشغولة بما في كواليس المسرح – أو حتى بما يمكن أن يكون موجودا افتراضا في هذه الكواليس – وتساءل البعض عما لم يقدمه، حمزة، وما يريدون منه أن يقدمه، رغم أن ما قدمه بالفعل كثير وغني. حمزة ومنتجه أبديا ذكاء كبيرا في التعامل مع الهواجس والأسئلة المفخخة، وأكدا أنه فنان وليس من المبرر أن ينتظر منه الآخرون شيئا غير دور الفنان.
والشكر مستحق لكل من ساهم في تقديم هذه التجربة المتميزة، وفي مقدمة من يستحقون هذا الشكر: مكتبة الإسكندرية.
التعليقات (0)