مواضيع اليوم

سلفيو التحرير .. عزلة تحت الأضواء

عمر غازي

2011-11-20 15:05:11

0

 سلفيو التحرير .. عزلة تحت الأضواء
بقلم: عمر غازي

مليونية لم تحقق منذ وقت بعيد ضمت أطياف الحياة السياسية المختلفة في مصر، للمطالبة بإنهاء حكم العسكر بعدما شعر الجميع بالخطر من اختطاف ثورة الشعب وأحلامه وآماله وتضحياته لتصبح مجرد انقلاب عسكري يترأسه المجلس العسكري الحاكم ظن قادته أن موقفه الناعم وثقة الشعب تأشيرة للخلود فوق كرسي العرش.

نجحت ثورة يناير حينما كانت ثورة للجماهير وللشعب بمختلف مكوناته الطائفية والأيدولوجية والفكرية، واليوم خرجت تلك الجماهير والقوى يوحدها الهدف والمطلب وهو مالم يحدث طيلة الـ 10 شهور الماضية منذ سقوط النظام البائد بعدما أصبح كل يغني على ليلاه.

لكن نقطة الاختلاف هنا تأتي في ظل تغيير موازين القوى على الأرض وظهور تيارات جديدة أو استعادتها لأنيابها المقتلعة بعدما نفضت غبار القمع والتهميش عنها لتتنفس بعضا من نسيم الحرية المفقودة لعقود وعلى رأس هؤلاء التيار الإسلامي بشكل عام مما يجعلها في نظري مدينة لتلك الجماهير والشعب بالمزيد من الامتنان كونها كانت في الغالب متحفظة من تلك الانتفاضة في مهدها وحتى قبيل سقوط النظام بقليل.

لم يقدر لي أن أكون في ميدان التحرير قلب الثورة النابض إلا بعد 10 أشهر من انطلاقة شرارة التغيير، لينقلني يوم 18 نوفمبر من موقع المتفرج المترقب خلف الشاشات إلى موقع الراصد من قلب الحدث.

 

مع الإخوان إلى التحرير

قدري منذ أن استقليت الحافلة من مدينة المنصورة إلى القاهرة أن أكون متنقلا بين أطياف الإسلامي فرفقاء السفر كانوا كوكبة من أساتذة الجامعة يقترب عددهم من الثلاثين كلهم من جماعة الإخوان المسلمون، استأذنهم رفيقي في مرافقتهم فرحبو بكل ود.

خلال رحلتنا التي استمرت قرابة الـ3 ساعة تبادل الأكاديميون الإخوان ميكرفون الحافلة ليعبر كل منهم عن رؤيته ومطالبه ودوافعه من هذه الرحلة، اتسم الطرح بوضوح الهدف والمطالب، وعدم التعرض للآخر، أيا كانت توجهاته، كان النقاش هادئا وراقيا، تحدثوا عن العسكر والفرق بين المجلس العسكري والجيش، والمخاوف من تكرار تجربة عام 1954م، في نهاية المطاف وزعوا علينا لافتات كبيرة لحملها في الميدان، توجست أنا ومرافقي في البداية فالانتخابات تدق الأبواب ومن البديهي أن تكون لافتات لحزب الحرية والعدالة، ولو على الأقل لإثبات الوجود واستعراض القوة، لكن المفاجأة أن اللافتات كانت تخلو تماما مما يشير من قريب أو بعيد إلى جماعة الإخوان أو ذراعها السياسي "الحرية والعدالة"، ولم تكن تحمل أية شعارات تشير إلى أيدولوجية صاحبها، وإنما كانت تعبر عن المطالب الأساسية للجماهير الغفيرة من الشعب وكان نصيبنا من تلك اللافتات " نؤيد العزل السياسي للفلول والفاسدين".

 

استعراض سلفي

منذ وطأت قدمي جنبات الميدان المكتظ بالجماهير الغفيرة بدا واضحا حجم التيار السلفي الذي تغص جنبات الميدان بعناصره بلحاهم وجلابيبهم وشعاراتهم وكذلك هتافاتهم التي خرجت عن مضمون المليونية في غالبها فبينما كانت وثيقة السلمي وتسليم السلطة للمدنيين هو الشعار الذي خرجت من أجله القوى السياسية والجماهير كان السلفيون يغردون في سرب آخر وربما يتذكرون بين الفينة الأخرى السلمي والعسكر لتهتف حناجرهم لبعض الوقت ثم ما أن تهدأ وسط التكبير، ليعودوا لهتافاتهم المطالبة بتطبيق الشريعة وإسلامية الدولة.

وسط تلك الجموع الغفيرة حاولنا جاهدين العبور إلى المنصة الرئيسية فانقطعت بنا السبل وأدركتنا خطبة الجمعة وسط الزحام أمام منصة حازم صلاح أبو إسماعيل مرشح السلفيين المحتمل لرئاسة الجمهورية، بعدما انتهي خطيب التحرير الشيخ مظهر شاهين من خطبته علت الحناجر واختلطت الأصوات من منصات مختلفة تندد بسرقة الثورة وبقاء الحكم العسكري لكن منصة "حازم أبو إسماعيل" الضخمة التي كان قدرنا أن نكون بجوارها كان لها رأيا آخر فصدحت مكبرات الصوت الضخمة بكلمة مسجلة للشيخ حازم يدعو فيها للتظاهر ضد وثيقة السلمي تلاها أنشودة حماسية تصاحبها الإيقاعات الموسيقية وسط تمايل بعض [الأخوة] على المنصة لإلهاب حماس جماهيرهم: "لبيك اسلام البطولة كلنا نفدي الحما ... لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما سلما ... لبيك ان عطش اللوى سكب الشباب له الدماء لبيك لبيك لبيك لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما..".

انتظرت أن ينتهي ذلك الصخب دون جدوى .. والتحرك قيد أنملة بات أشبه بالمعجزة.. مرت دقائق طويلة والأغنية تتكرر والشيخ يتمايل معها اظهرت امتعاضي لأحد الواقفين جواري من السلفيين قائلا: "ينفع كده سلفية النص كم دي .. موسيقى ورقص .. وبعدين ايه علاقة الاغنية دي باللي احنا فيه؟!! .. هوا احنا في معسكر كشافة.." رمقني بنظرة لم أفهمها وابتسم ابتسامة غامضة ولم يشأ أن يرد.

بعدما هدأ الزحام قليلا انتقلت إلى منصة حزب النور الواقعة على يسار المنصة الرئيسية كانت الجموع غفيرة وشعارات الجزب تملأ الميدان والمكان أشبه بما يحلو للبعض تسميته قندهار الثانية، كان التكبير حاضرا بكثافة وسط شعارات "إسلامية إسلامية" و"الشعب يريد تطبيق شرع الله"، للحد الذي تنسى معه الهدف من تلك المظاهرة وتظن أنك في مليونية الشريعة أو تأكيد الهوية كما يطلق عليها البعض، تبادل المشايخ الأدوار على المنصة مؤكدين أن وثيقة الدكتور على السلمى نائب رئيس الوزراء ما هي إلا رد فعل للخوف من فوز السلفيين في الانتخابات القادمة وتطبيق الشريعة الإسلامية ومطالبين بإقالته. ، في حين وجه محامي الجماعات الإسلامية ممدوح إسماعيل نداءه للمجلس العسكري قائلا: "إن كنتم حقا تنتمون إلى هذا الشعب فأعطوا له حقه من خلال اختيار دستوره ولا تستمعون إلى إملاءات الغرب ولا السفيرة الأمريكية ولا هيلاري كيلنتون ولا أوباما ولا تستمعون الفضائيات التي تحارب الإسلام ولا إلى أذيال الغرب هنا .. فأذيالهم هنا يرددون ما يفرض عليهم من هناك" وشدد إسماعيل على أن أرادة الشعب المصري هي التي يجب أن تحضر هنا وليست إرادة أمريكا أو أرادة من أطلقوا على أنفسهم لقب "النخبة" وهم أبعد ما يكونوا عن إرادة الشعب" مضيفا لسنا مغفلين ولن نقبل بتسليم مطلق لكم في حكم مصر.

أحد المتحدثين على منصة النور سأل الجمهور: إذا أتى شخص ثالث غير يحي الجمل وعلي السلمي وأراد الالتفات على إرادتكم هل ستسكتون له، ليردد الحضور: لا، ليعود بالسؤال هل هناك أحد فوق الشعب، ليأتي الرد لا: ليؤكد أن الله وحده هو من فوق الشعب، وأنه إذا أتى رئيس منتخب جديد وفعل مثل سابقيه الجمل والسلمي فلن نسكت له .. ليغمز له أحد المنظمين على المنصة بتجاوز هذه النقطة وعدم إثارتها إلا أنه يصر قائلا: عشان ما يقولش حد بعد كده إن السلفيين بيخرجوا على الحاكم.

أثناء انتقالي إلى الجهة المقابلة استوقفني صوت شخص يلقي قصيدة حماسية من فوق منصة النور فوقت استمع لهجاء في الدكتور السلمي ما لبس أن تحول إلى هجاء لليبراليين والعلمانيين الفسقة ليؤكد صاحبها: "نحن الأسود وهم الأقزام" .. انصرفت وأنا أحمد الله أنني لست ليبراليا لأنني لم أكن لأسكت ووقتها لا أعلم كيف سيكون مصيري وأنا من شاهدت بأم عيني أحد الحضور الذين اعترضوا على شعار "إسلامية إسلامية" وهو يطرد من الميدان شر طردة.

 

جهاديو الأمس .. مدنيو اليوم

كان للتيار الجهادي حضوره في الميدان عبر الجماعة الإسلامية وذراعها السياسي حزب البناء والتنمية فأقام منصته الخاصة به والتي حملت شعار "نعم لمدنية الدولة، والتعددية الحزبية ونعم للديمقراطية" جنبا إلى جنب مع صور أمير الجماعة الدكتور عمر عبد الرحمن المعتقل في السجون الأمريكية منذ 18 عاما ومطالب الإفراج عنه والدعوات المنادية بالخلافة الاسلامية !!

طارق الزمر، القيادي بالجماعة، قال في كلمته على المنصة الرئيسية في قلب التحرير أنه مستعد أن يقدم نفسه كشهيد حتى تحقيق أهداف الثورة ومطالبها التي قامت عليها، ودون أن يفرض أحد وصايته على الشعب المصري.

 

الحضور السلفي .. علام يدل؟!!

ثمة ردود أفعال لمستها بنفسي من خلال حديثي مع العديد الحضور بعضهم سلفي الانتماء فيما يتعلق بأداء التيار السلفي خصوصا حزب النور أجمعت على أن الاندفاع والتهور وخلط الملفات والأولويات سيكون هو العامل الحقيقي في فقدان ثقة الجماهير وعزوفهم عنه وليس الإعلام المضاد أو التيارات الليبرالية كما يعتقدون.
التيار السلفي المنخرط في الساحة السياسة ما زال مدمنا للعزلة فدخول الحياة السياسية لا يعني انتهاء حالة العزلة السابقة كما يظن البعض فالخروج من القمقم إلى السطح وإن كان حدثا تاريخيا هاما له تحولاته وتبعاته وتطوراته ومستجداته التي غيرت جذريا في العديد من الأفكار السلفية التي كانت في الماضي ينظر لها كمسلمات لا تقبل النقاش أو المجدالة، فإن أداء عناصر الحزب وقاداته لا مرجعياته على أرض الواقع يدل على حالة من الجهل بأدبيات العمل السياسي، تصر على بين الخلط على المكنونات العقدية والأيدولوجية في العقل السلفي وبين ما يصلح إظهاره في الخطاب العام، فوارد جدا أن أكون مختلفا بشكل جذري بل أحمل ما شاء الله من البغض والكراهية للأطروحة العلمانية أو الاشتراكية لكنني كناشط سياسي إسلامي اعتلي منصة جماهيرية مفتوحة في ميدان يغص بكافة الأطياف من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار يفترض علي أولا أن احترم الآخر من شركاء الوطن وذلك ليس نفاقا أو مجاملة في دين الله ولكنه الواجب الذي يحتمه العقل والدين والواقع فأستطيع أن أدعو إلى ما اريد وأطالب بما أشاء وأحذر مما أرغب في التحذير منه بل حتى أنتقد بقسوة من أراه أهلا لذلك ولكن دون أفسق أو أشكك في وطنية أحد أو أسبه لرأيي في بأنه مارق عن الدين فما ينسحب عليه سينسحب عليك أيضا ولن يسكت أحد عن حقه وهو مدعاة الفتنة الطائفية والرفض المجتمعي.
البرج العاجي الذي وضع فيه السلفيون أنفسهم فيه كونهم يحافظون على الهوية الدينية ويحمون الوطنمن دعاة العلمنة والتغريب هو القمقم السلفي الجديد الذي سيعزلهم عن المجتمع والجماهير والقوى السياسية ويضيق الحلقة عليهم وسيكون سياجهم هذه المرة هو تلك الخطابات الملتهبة المندفعة المتهورة.

إن المتعين على القوى الإسلامية كافة أن تسعى إلى الحفاظ على مكاسبها وتخرج من دائرة الغرور الذي أصابها عقب نتيجة الاستفتاء على الدستور فنحن في عالم متغير والجماهير باتت أكثر وعيا في عصر السماوات المفتوحة، وأن تعمل أكثر مما تتحدث، وأن تضع فقه الأولويات نصب أعينها، وللأسف فالتيار الإسلامي لم يستفد من الحقل الدعوة الذي أمضى العقود الماضية فيه في المجال السياسي فأين التدرج في الأوليات والتي هم من صميم الدعوة؟؟ فرسالة المسلم وأخلاقه لا تنفك بين السياسي والدعوة مهما كان الخصم وتوجهاته.


نقلا عن موقع "مركز الدين والسياسة للدراسات"




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !