مواضيع اليوم

سلطات ثلاث والى جانبها رابعة

د.هايل نصر

2009-05-31 22:19:29

0

كأنّ العدد مكتمل. والاستقلال قائم. والفصل بينها لا تشوبه شائبة: سلطة تشريعية لا تعتدي على غيرها, وبنفسها تقوم بواجباتها وكافة مهامها دون تدخل من احد. وقضائية هي فم القانون دون غيره, لا تعتدي على غيرها, و لا يعتدي غيرها عليها أو يتدخل في شؤونها. وتنفيذية تنفذ القوانين وتدير الشؤون بإرادة داخلية فقط, فمصلحة الدولة والمجتمع فوق مصالح أفرداها. والى جانب هذه السلطات الثلاث تقوم ــ على أرجل خشبية ــ سلطة رابعة مستقلة هي أيضا تمام الاستقلال وحرة. تراقب نشاطات وحركات الجميع, وتنقل للمواطن كل صحيح الأخبار بأمانة ودقة ومهنية عالية, وتطلعه على التجاوزات والمخالفات والانتهاكات, وتحارب الفساد بالبحث النزيه والجريء عن مصادره. وتتعمد الشفافية. إنها الصحافة. الصحافة العربية !!. السلطة الرابعة !!. (أو كما تلقب في بعض بلدان الغير بصاحبة الجلالة)
فيض السلطات هذا موجود في غالبية منطقتنا العربية, لا ينقص شيء إلا رضاء وأوامر وتوجيهات ورعاية ومباركة الرئيس أو الملك أو الأمير, أو من يفوضوه تفويضا رسميا, أو من يعدوه إعدادا وراثيا, ليكون كل شيء على ما يرام وتستقيم الأمور.
فبدقة وطاعة واحترام, يصل إلى التقديس, تنفذ الأوامر والتوجيهات .. وتتعايش السلطات, مضافا إليها الرابعة, بمحبة وتنسيق وانسجام تام فيما بينها وعلى مبدأ (مرر لي امرر لك), وكأنها سلطة واحدة وقلب واحد ورجل واحد. وتتعاهد على مرضاة الزعيم وعدم إغضاب وجهه الكريم, وإمعانا في الإكرام والوفاء, وتكريسا للبقاء, وبراحة ضمير, تُعدّل الدساتير للتطابق مع الرغبات ومشاريع القوانين, فهو رأس السلطة التنفيذية , و رأس كل السلطات التي لا تستقيم إلا برأسه, بما فيها الرابعة.
أردنا, عزيزي المواطن, هذه الإضافة تعقيبا على مقالنا السابق "في السلطة القضائية و فصل السلطات " الذي لم نشر فيه إلى الرابعة عندنا, وحتى لا تثور هذه الأخيرة وتتهم كل مهمل لشانها أو مقلل منه, فتشهّر به, وهي صاحبة اللسان السليط والقلم الاحدّ وقعه من السيف على رقاب الضعفاء وعلى أعداء السلطان.. فالناطق باسم السلطان, والمُسخّر له كتابة وقولا لتثبيت السلطنة, اشد أذى من هذا الأخير نفسه. لعله سر المهنة ودوام نجاحها !!!.
وأردناها ( الإضافة ) أيضا, تأييدا لإصرار وزير إعلام عربي على وجود هذه «السلطة" في عالمنا العربي ـ المكتوي بنار السلطات ــ ودورها غير المشكوك فيه من أحد في مشارق أرضنا ومغاربها.
ومع أن في غالبية هذا الوطن الممتد من المحيط إلى الخليج, وعند المواطن المسالم, يختلط مفهوم السلطات, فهو لا يعلم عنها شيئا. قد يذكره بها انتخاب أو مسيرة أو استفتاء, أو صور معلقة على الجدران, أو على صفحات الجرائد مبتسمة في كل الظروف والأحوال, صور لم تتبدل منذ عقود, رآها في صباها ورآها في كهولتها, ويراها في شيخوختها من كتبت لهم طول الأعمار من المواطنين و واكبوا مسيرتها النضالية المجيدة .
السلطة الحقيقية التي يعرفها حق المعرفة هذا المواطن ــ المسالم إلى درجة الوداعة, والى الدرجات الدنيا من القناعة ــ ليست السلطات الثلاث المضاف إليها الرابعة, وإنما هو رجل المخابرات, الضارب فورا وقبل التفكير والاستفسار, والمرسل ضحايا إلى العالم الآخر أو الزنازين أو المهاجر. والشرطي. والحزبي المتقد حماسا والمستمد شرعيته من وطنيته وتفانيه في خدمة الوطن والأمة. والمتنفذ الجديد. وصاحب الثروات التي لم تعد تستطيع " أكلها النيران", ولا يطالها أو يحدها قانون أو فرمان. والموظف المرتشي. والسماسرة بأنواعهم. و حتى بعض المخاتير والعمد. كل هؤلاء سلطات أو سلطة مندمجة , فالسلطة هي التسلط على رقاب المستضعفين من العباد. هي الرعب.
