"لا يقاس مجتمع ما بما يملك من أشياء، بل بما يملك من أفكار"
المفكر الجزائري مالك بن نبي
إن أعظم أنواع الإرهاب هو الاحتلال الذي يعمل على مصادرة الأرض،والمساومة على العرض. فمصادرة الأرض واحتلالها لا يتحقق إلا عبر المساومة على العرض، والمدخل الرئيس للمساومة في العرض هو الثقافة، والثقافة التي نعنيها ليست ثقافة النخبة دائما la culture savante، ولكن ثقافة الجماهير تحديدا la culture des masses، فلما احتلت أراضينا في القرن الفائت كان المواطن المسلم يدافع بما يملكه من متاع الحياة الدنيا مستندا على ثقافة جماهيرية متأصلة فيه مستندة على أفكار فطرية les idées innées التي فطرنا الله عليها وهي الإسلام ولاشك، قد يخطئ المواطن المقاوم في تمثله لثقافته الأصيلة، ولكن نيته تشفع له ذلك ما دام هدفه هو المقاومة عن طريق قومة دينية ترنو إلى تحقيق القيم الإنسانية الحقة، وهي صون العرض وتحرير الأرض.
في هذا الصدد يحكي الفنان المبدع العربي باطما يرحمه الله، وهو أحد أركان مجموعة ناس الغيوان كما نعلم، في "الرحيل" الكتاب الأول من السيرة الذاتية، ص ص: 11-12 عن المؤخرة كسلاح لمقاومة المستعمر الفرنسي لقبيلته/بلده، فيقول" ومن جملة هاته الأشياء التي كانت تثير غيظ أهلي ضد جيوش الاستعمار، هو أنه في يوم كنت أنا وأمي وأخي الصغير والشهباء في طريقنا إلى القشلة....صادفتنا شاحنات تحمل عساكر فرنسية، ولما رأونا، وبالأخص المرأتين بدؤوا يتصايحون ويخرجون ذكورهم ويوحون بحركات جنسية...فانحنت الشهباء لهم، وأبانت عن مؤخرتها، وهي تقول : ها ما تسواوْو..!! وهذا دليل من البدويات على الاحتقار ...فعندما تنحني البدوية وتبين عن مؤخرتها وتقول تلك الكلمة، فذلك يعد احتقارا للآخر..لكن الفرنسيين ازدادوا صفيرهم وصياحهم....كم كرهت الجنود الفرنسيين ساعتها، فكنت كلما مرت قافلة عسكرية أرميها بالحجارة، وأنحني وأقابلهم بمؤخرتي، وأقول: (ها ما تسواو...!!) بينما أمي تضحك من صنيعي. وهكذا إلى أن رمانا جندي بعلبة تون فارغة ورفع يده مهددا...خافت أمي ونهتني عن ذلك، وحملت الشهباء علبة التون وأخذت تلحسها، قمت أنا كذلك بنفس الشيء فنهرتنا أمي وأخذت العلبة وهي تقول: هاذ راه الحلوف..هذا راه حرام".
فمقاومة الشهباء، وهي فتاة بلهاء كانت تقيم مع أسرة باطما، لجنود المستعمر كانت مقاومة "ثقافية" لها دلالة عميقة في وجدان الإنسان المغربي يومئذ، وهي رفض الخضوع لإرهاب الاحتلال المتجسد في بطشه العسكري المتفوق، ولم تكن حركاتها تعني الاستسلام للعدو الكافر، بتعبير الحركة الوطنية يومذاك، هي القبول بالمعاشرة الجنسية مع الأجنبي كما هو الحال عليه في يومنا هذا. بل كانت حركاتها دليلا على احتقار المستعمر وجنوده !!
وأما في عصرنا ،الآن، غدا الإسلام مرادفا الإرهاب، وأن الاحتلال المباشر للأرض خرج وبقي احتلال العرض عبر سيادة الاستعمار الثقافي الذي يستنسر علينا في الإعلام الرسمي الذي يموله الشعب المسلم من جيبه.
مناسبة هذا الكلام هو ما نلحظه في الإعلام الرسمي المغربي بشكل عام، والدوزيم بشكل خاص، في جميع برامجها التافهة ولا سيما في برنامج "استوديو دوزيم" الذي "تشرفت" أن أرى حلقته الأخيرة، برنامج يسعى إلى "قحبنة" المجتمع Prostitution من أجل إشاعة الفساد من أموال المجتمع المسلم الذي يغار على عرضه، ويخشى على ذويه وأهله من حمى الذوبان في أتون الجريمة كما تابعنا في الصحافة عن إحدى خريجات هذه المدرسة(=استوديو دوزيم) في مراكش التي تحولت إلى راقصة ومقاولة في تجارة الجنس في عاصمة يوسف بن تاشفين رضي الله عنه.
إن الرائي للحلقة الأخيرة من البرنامج المذكور، سيتأكد أن عرض وشرف الأمة المنتهكة حرماتها أمام الأعداء هي المستهدف الأول، لأن النتيجة لهذه الجريمة ستكون على شكل المعادلة التالية: من كان منخورا داخليا ولا يغار على شرف أسرته، أكيد أنه لا يستطيع أن يغار على شرف أمته!!
ومن يرى فتيات في عمر الزهور يتلوين ويتولين عن آخر ما تبقى في الإنسان وهو الشرف، فلا يمكن إلا أن يطرح أسئلة من أجل معرفة ماجريات التي تتعارض مع المشروع المجتمعي الحقيقي الذي نحن في أمس الحاجة إليه : هل نعاني من ندرة في المغنيات والراقصات في الكابريهات؟ هل أولوياتنا هي إنتاج كميات من العاهرات اللواتي يولين وجوههن صوب المشرق العربي؟ وما هي أهداف هذي البرامج تحديدا ؟ أو ليست هي وسائل من أجل تفكيك المجتمع وتدمير ثقافته الأصيلة؟ ولحساب من يتم هذا التفكيك والتدمير يا ترى؟ ...هي أسئلة تبادرت إلى ذهني وأنا أتابع هذا البرنامج الذي تبدر فيه أموال الأمة في إنتاج التفاهات.
إن هذا البرنامج وغيره من البرامج التي نراها في قناة "روتانا" وأخواتها تسعى إلى محاربة الإرهاب بالمصطلح الغربي، والإرهاب هنا المقصود هو المحافظة على القيم الأخلاقية والروحية وتنميتها في مؤسسات المجتمع من الأسرة إلى المدرسة والإعلام و كذا مؤسسات المجتمع المدني، وبما أن هذه القيم هي من يحفظ للإنسان المسلم مناعته المتأصلة في الإسلام، فان المستهدف، هنا، هو الإسلام تحديدا، ولذا تغدو "المؤخرة" كسلاح لمحاربة الإرهاب بالمفهوم الغربي الذي هو الإسلام، والنتيجة هي أننا لا زلنا نعيش استعمارا ثقافيا هو أكثر إرهابا من الاستعمار المباشر الذي خرج قبل خمسين سنة ونيف !!
يحز في النفس، باسم الحداثة والتنوير، بل التزوير هذا هو المصطلح الأصح، أن نرى فتيات مواطنات في عمر الزهور يتعرضن إلى التشييئ chosification، أي يتحولن إلى شيء للاستهلاك وحسب، ولما يؤكل لحمهن وتنهش أجسادهن، وتمص عظامهن يصبحن غير صالحات Périméesفترفضهن ثقافة المجتمع!!
خاطئ، بل مذنب في حق شعبه وأمته، من يدعي ويزعم لنفسه الأمارة بالسوء أنه يروج للحداثة المعطوبة بتعبير برهان غليون، والتي لم تتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود فيما يتعلق بعلاقة الحداثة بالاستعمار. لذلك ليس غريبا أن يتباكى الكثير من مثقفي "المارينز" بعد احتلال عاصمة الرشيد عام 2003 من قبل الاستعمار الأمريكي والبريطاني على الدور التحديثي الذي لعبه الاستعمار، وراح البعض منهم يتحدث عن " القابلية للاستعمار" بتعبير مالك بن نبي الذي دفعتنا إلى أعتاب النهضة، ودليلهم هو أن دولة ما بعد الاستقلال خانت الميراث الوطني كما يروجون !!
خاطئ من يعتبر أن الحداثة المبنية على ثقافة الاستهلاك والجشع هي البديل الوحيد للخروج من المأزق الحضاري الذي نحياه، وخاطئ من يتخذ من المؤخرة سلاحا لمحاربة القيم الأخلاقية والروحية للمجتمع. ذلك أني أعتقد اعتقادا جازما أنهم يلعبون لعبة جد خطرة، لأن " الشاذ" لا يلغي "القاعدة" بل يعززها ويقويها !!
..........................
واترك العربي باطما، يرحمه الله ليختم هذا المقال....
تفضل أ با عروب :
"...وسرت في طريق الغواني أغني... لم أجد إلا البيع والشراء... فبعت الهوى في محافل الرذيلة ... وما كان الهوى إلا تجارة...فأكثر الفاتنات تافهات، وجمال غافل.. وما أقل العقل المنبه...
فالحب ذل في شرعهن...ولا دليل على ما قلته... كلام، قالته لي قوادة، في يوم كنت بمدينة أكادير... ولا أدري لم أخطه اليوم" !!
التعليقات (0)