مواضيع اليوم

سميح القاسم: كل سكوت كلام بذئ

غازي ابو كشك

2009-03-07 08:04:43

0

سميح القاسم:

كل سكوت.. كلام بذيء!!

يلوّح لي أكثر شعراء المقاومة تمرداً، ويدعوني الى دخول المجلس الخاص به، الهادئ في زاوية الخيمة الرمضانية الصاخبة. وما إن أجلس حتى يرحب بي كأنه يعرفني منذ زمن بعيد، يعرض عليّ سيجارة، ويتعذر بلهجة ودية عن اجراء مقابلة رسمية. يقول:

«لن تعرف مدى تعبي هذه الليلة.. وكيف تعرف!».

كانت «حادثة سير» خطيرة تعرض لها سميح القاسم أخرجت الشاعر عن طوره الشعري، وقوّت ايمانه بالله والشعر، وأخيرا جعلته يتكئ على عصا تعينه في المسير، ولكنه يرى أن «حوادث التاريخ» التي تصيب الأمة العربية تستدعي «عكازاً سرياً ربما هو عكاز الروح.. لعل القصيدة هي ذلك العكاز».

وفي هذا السياق يقول سميح، الذي يخلط الشعر بالنثر، والجدّ بالهزل، كالسمن بالعسل- يقول: متهكماً ربما على عدوه «رقم1» جورج دبليو: «لديّ مسؤولية تكليف إلهي.. تكليف سماوي للدفاع عن روح هذه الأمة والحفاظ على ثقافتها وتراثها من عبث العولميين العابثين».

لا يبدو التفوه بعبارات كهذه خروجاً على المألوف، بالنسبة لسميح، اليساري المخلص، اللوذعي، الذي يعرف «مقاسه» الشعري وحجمه ووزنه، ويُدلي بتصريحات جارفة. وعندما يُطرح عليه سؤال محدد، يردّ كدبابة ميركافا تعرضت لخطر. قال في آخر مؤتمر «موضحا» لأحد الصحفيين: «سؤالك هذا صغير جداً على مقاسي».

يتحدث سميح القاسم عن فلسطين بوصفها «مكاننا وزمانهم»، وعن حقِّه المقدس في وطنه الأقدس.. وطنه الزمكاني:

«لقد واجهت السلطة الإسرائيلية التي حاولت منعي، بأقذر الوسائل، من ذكر فلسطين.. اسم فلسطين».

ويضيف:

«لقد حاولت هذه الفاشستية قتلي معنوياً، وربما فعلياً.. بأن تطبق عليّ قسراً وعدوانا قانونها اللا إنساني، في أدنى وصف، قانون التجنيد الإجباري».

 أنت لم تخدم في الجيش ولم تهجر في الحرب.

- لقد استحوذت عليّ فكرة الهرب من وطني الصغير الى وطني الكبير، وعندما باشرت «تنفيذ المهمة».. وكنت حينها قابعاً، وحدي، على سطح كنيسة احدى القرى في الجليل الغربي في لحظة الشفق الأحمر، بانتظار الليل لعبور الخط الأخضر، ولكن قبل ان يدهمني الليل، داهمتني ثلّة من أقاربي وأصدقائي وخيرتني الجماعة بين العودة الى أمي الناحبة والعودة الى «مركز الشرطة»، فاخترت أمي طبعا! وما زلت ممسكاً بهذا الخيار والقرار.

بعد هذه الحادثة التي رواها القاسم بِسنة، تقريبا، أصدر بياناً (من سميح القاسم المواطن الى سميح القاسم الشاعر) أعلن فيه تطليقه الشعر، ولكن بعد شهور، ربما، تصالح المواطن مع الشاعر والشاعر مع الشعر، وأصدر قصيدة.

 وكيف كانت العودة، هل أعادتك القصيدة الى بيت طاعتها؟

«أعتقد ان هناك خطأ بصرياً في الشطر الأول من عمري، ربما راودتُ نفسي أو راودتني عن ترك الشعر، وتطليقه طلاقاً بائناً بينونة كبرى، لكن عصمتي كانت وتبقى في يد القصيدة».

وبينما كنت أخربش هذه الكلمات، وغيرها.. وألهو، في دفتر ملاحظات صغير، أعلن سميح بحركة مسرحية أن «المقابلة انتهت». وعندما سألته «أي مقابلة؟» ابتسم وهز رأسه بطريقة ودية. كان يحمل غير «العصا» شنطة صغيرة ورزمة دفاتره، ويتهيأ للنهوض والمغادرة. هل أريد أن أحمل دفاتره؟

 أحمل عصاك إذا شئت.. لن تعرف أبداً قيمتك الأدبية في نظري، ومدى اعجابي بما فعلته في حياتك.

أجاب بصوت ناعس (وهي المرة الأولى التي بدا فيها عجوزا): «كفى! أنت تدفعني الى البكاء».

ولكني كنت ادفعه الى البقاء.

لم ينسى هذا الرجل الخطيب، الذي لا يرضى بالحياة ولا الموت عن طيب خاطر، أن يشتم العالم قبل السحور.

«كل سكوت.. وسط كل هذا الخراب.. هو كلام بذيء. وسط كل هذا الرعب الحيواني الطافح كالقمر، هو كلام بذيء. وكل مثقف عربي يخرس، عامداً متعمداً، عن الحقيقة الساطعة فليتبوأ مقعده المناسب في مزبلة التاريخ».

من الذي يدفع الى البكاء؟

يوسف بوزيه

بطاقات معايدة إلى الجهات الست 

أُسْوَةً بالملائكةِ الخائفينَ على غيمةٍ خائفهْ

في مَدى العاصفهْ

أُسْوَةً بالأباطرةِ الغابرينْ

والقياصرةِ الغاربينْ

في صدى المدنِ الغاربَهْ

وبوقتٍ يسيرُ على ساعتي الواقفَهْ

أُسْوَةً بالصعاليكِ والهومْلِسّ

بين أنقاضِ مانهاتن الكاذبَهْ

أُسْوَةً بالمساكينِ في تورا بورا،

وإخوتِهم، تحت ما ظلَّ من لعنةِ التوأمينِ،

ونارِ جهنَّمها اللاهبَهْ

أُسْوَةً بالجياعِ ونارِ الإطاراتِ في بوينس إيريسْ،

وبالشرطةِ الغاضبَهْ

أُسْوَةً بالصديقِ الذي باعَهُ مُخبرٌ.. وانتهى الأمر!

أُسْوَةً بالرهائن في قبضةِ الخاطفينْ

أُسْوَةً بالجنودِ الصِّغار على حربِ أسيادهم ،

وعلى حفنةٍ من طحينْ

أُسْوَةً بالمساجين ظنّاً ،

على ذمّةِ البحثِ عن تهمةٍ لائقَهْ

أُسْوَةً بالرعاةِ الذين أتى القحطُ..عاماً فعاماً.. على جُلِّ إيمانهمْ

وعلى كل قطعانهم

أُسْوَةً بالفدائيِّ أَوقَعَهُ خائنٌ في كمينْ

أُسْوَةً بالمذيعِ الحزينْ

مُعلناً ذَبْحَ سبعينَ شخصاً من العُزَّلِ الآمنينْ

باسم ربِّ السماءِ الغفورِ الرحيمْ

والرسولِ العظيمْ

والكتابِ الكريمْ

وصراط الهدى المستقيمْ

أُسْوَةً برجالِ الفضاءِ وحربِ النجومِ اللعينَهْ

أُسْوَةً بضحايا الحوادثِ في الطرقِ المتعَبَهْ

وضحايا السلامْ

وضحايا الحروبِ وأسرارِها المرعبَهْ

وضحايا الكلامْ

وضحايا السكوتِ عن القائلينَ بحُكم الظلامْ

وبفوضى النظامْ

أُسْوَةً بالشعوبِ التي أوشكتْ أن تبيدْ

واللغات التي أوشكتْ أن تبيدْ

في كهوفِ النظامِ الجديدْ

أُسْوَةً بضحايا البطالَهْ

يبحثونَ عن القوتِ في حاوياتِ الزبالَهْ

أُسْوَةً بالطيورِ التي هاجرتْ

ثم عادتْ إلى حقلِهَا الموسميّ

في الشمالِ القَصِيّ

لم تجدْ أيَّ حقلٍ.. ولا شيءَ غير المطارْ

والفراشاتُ ظلُّ الفراشاتِ في المشهد المعدنيّ

ظِلُّ نفاثةٍ قابعَهْ، خلفَ نفّاثةٍ طالعَهْ

بعدَ نفّاثةٍ ضائعَهْ، خلفَ نفّاثةٍ راجعَهْ

لم تجدْ غير دوّامةٍ من دُوارْ

أُسْوَةً بغيومِ الشتاءِ على موتها مُطبِقَهْ

بالبراكينِ في آخرِ العمرِ.. مُرهَقةً مُرهِقَهْ

أُسْوَةً بالشعوبِ التي فقدتْ أرضَها

بضحايا الزلازلِ والإيدز والجوعِ والأوبئَهْ

أُسْوَةً بالبلادِ التي خسرتْ عِرضَها

ومواعيدَ تاريخها المُرجأهْ

في سُدى هيئةِ الأُمم المطفَأَهْ

أُسْوَةً بي أنا، نازفاً جارحا

غامضاً واضِحا، غاضباً جامحا

أُسْوَةً بي أنا،

مؤمناً كافراً، كافراً مؤمِنا

أُسْوَةً بي أنا

أرتدي كفني

صارخاً: آخ يا جبلي المُنحني

آخ يا وطني

آخ يا وطني

آخ يا وطني!

سميح القاسم

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !