سلطة الفيفا وسطوة السياسة.
السياسة والرياضة. معادلة تحضر باستمرار في عدد من التظاهرات الدولية. و لأن المنافسات الرياضية تحمل بين طياتها روح الإنتماء و الهوية الوطنية، فإن كرة القدم بوصفها الرياضة الأكثر شعبية في العالم تمثل مجالا خصبا لتواتر السياسي و الرياضي.
بمناسبة المونديال الذي يقام هذه الأيام بجنوب إفريقيا، وبعد خروج فرنسا إحدى أكبر القوى الكروية في العالم من الباب الضيق منذ الدور الأول للبطولة، تعالت الأصوات في باريس بضرورة إصلاح ما يمكن إصلاحه حتى لا تتمرغ سمعة فرنسا في التراب. نعم هذه هي سلطة الكرة. ويمكن لهزيمة في مباراة من 90 دقيقة أن تلقي بظلالها على الساحة و تظل لمدة طويلة مادة للنقاش و التحليل بين الرأي العام. و دخول السياسيين على الخط ليس بالأمر الغريب، فالكرة أصبحت قوة لا يستهان بها نظرا لتأثيرها الاجتماعي والاقتصادي الذي تمكن الدولة من جني أرباح مادية ومعنوية كبيرة عندما تنجح المشاريع الكروية وتحضر الفرجة وتتحقق النتائج طبعا. وفرنسا التي فازت بكأس العالم سنة 1998 عندما أقيم على أراضيها تعرف جيدا قيمة كرة القدم. لذلك تحرك السياسيون الفرنسيون بسرعة قياسية منذ أن بدأ الحديث عن تمرد لاعبي المنتخب الفرنسي على مدربهم وامتناعهم عن التمرين تضامنا مع زميلهم المغضوب عليه " نيكولا أنيلكا ". وقد شكلت هذه الواقعة مادة إعلامية احتلت واجهة الأحداث في مختلف وسائل الإعلام العالمية.
صورة فرنسا الدولية إذن هي الهاجس الذي حرك السياسيين للتدخل في شؤون الرياضة. وبعد إقصاء فرنسا من المنافسات وجهت وزيرة الرياضة الفرنسية " روزلين باشلو " انتقادات لاذعة لبعض لاعبي المنتخب الذين وصفتهم ب " المجموعة غير الناضجة ". كما تحدثت عن ضرورة استقالة الإتحاد الفرنسي للعبة برئاسة " جان بيير إسكاليت". غير أن هذه المطالبة لم تكن لتمضي دون ردود فعل. إذ وجهت الفيفا إنذارا للحكومة الفرنسية. حيث صرح الأمين العام للفيفا للصحفيين بهذا الشأن قائلا: " تحدثت إلى مكتب وزيرة الرياضة وأبلغتهم بتوخي الحذر، هناك استقلال للحركة الرياضية ولا يمكن السماح بأي تدخل سياسي فيما حدث". وواضح أن الفيفا لا تتهاون بخصوص ما تراه تدخلا في الشأن الكروي. وهي تضع المسؤولين الفرنسيين أمام الأمر الواقع، و يعلمون أن أي إجراء سياسي يمس استقلالية الرياضة ستكون تبعاته وخيمة. حيث تبدو قرارات الفيفا في هذا الشأن صارمة ونافذة. و الواقع أن الفيفا تمثل السلطة الوحيدة في العالم التي تستطيع أن تروض القرارات السياسية. و قد نجحت في كثير من المرات في فرض إرادتها المستندة إلى القوانين التي تعمل بها بغض النظر عن طبيعة الدولة المعنية بقراراتها.
إن النقاش الحاد الذي تعرفه أروقة السياسة والإعلام في فرنسا حول أزمة الكرة الفرنسية لا يتوقف عند حدود البحث عن استراتيجية جديدة لتطوير اللعبة فحسب، بل يمتد إلى إشكاليات من صميم النسيج الإجتماعي بشكل عام. فقد عرف هذا البلد خلال السنوات الأخيرة نقاشات محمومة حول الهوية الفرنسية في ظل بنية اجتماعية فسيفسائية تجعل فرنسا تجمعا كبيرا يضم إثنيات وأديان مختلفة ومتعددة. و على الرغم من نجاح الفرنسيين في سياسة الإدماج مقارنة بدول أوربية أخرى، فإن تنامي الفكر اليميني المتطرف أصبح يقلق الدوائر السياسية بشكل متزايد. و المنتخب الفرنسي لكرة القدم ليس بمعزل عن هذا النقاش العمومي خصوصا وأن البشرة السوداء تطغى على أفراد المنتخب بشكل ملفت، وتثير حنق وغضب المتطرفين. وفي سنة1998 عندما أحرز رفاق " زين الدين زيدان " كأس العالم و خرج الفرنسيون للإحتفال بهذا الإنجاز الكبير، استهجن " جون ماري لوبين " زعيم الحزب اليميني المتطرف ذلك، معتبرا أن الذين فازوا بالكأس ليسوا فرنسيين، في إشارة إلى الأصول الإفريقية لأغلب لاعبي المنتخب... ويبدو أن النقاش يعود اليوم بنفس الأدوات و الكلمات أيضا. وواقعة طرد " أنيلكا "( وهو من أصول إفريقية ) من المعسكر الفرنسي بسبب خلافات مع مدرب الفريق أعاد إلى الواجهة مسألة الإندماج و معها أسئلة الهوية الفرنسية.
و لئن كان هذا النقاش المفتوح يتعلق بخصوصيات فرنسية خالصة، فإن الفيفا تدرك جيدا أن لعبة السياسة يمكن أن تنتهك أجواء الرياضة وتلوثها، لذلك اختارت أن تشهر ورقتها الإنذارية حتى لا تتحول كرة القدم إلى مجرد لعبة في مزادات السياسة. محمد مغوتي.28/06/2010.
التعليقات (0)