حسام الدجني
وأخيراً سقط معمر القذافي وسقطت نظرياته وأطروحاته التي وضعت النخبة الليبية في حرج دائم، فمن الخطابات العشوائية في المحافل الدولية إلى نظريته الحديثه لإدارة شئون البلاد والعباد (الكتاب الأخضر)، إلى رزمة الألقاب التي كان يطلقها خلال مرحلة حكمه كأمير أمراء أفريقيا، وعميد الزعماء العرب، وغير ذلك.
ولكن سقوط معمر القذافي ليس نهاية المطاف، فمرحلة ما بعد القذافي هي الأهم، والنظرة الاستشرافية لمستقبل ليبيا هي المحدد الرئيسي عند النخب السياسية وقادة الثوار، فحجم التحديات التي ستقف في وجه ثورة السابع عشر من فبراير، والتي قد تفوق في حجمها أحداث الثورة نفسها التي أطاحت بنظام معمر القذافي، فليبيا بعد الثورة ليست كما قبلها، والثوار أثناء القتال ليسوا كما هو الحال في مرحلة استقرار ليبيا.
إن التحدي الرئيسي أمام ثوار ليبيا بعد مرحلة سقوط القذافي ونظامه يتوقف على تحديد الأولويات الوطنية، على النحو التالي:
1- الأمن: يتصدر الأمن أولويات المجلس الانتقالي خلال المرحلة الانتقالية
لما بعد سقوط القذافي ونظامه، فالحفاظ على الوطن والمواطن يمثل أولوية أولى في الأجندة الوطنية الليبية، ولن يكون هناك حفاظ على أمن الوطن والمواطن دون وحدة الصف الليبي، فكما كانت تلك الوحدة داخل الميدان، لابد من أن تستمر عند البناء، وأيضاً لابد من الحفاظ على مقدرات ليبيا الاستراتيجية من عبث الثورات المضادة سواء كانت داخلية أو خارجية، فاستقرار ليبيا في المرحلة الراهنة يعني سحب الذرائع من حلف الناتو كي يبقى جاثماً في الفضاء الإقليمي الليبي، كون ليبيا ونفطها ومقدراتها يشكلون عصب الحياة في الغرب، وبذلك تعتبر ليبيا بالنسبة لأوروبا قضية أمن قومي أوروبي، فلابد من العمل الجاد على استقرار ليبيا واستتباب الأمن فيها.
2- الاقتصاد: وصل متوسط دخل الفرد سنوياً في ليبيا في عهد معمر القذافي إلى 4450 دولارًا، ووصلت ليبيا إلى المركز الثامن عربياً من حيث متوسط دخل الفرد والترتيب السابع والخمسين عالمياً، على الرغم من حالة الفساد والتخلف التي كان يتسم بها نظام القذافي، ولذلك من الممكن أن تحقق ليبيا المستقبل قفزة اقتصادية قد تجعل منها لاعباً اقليمياً ودولياً وتجعلها من الدول المتقدمة والمؤثرة في العالم، ولذلك يجب أن يحتل الاقتصاد وتطويره أولوية لدى المجلس الانتقالي خلال المرحلة القادمة.
3- الحياة السياسية: لابد من الشروع فوراً في تنظيم الحياة السياسية
التعددية في ليبيا من خلال البدء في إعداد دستور جديد للبلاد، يغطي في جوانبه تنظيم الحياة السياسية، وشكل النظام السياسي الليبي، فليبيا منذ استقلالها في 24/12/1951م، وحتى ثورة الفاتح من سبتمبر عام 1969م، كان لها دستور ينظم الحياة السياسية ويؤكد على أن النظام السياسي الليبي هو نظام ملكي دستوري يتبنى الشكل الفدرالي، وتم تعديل الدستور مرتين حتى ألغيت الفدرالية قبل أن تأتي ثورة الفاتح من سبتمبر عام 1969م، والتي انقلب من خلالها العقيد معمر القذافي على الملك إدريس السنوسي، وانقلب على دستور البلاد ليعلن ليبيا دولة جمهورية، ويعطي مجلس قيادة الثورة صلاحيات تشريعية وتنفيذية، ثم تحول من النظام الجمهوري إلى نظام جماهيري عبر وثيقة عرفت باسم "وثيقة إعلان قيام سلطة الشعب" بتاريخ 2/3/1977م، وصولاً إلى الكتاب الأخضر والذي أساء لليبيا ولنخبها ومثقفيها.
وبعد هذا السرد التاريخي الموجز لمجريات الحياة السياسية في ليبيا لابد من العمل الجاد على وضع دستور للبلاد، وانتخاب هيئة تأسيسية تمثل قبائل ليبيا ونخبها ومثقفيها للشروع فوراً في إنجاز تلك المهمة.
وأخيراً، رحم الله شهداء ليبيا، ولولا هذه الدماء الغالية لما نجحت تلك الثورة فلنحافظ عليها، من خلال المحافظة على وحدة الصف، وعلى مقدرات الدولة، وعلى الإدارة السليمة لشئون ليبيا، وصولاً إلى انتخابات تعبر عن رأي الشعب الليبي العظيم.
المصدر: صحيفة فلسطين
http://www.felesteen.ps/details/2364...9%81%D9%8A.htm
التعليقات (0)