ما سبق ليس شعرا ولا نثرا، بل هي أولى الكلمات التي تطرأ على بالي كلما قرأت نبأ ترنح مكتبة تحت وطأة العسر المالي أو تحول دار نشر لمحل يبيع الجواتي أكرمكم الله
لدي تقليد في اقتناء الكتب من الكويت أمارسه وحدي على الأغلب كل أسبوعين وأحيانا كل شهر، وهو الذهاب إلى مكتبة دار العروبة في منطقة حولي، وبعد الانتهاء منها أعرج على مكتبة العجيري لأواصل عملية الحفر والبحث عن الكتب الجديدة، وتفحص ما فاتني في الزيارة السابقة، وفي الموعد التالي أقوم بتغيير الوجهة إلى دار قرطاس في السوق الداخلي، وفي نهاية العام أستجمع كل ما لدي من أمل وأذهب إلى معرض الكتاب مرتين: الأولى للمشاركة في التجمع المناهض للتعسف الرقابي، والثانية للحصول على الكتب المهربة من دور النشر التقدمية، وشراء ما فات عيون الرقيب
النابهة لكل عنوان مثير أو صورة ضبابية
في الأسبوع الماضي نكأ خبر حزين جراح ذاكرتي، وهو إغلاق مكتبة ميسلون بدمشق بعد ستين عاما من العمل بسبب ظروفها المالية الصعبة، لأستعيد شريط الأخبار المماثلة في الكويت كإغلاق مكتبة وكالة المطبوعات (تأسست في 1949) ومكتبة دار الربيعان (تأسست 1978) التي أنقذتها الدولة بقبلة الحياة في اللحظات الأخيرة، أما في لبنان فقد أغلقت مكتبة رأس بيروت لصاحبها الدكتور أنطوان غطاس وهو أحد أساتذة الأدب العربي في الجامعة الأميركية في بيروت
وهذه المكتبات ودور النشر ليست سوى عينات من قائمة طويلة لمكتبات ودور نشر تحولت إلى سوبر ماركت أو مطعم فول وفلافل أو محال لبيع الملابس أو الأقراص المدمجة لتريح نفسها من وجع الرأس الناجم من تخلف الرقابة وهمّ الجمارك وأحلام تزايد وعي الناس بأهمية القراءة، وتستبدل كل ذلك الهم بالربح الوفير والطوابير التي لا تنقطع من الزبائن، فلا أحد اليوم وإلى أن تقوم الساعة سيستغني عن «البلعة» أو ستر نفسه بالملابس الجديدة
إن أزمة تراجع القراءة في الكويت والوطن العربي وصلت إلى مستويات تلوث عالية، وعلى ذمة «الطليعة عدد 17 فبراير الماضي» فإن 80 عربيا يقرؤون كتابا واحدا في السنة في مقابل 40 كتابا يقرؤها الإسرائيلي و35 كتابا يقرؤها الأوروبي ، وبعبارة أخرى نحتاج إلى 2800 مواطن عربي لقراءة 35 كتابا!! بذمتكم كيف سنواجه ما يسمى بأعداء الأمة وعقولنا خاوية؟ كيف نستغرب من انتشار الإسفاف في الفن والمسرح والعمل السياسي وأغلبية الخائضين في مجالاتها لم تسحرهم سيرة ذاتية لمن سبقوهم أو خبروا معنى الجدية والقواعد والموضوعية قط؟ بأي حق نستغرب من انتشار الأفكار المتعصبة في المجتمع والبيئة الحاضنة له مفروشة ومحمية ومزودة بكل وسائل الراحة؟
إن المطلوب هنا ليس دعم الدولة للمكتبات الخاصة كما تعود أتباع طائفة «ماما حكومة لحقينا»، ولكن المطلوب هو إحداث بعض التغييرات الجذرية في نظامنا التعليمي «أعلم أني أحلم كثيرا»، مثل زيادة جرعة حصص القراءة وتشجيع الطلبة على ارتياد المكتبة ورصد الجوائز المحفزة لمن تمكن من قراءة ولو كتاب واحد خارج المناهج الدراسية، وليعلم كل الآباء أن القراءة تجر القراءة والعمل يجر العمل تماما مثل النوم والكسل
وأخيرا هناك حلم لدى بعض الناشرين الكويتيين يتلخص في إنشاء سوق للكتاب تجمع فيه كل أو أغلب المكتبات ودور النشر في مكان واحد، منظم وفسيح على شاكلة أسواق المهن المتشابهة، وتأجير هذه المحال على أصحاب تلك المهن بأسعار معقولة على أن يراعى في ذلك السوق وجود مخازن ذات مواصفات خاصة لحماية الكتب من التلف أو الاحتراق، وسوق الكتاب هذا قد لا يساهم كثيرا في وجود قارئ جديد ولكنه بالتأكيد سيعزز من ترابط القارئ المواظب مع المكتبات التي يتعامل معها، وإنني لو اشتريت كل يوم مئة كتاب فلن أستطيع إنقاذ المكتبات المتعثرة
الفقرة الأخيرة : تعاطفت كثيرا مع النائب فيصل الدويسان عندما قوطع وعومل بطريقة غير حضارية في تجمع العقيلة الذي وقف فيه الدويسان كالجبل الأشم أمام الآلاف رافضاً التوقيع على وثيقة الأمر الواقع أو مطالب لجنة الإنقاذ الوطني التي تقضي بإقالة وزيري الداخلية والدفاع على خلفية ما بث في قناة «السور» لأنه كما برر حينها، قد نختلف في السياسة، ولكن نتفق في الكرامة، قبل أيام حط الدويسان دوبه من دوب الموقعين على مطلب إقالة وزير الإعلام والذين هم نفسهم من سيطرحون الثقة به قريبا، مطالبا إياهم بالاستعجال وعدم اللعب بالوقت وتحقيق المطالب الشخصية، وكأنهم هم من رفضوا المطالبة بإقالته من قبل
بصراحة أتمنى من نائبنا الدويسان الثبات في حماسه وألا يكرر ما فعله بعد استجواب وزير الداخلية الأول عندما «قلب» على الوزير، ثم عاد وأعطاه الصوت في جلسة طرح الثقة في الاستجواب الثاني
التعليقات (0)