مجموعة رسائل وباتجاهات متعددة..كانت هي تلك الكلمات التي اطلقها الامير نايف عبد العزيز ولي العهد ووزير الداخليه السعودي في الندوة الموسعة التي عقدت في الرياض تحت شعار"السلفية منهج شرعي ومطلب وطني"..
رسائل قد تكون اولاها موجهة الى المؤسسة الدينية الوهابية من خلال التنظير لاولية استمرار التمسك بالمنهج السلفي لدى القيادة السعودية والحرص على افتتاح الندوة بالتأكيد على " ان هذه الدولة المباركه (المملكه) قامت على المنهج السلفي السوي منذ تأسيسها على يد الامام محمد بن سعود "مضيفا " ولاتزال الى يومنا هذا ،وهي تعتز بذلك" وهو ما قد يفسر على انه رسالة تطمين لهيئة كبار العلماء المتبرمين من ان يتم تجاوزهم من خلال ما يطرح اعلاميا على انه توجه اصلاحي ملتبس لدى القيادة السعودية في عهد الملك عبدالله بن عبد العزيز..
وقد يكون نفس هذا التوجه الاصلاحي..وتلك الرغبة القديمة في مخاطبة الغرب بلهجة جديدة تتقي شر تقلبات الربيع العربي هو السبب في حرص الامير على ان يستدرك مشيرا الى ان المقصود بالسلفية هي" المنهج السلفي القديم الذي يجمع بين الاصالة والمعاصره، وانها منهج ديني مثلما هو منهج دنيوي يدعو الى الاخذ باسباب الرقي والتقدم والدعوة الى الى التعايش مع الاخرين واحترام حقوقهم"..وقد يكون هذا التعايش هو ما يجب ان نتوقف عنده قليلا..
فعلى الرغم من انه قد لا يكون من اللائق التدخل في النوايا الحقيقية وراء مثل هذه الكلمات ولكنه قد يكون من المفيد ملاحظة ان خارج اسوار القاعة التي تتردد مثل هذه العبارات في اروقتها كان هناك بعض كبار العلماء الامناء على المنهج " الذي يجمع بين الاصالة والمعاصره"يعلنون التضجر العلني من بعض الخطوات "الاصلاحية"الجبارة مثل توظيف النساء في محال بيع المستلزمات النسائيه ويشعلون الحرائق في وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي حول تهنئة "الكفار"باعيادهم..والذين هم من بعض الاخرين الذين تدعو السلفية الى التعايش معهم..
وهنا قد نسأل سمو الامير عن مدى تعلق هذه الممارسات بالفكر السلفي وهل يمكن لنا ان نعزوها الى"الاباطيل والشبهات التي تثار حوله " او انها قد تكون من المفاهيم الخاطئة التي حملت "زورا وكذبا الى المنهج السلفي مثل التكفير والغلو والارهاب"..
وهل انه مما ينزه هذا الفكر هو الممارسة المستدامة للتبرؤ من التصريحات والفتاوى التي تصفع المواطن المسلم روتينيا من قبل اساطين الكهنوت السلفي والرموز التي يعتمد عليها هذا الفكر..وهل من مظاهر" الاخذ باسباب الرقي والتقدم والدعوة الى الى التعايش مع الاخرين واحترام حقوقهم" هوالاستمطار المستمر للعنات من على المنابر للآخر المختلف حتى المتشارك مع السلفي في الايمان بالله ورسوله وكتابه وقبلته..ام ان هناك سلفية وسطية عاقلة ظريفة يدعو اليها سمو الامير وسلفية اخرى منفلتة لا يتمكن من كبح جماحها وهي بالصدفة تدار من كبار علمائه ورجال هيئته وعسس منكره ومعروفه..
