سمعا و طاعة.
عندما ننظر إلى واقع الحال في المجتمعات الإسلامية بعين نقدية فاحصة، تتراقص في أذهاننا أسئلة كثيرة قد لا نجد لها جوابا محددا. لكن سؤالا واحدا يغيب عنا جميعا، ويتعلق بماهية وحضور السؤال نفسه في التداول اليومي العام.
لماذا لا نسأل؟. هذا هو الاستفهام الذي ينبغي طرحه بشدة في هذه المرحلة. نعم نحن أمة لا تسأل، بل إنها تحتقر السؤال. ولننظر في هذا السياق مثلا إلى لغة الخطاب التي نتداولها بيننا، حيث نجد في اللغة العربية الجذر ( سأل ) يطلق على الطلب والحاجة. ومنه كلمة ( متسول) أي المحتاج الذي يطلب يد العون. ولأن الشخص الذي يتسول الصدقات منبوذ و محتقر في مجتمعاتنا، فإن هذه العدوى انتقلت إلى السائل أيضا، فأصبح الذي يسأل عن المعرفة في نفس مقام متسول الصدقات، وإن كان الأمر مختلفا طبعا. ثم إننا نتضايق كثيرا عندما يبادرنا أحدهم بالسؤال. وفي أحيان كثيرة نعتبر ذلك نوعا من التحدي أو نتعامل مع السائل بسخرية واستهزاء. والواقع أن هذا الأمر متجذر في ثقافتنا، التي تعلمنا في مدرستها أن " السؤال لغير الله مذلة "، لذلك يتفق لسان حال الجميع على القول: لماذا نسأل إذن؟؟.
لا يتعلق الأمر هنا بالأسئلة العادية التي تحضر في كل تفاصيل حياتنا اليومية ( كيف الحال؟ - كم الساعة؟ - أين توجد المحطة؟ - متى يقلع القطار؟...)، لكننا نعني أسئلة الفكر التي تستفز العقل و تحاكم الواقع. و علامة الإستفهام الغائبة في هذا الإطار هي: لماذا؟. لأن طرح السؤال بهذه الصيغة يعني أن السائل غير مقتنع، و يريد مزيدا من التوضيح. بل إنه يشير إلى الرفض و الإستقلالية و حضور الذات. وتلك هي السمات التي نفتقدها إلى حد بعيد، فغابت بذلك الأسئلة المستفزة التي تعبر عن الوعي الحقيقي بالواقع و تناقضاته. تلك التناقضات التي تستصرخنا وتدعونا باستمرار إلى السؤال. لكننا مع ذلك نمتنع عن الإستجابة. وبالرغم من أن كل ما حولنا يثير الأسئلة، فإننا تعودنا على القبول بكل شيء وكأنه قضاء وقدر. لقد تعودنا أن نقبل كل شيء دون مناقشة ولا معارضة في كل مراحل تنشئتنا الإجتماعية بدءا من البيت مرورا بالمدرسة وانتهاء بالقرارات السياسية التي ترهن مصير البلاد والعباد، ورغم ذلك تلقى كل الترحيب و التصفيق لأنها صدرت عن سلطة لا يمكن لأحد أن يرفع في وجهها حرف النفي " لا ". وعندما يعجز اللسان عن قول :" لا " فإن ذلك يعني أنه لا وجود في قاموسه لأداة استفهام تسمى " لماذا ". وغياب هذه الصيغة هي التي سمحت للعابثين أن يفعلوا ما يشاؤون دون حسيب أو رقيب، ثم إن ثقافة المحاسبة لا يمكن أن تنمو في تربة تلوذ بالصمت و تسبح بحمد أصحاب القرار.
إن السؤال هو المقدمة الحقيقية لكل رغبة في التقدم والتطور. و مادامت صيغة:( لماذا؟) غائبة أو مغيبة، فإن الحال سيبقى على ماهو عليه، وسيظل شعار السمع و الطاعة يرفرف فوق الهامات إلى أن يشاء القدر. محمد مغوتي.02/07/2010.
التعليقات (0)