نعم عزيزي المواطن هناك في أماكن كثيرة في هذا العالم صحافة تسمو, أو تحاول السمو إلى مكانة السلطة, تخشاها السلطات الأخرى المشار إليها, ويحسب لها ألف حساب كل من يتجاوز صلاحياته, لتعدد وسائلها وحماية القانون لها وللعاملين فيها. وان كانت ليست حرة كامل الحرية أو مستقلة كل الاستقلال, فان كثرتها وتعدد أنواعها وتوجهاتها, وعكسها لغالبية آراء المجتمع, تضع بين يدي المواطن وأمام عينيه ما يحترم عقله ويحترم إنسانيته. تطرح أمامه ليس فقط الاتجاه المعاكس ــ المطارد عندنا حتى عند إجازته, و"الرأي الآخر" المعبر عنه بطريقة صراع الديكة على محطاتنا الفضائية وبإدارة بهلوانية رغم فرط المهنية والحيادية!! ــ وإنما كل الآراء والأفكار وما أكثر توجهاتها, وما اغني محتوياتها, وما ارقي غالبية طرحها. غنية غنى الإنسان بما حمله عبر تاريخيه منذ التكوين الأول والى قرننا الواحد والعشرين, مضافا إليها تطلعات وأمال المستقبل.
ليس هدفنا هنا التعرض للصحافة تاريخا, ومهاما, وتنظيما, و أدبيات, ونضال من اجل حرياتها واستقلالها, وقد نعود في مقالة قادمة, متواضعة ككل كتاباتنا السابقة, لبعض هذا.
لا يستمد الصحفي, رجل "السلطة الرابعة", مشروعيته من الشهادة التي يحمل, أو المسابقة المنظمة بمعايير معينة لاجتيازها, فهذه للتكوين المهني والإعداد للاضطلاع بمهام المهنة. ولا ممن يقف وراءه أو أمامه. وهو ليس منتخب من الشعب ليمثله. وليس موظفا حكوميا أو إداريا لينفذ أوامر الحكومة والإدارة وينطق باسمها. ولا مدع عام يترافع باسم المجتمع أمام المحاكم بأنواعها ويحرك الدعاوى, ولا قاض يصدر الأحكام واجبة التنفيذ, ولا محام دفاع عن قضايا موكليه في تلك المحاكم, ولا يملك سلطة دينية أو توجيهية. وإنما يستمد مشروعية مهامه, أولا وقبل كل شيء, من حقه المضمون له بالدستور, والمنظم والمحمي بالقانون والأنظمة, والتنظيمات النقابية, والرأي العام, وما تقره الأعراف والقيم الديمقراطية: حق القول. وحرية التفكير والتعبير بكل الوسائل.
ومن المفيد الإشارة هنا لبعض الدساتير الغربية التي أدرجت في نصوصها حرية التعبير بأشكاله المتنوعة, ومنها الصحافة.
فالدستور الألماني, في مادته الخامسة بعنوان حرية الرأي, ينص على إن "لكل شخص الحق في التعبير ونشر أرائه قولا وكتابة وبالصورة. والاطلاع دون عوائق على المصادر الموضوعة تحت تصرف الجميع. حرية الصحافة وحرية الإعلام بالراديو والتلفيزيون والسينما مضمونة, ودون رقابة. 2. القيود الواقعة على هذه الحقوق محددة في النصوص القانونية العامة, وفي الأحكام المتعلقة بحماية الشباب وحق احترام الشرف والكرامة ".
و تنص المادة 20 من الدستور الاسباني على " الاعتراف والحماية لحق: أـ التعبير بحرية عن الأفكار والآراء ونشرها بالقول أو الكتابة, وبكل الوسائل المناسبة. ب. الإنتاج والإبداع الأدبي والفني والعلمي والتقني. ج. التعليم. د. إرسال أو استقبال الأخبار الصحيحة بكل الوسائل وبكامل الحرية.
والمادة 21 من الدستور الايطالي تنص على إن لكل شخص الحق في التعبير بحرية عن أفكاره بالقول والكتابة وكل الوسائل الأخرى للنشر. لا تخضع الأفكار للترخيص أو للمنع. لا يمكن حجز مطبوعة إلا بإجراء صادر عن السلطة القضائية في حالة الجريمة .."
تنص المادة 11 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن للثورة الفرنسية لعام 1789على أن "حرية اتصال الأفكار والآراء حق من حقوق الإنسان وهو الحق الأكثر سموا: لكل مواطن حق الكلام والتعبير والطباعة بحرية مع عدم تجاوز هذه الحريات في الحالات التي يحددها القانون". وقد اخذ دستور الجمهورية الخامسة لعام 1958 الساري المفعول إلى اليوم, هذه المادة مع جميع مواد الإعلان المذكور ومقدمة دستور عام 1946 , ليعتبرها جزء منه.
الحرية المشار إليها أعلاه في النصوص الدستورية لا تقتصر على هذه الدساتير الغربية ولا على المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية, وإنما نصت عليها بعض الدساتير العربية أيضا وببلاغة أقوى, رغم تجريم الصحفي وسجنه وتغريمه لمجرد نشر نبأ أو تحليل يقترب, أو يُعتقد أنه يقترب, من الذات الحاكمة بأمرها.
واحتراما لمعنى الدستور وسموه, واحتراما لذاكرة وعقل المواطن العربي, واحتراما لأنفسنا, رأينا أن لا ضرورة للإشارة لمثل هذه "الحريات" الصحفية والأساسية, "المصمودة" في تلك الدساتير, بجمود جبال الجليد.
السلطة الرابعة تسمية, فيها تجاوز بطبيعة الحال للمفهوم المعترف به للسلطات الثلاث, تطلق عادة, على وسائل الإعلام عموما وعلى الصحافة le journalisme بشكل خاص.
أصبح الإعلام احد امتدادات السلطة ومن ووجوهها. والصحفيون, بالمعنى الواسع, الذين ينتجون هذا الإعلام يُنظر إليهم على أنهم يملكون بعض مظاهر السلطة, وأنهم ينحون باتجاه تكوين سلطة كاملة وحقيقية. يساعدهم في ذلك التطور الهائل للوسائل التقنية القوية التي يملكونها, أو الموضوعة تحت تصرفهم, والمعروفة بقدرتها على التأثير وحتى التوجيه. فهم لا ينقلون دائما الأحداث مثلما هي, وإنما كما يرونها ويريدون إيصالها للآخرين. ومن هنا يسعى السياسيون, والاقتصاديون, ورجال الأعمال, والشركات والمشاريع, للوصول إليهم ونيل الحظوة لديهم. فهم حاضرون يوميا في كل مكان, ويدخلون البيوت دون استئذان. ويحاول الإعلام, ميديا, أن يكون وسيلة النقل لمختلف السلطات.
ولكن التوجه عند البعض من الإعلاميين هو الامتناع عن قبول الدور الذي يعطيهم الشعور بتقاسم السلطة مع أصحاب السلطات. لان قوتهم تكمن في كونهم ممثلي المواطنين, ليس بطريقة التمثيل البرلماني بطبيعة الحال. هنا فقط يمكنهم اخذ مكان السلطة الموازنة.
تسعى الصحافة لتكون حرة ومستقلة, وهذا ما طالبت به منذ نشوئها والى اليوم. ومع ذلك من الصعب جدا قبول أنها وصلت في أي مكان إلى هذا المطلب. فالمكاسب التي حققتها بهذا الصدد ليست ثابتة ولا نهائية, ومتغيرة من يوم لآخر ومن بلد لآخر, والحديث هنا عن البلدان الديمقراطية.
تترتب على أعمال الصحفيين المهنية المسؤولية الدائمة عنها. فالمهنة منظمة بنصوص تبينها أدبياتها وتحددها. فقد ورد , على سبيل المثال, في ميثاق الواجبات المهنية la déontologie للصحفيين الفرنسيين ما يلي.
الصحافي الجدير بهذا الاسم يتحمل مسؤولية كل ما يكتبه :
ـ يعتبر خطأ مهنيا فادحا: الاتهام دون أدلة. الوشاية. إتلاف أو تزوير الوثائق. تحريف الوقائع. والكذب.
ـ على الصحفي أن يكون سيدا في مجال الشرف المهني.
ـ الامتناع عن استخدام لقبه أو صفته للحصول بوسائل غير ملائمة على معلومات, أو استغلال حسن نوايا الآخرين.
ـ أن لا يستلم أية أموال من المصالح العامة, أو الشركات الخاصة, لقاء استغلال نفوذه وعلاقاته كصحفي.
ـ أن لا يوقع بصفته صحفي أية مواد أو إعلانات تجارية أو مالية.
...
ـ أن يحفظ السر المهني.
أن لا يستخدم الحرية الصحافية لأغراض تصب في منفعته الشخصية.
...
أن لا يخلط بين دوره ودور الشرطي.
كما نرى من المفيد الإشارة لميثاق الصحفيين العرب الذي اقره مؤتمرهم العاشر المنعقد بالقاهرة في الفترة من 2 إلى 5 تشرين أول/أكتوبر 2004, و المعنون: "عهد والتزام دفاعا عن الديمقراطية وحرية الصحافة" لما فيه من مفاهيم تتعلق بمهنة الصحافة:
" الصحفيون العرب جنود الحرية, دعاة الديمقراطية, حماة التقدم, وطلائع الإصلاح الوطني والقومي الحقيقي. يعلنون بمناسبة اجتماعهم في المؤتمر العاشر لاتحادهم بالقاهرة أكتوبر 2004 واحتفالا بمرور أربعين عاما على تأسيس اتحاد الصحافيين العرب, هذا العهد والميثاق والالتزام, الذي يترجم حقيقة موقفهم الواضح من الدفاع الصلب, عن حق الشعب العربي في كل أقطاره في الحرية والاستقلال والسيادة, وممارسة الديمقراطية السليمة, وحق الصحافة العربية بكل انتماءاتها في الحرية والمسؤولية, دون قيود أو ضغوط, اللهم إلا قيود الضمير المهني وسلطة القانون العادل والقضاء النزيه.." .
لا نريد نقد ميثاق الصحفيين هذا, ولن نحاول أن نبحث عما إذا كان هو الميثاق الأخير من نوعه إلى يومنا هذا أم أعقبته مواثيق وعهود أخري تحمل متغيرات على مضمونه. ومع ذلك تبرز بعض الملاحظات التي تفرض نفسها: أليس في إشارة المؤتمرين إلى أنهم يحتفلون بمرور 40 عاما على التأسيس ما يبين ثبات واستقرار أمور الصحافة والصحافيين, وبالتالي هل النتيجة النضالية المتكدسة والمتراكمة عبر الأعوام الأربعين, والتي يراها جليا ويرثي لها المواطن العربي أينما كان, تستحق الاحتفال والإشادة بها؟.
ألا تُذكّر مقدمة الميثاق بالبيانات رقم واحد للانقلابات العسكرية. وبيانات القيادات الحزبية, وشعارات المسيرات المليونية, والمهرجانات الخطابية في احتفالات الانتصارات العربية القطرية والقومية, باستخدامها نفس الألفاظ المرافقة أصحابها منذ 40 سنة أو يزيد: جنود. دعاة. حماة. طلائع. دفاع مبدئي صلب ..
ويشدد البيان على إن الصحافيين العرب:
"1: يؤمنون:
1ـ إن الحرية حق طبيعي عام لكل الشعوب والأفراد دون تفرقة, في ظل دولة القانون والدستور والمؤسسات, وبتطبيق الآليات الديمقراطية السليمة, التي تكفل لكل مواطن حقه الطبيعي في المساواة والعدل الاجتماعي, والتعبير عن رأيه بكل الطرق المشروعة, والمشاركة في صنع القرارات وتشكيل السياسات, وانتخاب القيادات دون ضغط أو إكراه, في ظل وطن حر مستقل يمارس سيادته الكاملة على أرضه.
2ـ إن حرية الصحافة والرأي والتعبير, هي عصب الحريات العامة, ومكونها الرئيسي, وهي حق لكل مواطن, وليست حكرا فئويا أو امتيازا خاصا للصحفيين والكتاب, لكنها امتياز لكل فئات المجتمع وأفراده, الأمر الذي يقتضي إحاطتها بسياج خاص من الضمانات الشرعية والدستورية.
...."
كل هذا يدخل عند المؤتمرين في باب الإيمان, "يؤمنون" ولا يستوي المؤمن مع غير المؤمن, أما الأفعال فليست بالضرورة مرتبطة بالإيمان أو تسير على هديه..
"ثانيا: يطلبون
1ـ إطلاق الحريات العامة في المجتمعات العربية كافة, وإلغاء حالات الطوارئ والقوانين والمحاكم الاستثنائية, وإجراء تعديلات وإصلاحات سياسية ودستورية وقانونية جذرية, وإطلاق سراح المعتقلين وسجناء الرأي, والالتزام بمبدأ التعددية وحرية تشكيل الأحزاب والمنظمات الجماهيرية, وضمان تداول السلطة عبر انتخابات نظيفة على كل المستويات, في إطار إصلاح ديمقراطي شامل, يتناول الجوانب السياسية والقانونية, والاقتصادية, والاجتماعية, والثقافة الإعلامية, ويرسخ دولة القانون والمؤسسات, ويكفل الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية, ويشجع المجتمع المدني بكل تنظيماته على المشاركة في إدارة المجتمعات.
2ـ إطلاق حرية الصحافة والرأي والتعبير والإبداع بكل أشكالها وصورها, وتقنين ضمانها, وحماية أمن واستقرار وحرية الصحفيين في أداء عملهم, وإطلاق حرية إصدار الصحف وشبكات الإذاعة والتلفزيون والانترنت, وتحرير وسائل الإعلام من الهيمنة الحكومية, وضمان استقلالية العمل الصحفي والإعلامي, في ظل القانون العادل والقضاء المستقل النزيه والأداء المهني الراقي".
...
هذا ما يطلبه المؤتمرون,"يطلبون" ولكن ممن وكيف؟ لا يشيرون إلى ذلك بشجاعة "الجندي" أو "دعاة الحرية" و"حماة التقدم وطلائع, الإصلاح..". وكل الألقاب والصفات التي نسبوها لأنفسهم في هذا الميثاق والعهد, مقتنعين تمام الاقتناع بها, ويردون ذلك من الغير.
ومع ذلك:
ـ لا أحد يعلم أن الصحافيين العرب ناضلوا يوما نضالا حقيقيا من اجل "الديمقراطية التي هم دعاتها" ولا من أجل "الحرية التي هم جنودها" كما يعلنون في مقدمة ميثاقهم. ولا عن حق الشعب العربي ــ الذي يريدونه شعبا واحدا وليس شعوبا عربية ــ في أقطاره.
ـ لا احد يعلم إنهم كفوا يوما عن تسويق سياسات الأنظمة العربية الدكتاتورية والشمولية والعشائرية والقبلية, المعادية للحريات العامة والشخصية وحقوق الإنسان. أو توقفوا عن الإشادة والمديح والتبرير لكل ما ارتكبته وترتكبه هذه الأنظمة بحق شعوبها.
ـ لا أحد يعلم أنهم طالبوا يوما بشكل صريح وبمواقف ثابتة, وعلى امتداد الأربعين عاما المذكورة من عمر نضالهم, برفع حالات الطوارئ والأحكام العرفية القائمة طيلة تلك العقود.أو أشاروا إلى أن ذلك قد يؤثر على السير الحسن لمهنتهم.
ـ لا أحد يعلم إنهم ساندوا معتقلي الرأي في السجون العربية, أو استنكروا القمع والتعذيب وهدر كرامة الإنسان.
ـ لا أحد يعلم إنهم أشاروا إلى المراكز الحقيقية للفساد والإفساد في بلدان هم إعلاميوها.
ـ لا أحد يعلم إنهم ساندوا علنا وبصلابة مواقف بعض زملاء لهم من أصحاب المواقف المشرفة ممن يتعرضون للملاحقة والتوقيف, والمنع من النشر.
ـ لا أحد سمع يوما عن إضراب أو احتجاج لهم, حتى ولو لأمور مهنية صرفة, أو أية مواقف تعيد إليهم بعض المصداقية لدى القراء.
ـ لا احد يعلم بأنهم استنكروا الرقابة الخانقة لكل ما يُنشر, حتى ولو كانت موثوقة ككتاباتهم المصنفة في باب المدائح. ولا احتجوا على حجب المواقع الالكترونية, وتوعد كتابها بالويل والثبور وسوء المصير.
ـ لا احد يعلم إنهم ذكّروا بحق المواطن بالوصول إلى المعلومة الصحيحة والخبر الصادق. وبأن لا يُعتبر هذا الأخير قاصرا, و تجب الوصاية على فكرة و الحماية لعقلة.
ـ ولكن الكل يعلم أنهم يجندون أنفسهم وكل قواهم كجنود حققيين لمهاجمة بعضهم بعضا عبر الحدود العربية ـ العربية , وبكل الوسائل وبأرقى الأساليب والعبارات, إذا ما نشب نزاع وتحركت الثارات التي لا تنتهي بين حكام دولهم. والتشهير بمواطنيهم وتخوين كل معارض حتى ولو كان زميلا صحفيا.
وبناء على ما تقدم, ليس في وارد أو طموح الصحافة العربية المستقرة على ما هي عليه, والراضية بما ألت إليه ــ في عالم متغير ودائم التطورــ, السعي لتكوين سلطة رابعة إلى جانب سلطات ثلاث عتيدة ليست هي نفسها في مكان تحسد عليه ولا تملك من المكان وفيه إلا وثير مقاعده.
د. هايل نصر.


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات