قانون الطوارئ الذي استهل به مبارك فترة حكمه ولازم نظامه طيلة الثلاثين عاماً الماضية منذ اعلانه في العام 1981 عقب اغتيال السادات ، وحتى تنحيه هو أحد الاسباب التي أدت لتفجر ثورة الشعب المصري إضافة إلى الظلم والطغيان والاستبداد الذي انتهجه النظام والذي رزح الشعب المصري تحت نيره. مستنداً إلى هذا القانون البغيض أرتكب النظام جميع أنواع المحرمات فكان السيف المُسلط على رقاب الأحزاب والتنظيمات السياسية والنقابية ولم تسلم من رهقه حتى اتحادات الطلاب بالجامعات وهو ذات القانون الذي استخدمه النظام لاعتقال وتصفية وقمع جميع المعارضين أفراداً و جماعات ، لقد شن النظام خلال الثلاثين عاماً الماضية حرباَ شعواء لاهوادة فيها مستخدماً اجهزته الأمنية على كل من ينادِ بالعدالة والحرية والمساواة الاجتماعية والسياسية فباسم قانون الطؤاري تم مصادرة الحريات وتكميم الأفواه واعتقلت حرية الرأي والتعبير . فالحزب الوطني الاتحادي الذي حكم مصر لثلاثين عاماً في عهد مبارك وحده ولم يتح أي فرصة لبقية الاحزاب من الوصول للحكم لو عن طريق الإئتلاف معها . هذا الوضع قاد الكثير من المنتفعين والوصوليين إلى تسلق الحزب للإلتحاق بمؤسسات الدولة مما أسهم في خلق مجموعات ضغط من المتنفذين لمطالبة النظام بتبني مصالح تجار النظام . فكان لهم ما أرادوا فتم انشاء خط لنقل الغاز إلى اسرائيل بسعر تفضيلي يقل كثيراً عن سعره العالمي وتم انشاء المزيد من شركات الأسمنت والحديد ومواد البناء الاخرى لا من أجل التنمية في مصر وتوفير هذه السلعة بالاسواق لتسيير الحصول عليها بأسعار مناسبة ولكن لتصديرها لإسرائيل لتسهم في بناء المستوطنات والمستعمرات اليهودية على انقاض القرى والاحياء الفلسطينية وتشريد الآلاف من الاسر الفلسطينية .
كما قادت جماعة الرأسماليين المتنفذة داخل الحزب النظام للتطبيع الكامل للعلاقات مع اسرائيل في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياحية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب والمزيد من جنى الارباح والثروات مستغلين اتفاقية كامب ديفيد التي أملتها ظروف موضوعية كانت تمر بها مصر بعد حرب أكتوبر 1973 . وفي غياب دور عربي يساهم في حل الأزمة الاقتصادية التي كانت تعاني منها مصر من خلال تقديم المساعدات المالية والاقتصادية وقروض استثمارية لتعويض ما فقدته مصر جراء حرب الإستنزاف الطويلة التي جرت بينها وبين اسرائيل إضافة إلى إعادة بناء الجيش المصري بعد التدمير الكامل الذي تعرض له خلال حرب عام 1967 مما أدى إلى استنزاف موارد مصر المالية إضافة إلى ارتفاع اسعار النفط وقتها والذي كانت حرب اكتوبر من أهم أسبابه . تعرضت مصر وقتها لضغط اقتصادي كبير توقفت خلاله مشاريع التنمية الامر الذي القى بظلاله السالبة على الوضع الاجتماعي الامر الذي دفع مصر لتوقيع اتفاقية كامب ديفيد لالتقاط أنفاسها وإعادة بناء قدراتها العسكرية والاقتصادية .
في كل دول العالم يتم إشراك الرأسمالية الوطنية وشركاتها للمساهمة في تنفيذ العديد من المشاريع والمساهمة في نهوض الاقتصاد الوطني والارتقاء بالمستوى الاجتماعي والمعيشي ، إلا أن التحالف الذي تم بين نظام مبارك وطبقة الرأسماليين قاد الاقتصاد المصري والوضع الاجتماعي في الاتجاه المعاكس فتم عن قصد إهمال الاستثمار في القطاع الزراعي داخل مصر او خارجها لتوفير القمح وغيره من المنتجات الزراعية فتضاعفت اسعار الخبز والمواد الغذائية أكثر من خمسة اضعاف فتضاعفت أعداد الفقراء عما كانت عليه ، ورغم ما يدعيه النظام من استثماره لملايين الدولارت في القطاع الزراعي وأخرها مشروع توشكي إلا أن الواقع يكذب ذلك فلو أن مصر مبارك استثمرت كل دولار لانتاج حبة قمح واحدة لتحقق لها الاكتفاء الذاتي من هذه السلعة الاستراتيجية ولما أصبحت الولايات المتحدة الامريكية تحتفظ بورقة القمح للضغط على نظامه لتقديم المزيد من التنازلات لصالح اسرائيل الامر الذي افقد مصر قرارها واستغلالها السياسي، فتراجع دورها الرائد في المنطقة فتحولت مصر في عهد مبارك من دولة مناهضة للمشروع الصهيوني الامريكي إلى دولة متواطئة تساهم في إنشاء الشرق الاوسط الجديد والاعتراف بدولة اسرائيل ضمن منظومة دول المنطقة وتغض الطرف عن الحروب التي تشنها أسرائيل على الشعوب العربية وجماعات المقاومة وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني .
لقد أهمل تجار البندقية الجدد الاستثمار في القطاع الصناعي فلم يُعد يحفلون بتطوير ما تمتلكه مصر من بنيات صناعية توافرت لها منذ ستينيات القرن الماضي لتمكين القطاع الصناعي من انتاج كافة المعدات والآليات الاستراتيجية سواء العسكرية أو المعدات الصناعية والزراعية والتعدينية والصحية ووسائل الاتصالات والمواصلات وكمثال لتدهور الصناعة في مصر فكلنا يعلم أن صناعة السيارات في مصر بدأت متزامنة مع كثير من الدول خاصة الدول الآسيوية والتي أصبحت رائدة في هذا المجال بعد قليل من السنوات وصارت منتجاتها تغزو الأسواق الامريكية والأوروبية في حين تراجعت هذه الصناعة في مصر فأصبحت تستورد السيارات والقطارات والجرارات وآلات الحفر والورش والمعدات الصناعية من دول نالت استغلالها بعدها بسنوات . لقد أضاع نظام مبارك حلماً كبيراً في أن تصبح مصر أكثر الدولة الاسلامية تقدماً في المجالات الصناعية إن لم تكن على مستوى دول العالم . فبات القطاع الصناعي طارداً للعمالة من حرفيين وفنيين ومهندسين نسبة لانعدام فرص التدريب واكتساب الخبرات وتدني الاوضاع المعيشية للعاملين وتدهور بيئة العمل الصالحة.
أهمل تجار النظام تحسين الاوضاع الصحية والتعليمية والأرتقاء بها إلى المستوى الذي كان يجذب الكثير من العرب وغيرهم لطلب العلاج بمستشفياتها والدراسة بجامعاتها ففقدت مصر مكانتها بعد كانت الاولى في هذين المجالين داخل محيطها العربي والأفريقي . أبى تجار البندقية الإستثمار فيما يعود بالنفع والخير لجميع المصريين ويمكن الدولة من توفير فرص عمل للأعداد المتزايدة من الشباب بإنشاء وإقامة مشاريع تنموية حقيقة في جميع المجالات ، وراحو يتنافسون الاستثمار في بناء المنتجعات والقرى السياحية على لإرضاء السياح الإسرائيليين وتباروا في إنشاء الفنادق الفخمة والمستشفيات السياحية وانشاء والابراج التي لا يستطيع الشباب والفقراء إليها سبيلا ولا يستخدمها إلا السياح الاجانب والاغنياء من العرب والمصريين. فلم يجد الشباب المصري من فرص العمل غير تلك المتاحة في المطاعم والفنادق والقرى والمنتجعات السياحية خادماً وحارساً لمن يملك الدولار والدينار .
لقد انحدرت الحياة الثقافية في مصر إلى أدنى مستوياتها فلم تعد مصر مبارك الأرض الولود للمثقفين والشعراء والادباء والكتاب والفنانين كسابق عهدها ولم تعد القاهرة سوقاً للأدب وانتاج الروايات ودواوين الشعر وفقدت القاهرة قدرتها وشهيتها في الابداع والتأليف لقد تم إفراغ المبدع المصري من شحنات الابداع واستبدالها بشحنات الاحباط واليأس ، الاعلام المصري بمختلف مكوناته وأشكاله لم يعد يحتوي على أي مضامين هادفة ففقدت ألاجهزة الإعلامية بريقها وألقها ورسالتها التي كانت تتميز بها فمن منا كان لا يستمع إلى صوت العرب فأضحت لا لون لها ولا رائحة إلا من مُنكهات النظام عديمة الاستثاغة، وصارت ثقافة الفيديو كليب هي الثقافة الغنائية السائدة بديلاً عن الغناء والطرب العربي الأصيل ، كما سلخ المنتجين الطفيليين السينما المصرية من رسالتها ومضامنيها التي يراد لها ان تنهض بالشعب المصري ثقافة ًوسلوكاً وأدباً ولازمت النسق الامريكي فصارت تخاطب الغرائز قبل الارواح والعقول وتروج للجنس والخيانة والكسب الحرام وتعاطي الخمر والمخدرات . فأصبحت مسخاً مشوهاً لا تخاطب وجدان وأصالة وقيم وحضارة الانسان المصري ولا تساهم في علاج مشكلاته الإجتماعية وايجاد الحلول لها في ظل غيبوبة متعمدة أُدخلت فيها أجهزة الاعلام فصارت عاجزة عن ممارسة دورها في الارتقاء بذوق وثقافة وسلوك المجتمع المصري وصياغة وجدانه وتطلعاته من خلال مشروع ثقافي إعلامي يتشكل من مكوناتاتها ومورثاتها الثقافية الاسلامية والعربية ورصيدها النضالي ويوجه ابناء مصر وينير لهم طريقهم في مناهضة المشروع الصهيوني الامريكي بالمنطقة والعمل على تقويضه ولو على المستوى الثقافي والاعلامي.
فى كتاب داخل مصر "Inside Egypt" أرض الفراعنة على شفا الثورة الذى صدر عام 2008 م . يقول الكاتب والصحفي الأنجليزي جون برادلي عن مستقبل مصر أنه على رغم من بعض النجاحات الاقتصادية ألا أن توزيعها تم على من أرتبطوا بالنظام فقط دون أن يصل ذلك لباقي الشعب وخاصة الطبقة الفقيرة مما أدى"زيادة الحنق" بين المصريين. ويشير الكاتب إلى رؤيته في زياراته المتكررة لمصر كيف أن الملايين من الدولارات من ثروة الشعب المصري تنفق لأنشاء المصارف وتقديم المياه للقرى السياحية والفنادق الفاخرة التي يستخدمها السياح الأجانب والأغنياء المصريون فقط "في حين يموت الألاف المصريين كل عام نتيجة تلوث المياه التي لا تصل لهم"... للإطلاع على بقية المقال أنقر الرابط التالى www.ouregypt.us.
التعليقات (0)