ان السلفية –وهنا نقصد الوهابية السياسية حصرا-باعتبارها شكلا من اشكال الايديولوجيا المتكئة على انتقائية محسوبة للنص الديني..وجدت اصلا لضبط مسارب الفقه الديني تجاه شرعنة الحكم وتزويده بخطوط متوالية من المتاريس النصية الماضوية التي تضمن تكفير وزندقة المعارضة السياسية المتوقعة من قبل افراد المجتمع..اي انها ليست اكثر من غطاء ديني زائف لمشروع سياسي ملتبس وتفسير تاريخي واجتماعي مغلق للنص المقدس.. واي من المحاولات الترقيعية التزويقية التي نشهدها من حين لآخر لتلميع وجهها واضفاء بعض الوهج المصطنع على عتمتها العضال لن تقوى على تغيير طبيعتها الخارجة عن العرف وحركة التاريخ..واي محاولة لاصلاح الفكر السلفي –ولو هامشيا-سترتطم مباشرة مع الاستار الكثيفة من الموروث اللفظي والتاريخي الذي تتلفع به وتستتر وتحمي كيانها من خلاله والمتعارض مع اي تعايش او تفهم ممكن مع شرعة ومواثيق حقوق الإنسان التي تتناقض أصلاً مع بنيتهم العقائدية مشكلة هي الأخرى عوائق مهمة لإعادة التأهيل الفكري الذي يتطلب اولا الانفتاح الفكري والنفسي مع الاخر الذي هو لا يعد الا كافر او جاحد او منحرف اوضال عند الفكر السلفي الساكن المطمئن لاجوبته الاحادية الكلية للكون والحياة والتي يعد مجرد التساؤل عنها او محاولة تقديم أي بدائل للفهم تعديا على الدين ومحاربة له..
ليس في هذا تجنيا أو تطاولاً، على السلفية ورموزها البتة..ولكنها الحقيقة التي تأبى الانصياع لكل محاولات التنميق والزركشة التي تفتقر للجدية والحماس –ان لم نقل المصداقية-..فالسلفية اصبحت اسيرة لتفسيرها المغلق للنص المقدس الذي يجعلها في مواجهة مباشرة مع الآخر الذي لا يتموضع ضمن ايديولوجيتهم الا ضمن مواطنة ناقصة يجب ان تعاقب باستمرار على وجودها على قيد الحياة او ان تمتهن اوتستعبد او أن تدفع الجزية، وهي صاغرة.
كما انها سلفية واحدة.. وليست سلفيتين ولا تخرج عن التبعية الذليلة للحكم المستبد ..وهي نفسها التي يزعق مشايخها في مصر بان تزوير الإنتخابات واجب شرعي يثاب المرء عليه.. او يفتي بعضهم في المغرب-وهو تحت سياط السلطان وفي معتقلاته-إنه لا يجوز المطالبة بإسقاط النظام ، وان الوقوف إلى جانب أمير المؤمنين «واجب وطني»..وهي نفسها التي تتباكى على الدين-عندكم وبرعايتكم سمو الامير- اذا وضعت المرأة قدمها على دواسة الوقود..وهي نفس السلفية التي يقتل باسمها الاطفال في اروقة المدن العراقية الآمنة..
ان مشكلة السلفية-ومأساتها- هو عجزها عن تقديم اي صيغة مستنيرة للاسلام لأن ثوابتها الشرعية مستندة الى اسوار عالية من النصوص الملتبسة ما بين التاريخي والمقدس والمراد منها ايصال من نعلم الى سدة الحكم دون النظر الى التفاصيل الاخرى..لذا فان اي محاولة لمواءمة هذا الفكر مع مبادئ حقوق الانسان والمواطنة وحرية المرأة والاعتقاد يتناقض مع المنظومة الفكرية التي يستند عليها ..واي محاولة لتلميع صورة هذا الفكر ..او التخفيف من غلواء التشدد السلفي والحديث عن معاصرة ما قد تكون له لن تعد الا نوعا من المناجاة الاحادية غير المنتجة اوضحكا-وان كان سمجا-على الذقون.
التعليقات (0)