سلة المهملات
يا أيها العالم مهلا، أنا اليوم أفهمك، فللإنسان لغته و خصائصه و مميزاته، التي تجتمع لتجعل منه مخلوقا قادرا على أن يكون إنسانا، لأنه تعلق بما حوله من الأفراد، و منه جاءت كل العبارات و الصفات التي تدل على أن هذا البشر ضعيف و قوي، صادق و كاذب، و إنها لتصنع له محيطه ذا المكان و الزمان المميزان جدا. و بين كل هذا يظهر الإنسان.
لو سألني أي بشريّ: أ أنت إنسان؟ فإنني سأجيبه: لا أعرف، فربما أكون قردا دون أن أدري! فالسؤال غير مفهوم، و الجواب هو ضائع بين الضائعات من الكلمات، و على هذا كانت الردود، و من هذه الرحم ولد الاختلاف، و عاش البشر بائسين، خاملين أو عاملين، فالشقاء لا يفرق بين بني آدم إلا في الحدة و المورد لأنها صلة الإنسان بالإنسان و بالإنسانية.
إنّ أكثر ما يجعل قلبي ينزف، هو وقوفي على تشتت الأفكار، و قد يكتشف هنا أحد الأذكياء! فيسألني لما تذكر القلب، و الأفكار منشؤها العقل؟ و أجيبه أنا: نعم هذا صحيح، و لكنّ القلب له أفكاره أيضا، فهي ليست من طينة الأفكار العقلية، لكنها أفكار قاتلة لصاحبها، إن هو لم ينتبه، و أبقاها بلا تمييز، و هنا فاليفهم الفاهمون كما شاؤوا لأنّ القيصر يبقى قيصرا، حتى و لو تحطمت عروقه من شدة نبض قلبه الكبير.
و عليه، فتلك الأفكار تكمن ضراوتها في أنها تجعل الإنسان فاترا، مهزوزا، يأخذ بأيدي من قادته أفكاره إليهم، حتى و لو كانوا لا يستحقون عطفه، و لا يتركون في نفسيته سوى التعكير لمزاجه باستمرار، فهذا ما تعود الزمن عليه، و انتقل إلى الإنسان عبر أشباه الإنسانية، أو لنقول بصراحة: "إنها الإنسانية المزيفة، التي حاربت الإنسانية الصادقة و الصحيحة".
إنه عالم الإنسان من حيث المشاعر المتعلقة بالفرد و ما يحيط به من أفراد يريدهم و لا يريدونه، يحبهم و لا يحبونه، يقدم لهم كل شيئ، و لا يقدمون إليه أيّ شيئ، هكذا همس الزمن في مصير البشر.
فلقد اعتدنا انّ لكل قصة نهاية، و أظنها أنها بداية النهاية لقصة نسجت خيوطها وحدي، و بمفردي، و عليه ما جنيته من أشواك الورود هي ملكي وحدي، تتلذذ هي بفتح الجروح في قلبي، و أصرخ أنا كلما اقتربت مني أو ابتعدت، لأنّ حركتها، هي التي تزيد ألمي، و لكنه نعم الألم إن كان مما حصده البشر، بعد البذور التي نثرها نفس البشر.
لكن القيصر له رأي آخر، و هو أن الأشواك قد تصنع منظرا مؤلما، لكنه من المناظر الجميلة حقا، فلون الدماء، و شكل الجروح، و نغمات الصراخ من الألم، هي كلها مشاهد من أولكسترا رائعة، و نافعة، لمن لم يقدر خطواته جيدا، و لم يكن شريرا في أحيان و على فترات من الزمن، و هي بلغة الموت هذه تلازم الأحياء حتى في بكائهم، لأنها نوع من سد الفراغ، بين ما تمناه الفرد، و الذي لم يحدث، و ما لم يتمناه البشر و الذي قد حدث و أصبح واقعا ملموسا و حقيقة قائمة بذاتها، فشكرا لك أيها القيصر، و لك مني كامل الحب و الولاء، شكرا.
السيّد: مــــزوار محمد سعيد
التعليقات (0)