أقل من 5% من مسلميها
سلفيو هولندا: أزمة اندماج وهوية ..وتربص أيضا!
بقلم/ ممدوح الشيخ
انعقد مؤخرا بأمستردام المؤتمر الوطني حول الإسلام في هولندا وقد نظمه معهد الدراسات الإسلامية بأمستردام (دار الإسلام) ويعد أكبر مؤتمر حول الإسلام يتم تنظيمه في هولندا حتى الآن. المؤتمر ناقش قضايا: قانون الأحوال الشخصية الإسلامي في التشريع الهولندي، الإسلام في المجتمع متعدد الثقافات وكيفية التعامل مع المفاهيم الخاطئة حول الإسلام في وسائل الإعلام.
لكن ما لفت النظر وكان موضوع تعليقات محللين كان الحضور الواضح للتيار السلفي في المؤتمر وما كشف عنه من انتشار الفكر السلفي بين مسلمي هولندا، فالفكر السلفي يتمتع بقوة جذب بالنسبة للعديد من الشباب المسلم في أوروبا الباحثين عن جذورهم الدينية.
كان من بين المشاركين بلال فيليبس الملقب بـ "السلفي الإلكتروني" مؤسس الجامعة الإسلامية الافتراضية وهو ألقى محاضرة بعنوان "هل تمثل السلفية مذهبا فكريا؟" والجواب كان بالنفي، فالسلفيون يتبعون الرسول محمد وصحابته ويطبقون الإسلام كما عاشه وفهمه الجيل الأول والثاني والثالث من الصحابة.
والسلفيون في هولندا موضوع تقديرات تتفاوت بين المبالغة والتحفظ في شأن أعدادهم، فالتقدير المبالغ يقدرهم بـ 30 ألفا والتقدير المتحفظ يدور حول 10 آلاف. وبسبب حضورهم الملموس أعدت الإذاعة الهولندية برنامجا وثائقيا عنهم بعنوان "إن شاء الله" ويتضح حسب ما جاء في الفيلم الوثائقي أن الصورة النمطية عن السلفيين بأنهم معادين للمجتمع الهولندي، غير صحيحة. فمعظمهم يعملون في وظائف عادية أو يدرسون ويخططون لمستقبلهم شأنهم شأن باقي الشباب في هولندا. وفي ظل التداعيات السلبية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاه تعرض كثير منهم للمضايقة بسبب الزي. وليس لدي الشباب في الفيلم الوثائقي أي طموحات سياسية إلا أنهم يشاركون جميع المسلمين المضطهدين في أرجاء العالم الشعور نفسه. وهناك بالطبع سلفيون يستخدمون لغة العنف على الإنترنت ويسمون "جهاديو الإنترنت".
ويثير الحضور الواضح للسلفيين بين مسلمي هولندا تساؤلات بشأن الاندماج في المجتمع الهولندي وبخاصة من ناحية الزي واللغة، لكن الملف لا يقتصر الجوانب الثقافية والفكرية بل له جانب أمني، فالاستخبارات الهولندية ترصد تنامي الدعوة السلفية وحسب تقرير صادر عن جهاز الاستخبارات والأمن الهولندي لاحظ الجهاز صعود هذا التيار، ويعكس التقرير قلقا من تداعيات هذا "المدّ". ومنذ عام 2004 تحاول الاستخبارات الهولندية التعرف على ما تعتبره منابع ظاهرة التطرف لدى فئة صغيرة من مسلمي هولندا البالغ عددهم حوالي المليون شخص. والطريف أن التقارير الهولندية هي كشفت عن اهتمام بريطاني مماثل بالظاهرة السلفية!
وفي إطار أجواء الإثارة التي ترتبط بالظاهرة السلفية في هولندا قام الصحافي الهولندي باتريك باو بالتخفي وخوض تجربة أن يتتلمذ على يد شيخ سلفي، لكن الشيخ نفى – بعد أن روى الصحافي تجربته في كتاب – أن يكون قال ما نشبه له الكاتب. الكتاب عنوانه باسم " سلام: عام في أوساط المسلمين الأورثوذكس". وهو يردد فيه المقولات التضخيمية التي لا تخلو من تحريض عن الانتشار الكبير للسلفية في هولندا، وإن كان يقر بأن هذا التيار لا يعتبر أساسا تيارا عنيفا حسب المخابرات الهولندية، وهو في الوقت نفسه يتهمهم بالرفض التام للمجتمع الهولندي. وقد تابع باتريك باو لمدة عام كامل دروسا في السلفية بمعهد التربية والتعليم بمدينة أوتريخت الهولندية.
وكان معلمه الشيخ صهيب سلام البالغ من العمر 27 سنة هو ابن الإمام الذي أثار ضجة إعلامية كبيرة عام 2004 عندما رفض مصافحة وزيرة في شؤون الهجرة والاندماج آنذاك.
والصورة المرسومة للظاهرة السلفية في الإعلام الهولندي لا تختلف كثيرا عن الكتاب المشار إليه، وهي بالتالي لا تخلو من تضخيم واضح من خلال وصفها بأنها تنتشر بسرعة فائقة حول العالم وتستقطب "بخطابها القاطع" كثيرا من
الشباب المسلم الباحث عن الطمأنينة الفكرية في العالم الإسلامي والغرب. وأنها تخضع الآن لمجهر أجهزة المخابرات في مختلف أنحاء العالم.
والذي لا شك فيه أن الظاهرة السلفية جزء من أزمة أكبر تعانيها أوروبا منذ فتحت أبوابها لأعداد كبيرة من المهاجرين بسبب حاجتها الملحة للأيدي العاملة، فقد أدى وجود جاليات إسلامية كبيرة إلى أزمة هوية لدى الطرفين كرستها أجندات سياسية وتداعيات الحرب على الإرهاب. وبين كل ملامح المشهد الإسلامي في أوروبا يمثل السلفيون بمظهرهم وخطابهم مادة دسمة للإعلام المتعطش لرسم صورة نمطية عن الإسلام والمسلمين.
التعليقات (0)