“حتى يغيروا ما بأنفسهم”
يقول الله تعالى:”ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” (الأنفال:53). ومن هذه الاية نستوحي بعض المعاني:
أن عملية التغيير تنطلق من أسس فكرية وهي لا تتأتى الا بعد دراسة موضوعية تشمل اطلاعا واسعا وفقها للعالم و تغيراته تنتهي الى ايجاد أجوبة دقيقة و عملية على الأسئلة و المشاكل التي تحير عقل المسلم كمشكلة الانفصال الذي يعيشه المسلم بين سلوكه و عقيدته و موانع اعطاء العقيدة ثمراتها.
-ما هو التغيير؟ :
التغيير تعني "ازالة ووضع" و هذا المعنى يوحي بأنه ما فسد يمكن اصلاحه مع أن التغيير بعد التشكيل صعب. تغيير ما بالأنفس هو وظيفة البشر بينما تغيير ما بالأقوام الذي يمثل نتائج تغيير ما بالأنفس هو من الله. وذلك عن طريق السنن الاجتماعية الثابتة التي سنها الله
-كيف يحدث التغيير؟ :
تغيير الواقع لا تتم الا بتغيير ما بالأنفس حيث أن كثير مما في أنفسنا يعطي حق البقاء و الاستمرار لواقعنا. كما أن القرآن الكريم يفسر ما يحل بالانسان من الظلم بالظلم الذي ينزله الانسان بنفسه. ومن هذا المنطلق يمكن لنا أن نعتبر أن المشاكل خاضعة لقوانين و مسببات يمكننا السيطرة عليها و تسخيرها
فعندما نعلم أن مشاكلنا خاضعة لسنن يمكن كشفها سوف يكون سلوكنا ايجابيا في الاقبال على العمل بجد لأننا واثقين أنه بأمكاننا حلها. و لا يمكن أبدا التغيير بالعنف فلابد من الاقناع لأن قانون النفس الانسانية يقوم على الاقتناع لا الاكراه أو العنف.
-سنة التغيير في القرآن :
أنّ سنة التغيير في القرآن سنّة عامة تنطبق على كل البشر و لا تستثني المسلمين بدليل أن كلمة قوم نكرة تدل على العموم فالتغيير يستلزم أن ننظر الى المشكلة كمشكلة مجتمع. و حين تكون سنة التغيير سنة مجتمع لا سنة فرد فهي تحتاج الى مجتمع يطيق عليها كي يؤتي النتائج المرجوة و هذا يحتاج الى وجود فئة من العقلاء تبحث في مشاكله و حلولها.
كماأن سنة التغيير سنة دنيوية لا أخروية حيث أن المحاسبة في الدنيا تكون جماعية عكس الآخرة حيث “لا تزر وازرة وزر أخرى”، أما المسؤولية الجماعية: ” واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة و اعلموا أن الله شديد العقاب”(الأنفال25) حيث أنه تنزل المصيبة أو تحل النعمة بالأفكار السائدة في المجتمع فقد يسعد أفراد مقصرون في المجتمع السليم و العكس صحيح.
-الترتيب في التغييرين و مجال كل منهما :
يأتي تغيير الناس لما بأنفسهم أولا ثم يتبعه تغيير الله لما بالقوم. من هنا يمكن أن ندرك أثر البشر و دورهم في صناعة أحداث التاريخ و مسؤوليتهم في ذلك حيث يقول الله تعالى “وما ظلمهم الله و لكن كانوا أنفسهم يظلمون” (النحل:33)
ان مجال تغيير الله يكون في الصفات الفردية وحدود فرض العين…و مجال تغيير الأقوام علقها الله بما في الأنفس و تشمل الأنفس الأفكار، الظنون و المفاهيم…و معرفة الانسان لهذا تمكنه من السيطرة على صنع التاريخ و توجيهه حيث أن ابن خلدون أدرك أهمية ذكر أسباب ازدهار و سقوط الأمم حين اعتبرها الهدف الأساسي من رواية التاريخ.
كما اهتم القرآن الكريم بموضوع التعامل مع الأنفس لتغيير ما بها حيث بين أن عمل الله تعالى يشمل :”و نفس و ما سواها فألهمها فجورها و تقواها” و عمل الانسان :” قد أفلح من زكاها و قد خاب من دساها” اضافة الى ” حتى يغيروا ما بأنفسهم”. هذا يوحي بأنه يمكن أن توضع في النفس الأفكار ابتداء كما يمكن أن يرفع ما فيها من مفاهيم و يوضع أخرى و هذا هو المهم في عملية التغيير.
-ما بالقوم نتيجة لما بأنفسهم:
الانسان مسؤول عن أعماله بما يضع في نفسه من أفكار حيث يظهر أثر ما بالنفس و لو كان وهما لذا فعلينا أن نتخلص من الرؤية السطحية للأشياء و أن نجتهد في ادراك الأمور على وجهها الصحيح. حيث أنه يمكن أن يترسخ في النفس أفكار خاطئة تعمل عملها في اتخاذ القرارات في اللحظات الحرجة.
-ماسبب تعطيل عقل الانسان؟ :
أن المصدر الأساسي في ذلك هو العقيدة العبثية في الوجود و الكون :”أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا و أنكم الينا لا ترجعون”(المؤمنون:115). حيث أن هذه العقيدة تمنع رؤية النظام و السنن في الكون و قد توارثناها على مر القرون ان لم يكن باسمها فبمحتواها و هي التي ساهمت في شلل الفكر و العمل في العالم الاسلامي.
-المنهج و التطبيق :
جانب فصل القاعدة عن التطبيق:
الزامية التفريق بين النظرية و التاريخ، بين الاسلام كدين و المسلمين كتطبيق على اعتبار أن النظرية هي القاعدة و التاريخ هو التطبيق.. يفيدنا هذا النظر كذلك من جانب آخر على تقبل ما عند الآخرين من نظريات صائبة و تجارب ناجحة أيا من كانوا، حيث أن عدم بخس الناس و أشيائهم و العدل مبدآن قرآنيان.
جانب تعميم السنة:
أنه من الواجب علينا ادراك أن السنن الاجتماعية تنطبق على جميع البشر دونما استثناء بما في ذلك المسلمين حيث أنه من الخطأ الاعتقاد بأن الدين الاسلامي مادام منزلا من عند الله فهو يعمل في حياة البشر بطريقة سحرية و غامضة الأسباب دون اعتبار لحالتنا و استعدادنا لحمل هم هذا الدين.
من كل ماسبق يتضح أنه على المسلمين اذا أرادوا أن يغيروا بحالهم نحو الأحسن فيجب أن يكونوا على استعداد لالقاء الضوء على ما بأنفسهم و دراسة الأفكار التي تحملها و جوانب نقصها و تقصيرها بكل موضوعية و ترك القاء اللوم على الآخرين.
التعليقات (0)