عبد الهادي فنجان الساعدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“تستطيع سجن مليون شخص لكن يظل لديك مليونان آخران مستمرون في الفساد”(1)
قبل ايام احتفلت تونس ومعها العالم بمئوية الشاعر ابو القاسم الشابي، الشاعر الذي لم يتجاوز عمره ربع قرن ولكنه خلّد الشعب قبل ان يخلده الشعب.
“اذا الشعب يوماً اراد الحياة”..
اتصل بي احد الاصدقاء من امريكا حيث يعيش وكان احد محاور اتصاله هو نيته - التي حققها- في تاسيس شركة اعمار او استثمار، وقد أبلغني بانه انجز المعاملة بمدى “34″ دقيقة وبما لايتجاوز الخمسين دولاراً بواسطة الانترنت، وبقيت موافقة وزارة الخارجية التي اشترطت مدة خمسة ايام وان يحضر شخصياً والموافقة تتم بمبلغ (180) دولار، ولكنه اعترض على ذلك وعندما راجع الوزارة استطاع ان يختصر الوقت الى يوم واحد والمبلغ باقل من (180) دولار بكثير.
ان الابتعاد عن السلطة لمدة 83 عاماً لايعني ان هذه الطائفة التي تمثل الاغلبية الآن او هذا المذهب لايمتلك الكفاءات السياسية لكي يحكم. واستلام السلطة لمدة 83 سنة ايضا لايعني ان هذه الطائفة او هذا المذهب يمتلك كل الكفاءات التي تمثل العراق. اما مدة (83) سنة التي مرت على الاكراد وهم خارج السلطة فلا تعني ايضا بانهم خلف اسوار البشرية، وها هي التجربة تثبت عكس كل الاعتقادات التي كانت سائدة.
سيول من المشاكل والانهيارات الاجتماعية والخدمية والمشاكل التي استعصت على الحل في كل الحكومات التي مثلت الاغلبية، ولكن ليس هناك من حلول سحرية. لماذا لانجد هذه المشاكل في اكثر الدول التي تقع خارج محيط العرب والمسلمين. وان وجدت توجد لها حلول سحرية، حلول واقعية وتقنية عالية تصل حد الاعتقاد بانها سحرية. هل من سبيل للخروج من حكم الاغلبية البائسة والمحاصصة اللعينة والتوافق المزري؟!! لقد قتلتنا الاغلبية باسم الاغلبية، ولماذا الاستناد الى الاغلبية بدلا من الاستناد الى الكفاءة والنزاهة وصوت الفكر والثقافة واشتراطات عصر النهضة. هل من الممكن ان تخلو هذه الاغلبية من الكفوئين والنزيهين ولاتمتلك غير ارث “التقية واجبة” والخوف الابدي من الاقتراب من الدوائر والمؤسسات الحكومية ” وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ”(2)
“الاقربون اولى بالمعروف” لكن هذا لايعني ان تحكم الاغلبية بموجب هذا القانون ليصبح قانوناً سياسياً يتحكم بالتعيينات والمناصب والجيش والشرطة والبيشمركة والصحوات والقتلة والمجرمين وسارقي الصابون والحنطة والكهرباء والماء الصافي من الحصة التموينية والبرمجة وكل قسائم التخلف التي تصدر لكي تؤجل الأَزمة لالتحلها.
هذا الشعب الكفوء يمتلك بالمقابل موهبة التكيف والتصنيع وبدائل ازمات بقدر الحكومة وهذا بالتأكيد ما سبب تأجيل ثورات الجياع في الكثير من الاحيان. لو ترك هذا الشعب ليواجه مصيره لأعاد ثورة الخبز لسنة (301) (303) (308) هـ(3)، او حتى انتفاضات الجياع في التاريخ القريب.
“القانون فوق الجميع” في الحين الذي لايوجد قانون يوجه دواائر الدولة، انها نفس المؤسسات ونفس التقنيات القديمة حيث لم يستطع احد ان يتجاوز اخطاء المؤسسات والتنظيمات القومية والاشتراكية والعسكرتاريا التي حكمت البلاد لسنوات عديدة بموجب معطيات واسباب وضعتها لخدمة نفسها وكان الاولى بالشعب ان يثور دون ان ينتظر “الجيش” فالجيش سورٌ للوطن وليس سوراً للحكام والحكومات على مدى التاريخ وكما يقتضيه التاسيس الاول وليس الواقع.
كيف يكون حكم العشيرة في القرن الحديث، قرن الاكتشافات والثورات العلمية وعصر الاتصالات الذي بدأ عمره الثالث في التطور منذ سنوات؟!!
الحواشي
(1) مقالة تحت عنوان “تحيتان للجنرال المفكر” بقلم سولين هونورين، مجلة نيوزويك عدد 21يوليو 2009 ص23.
(2) هذه الاية كنا نرددها وما نزال كلما دخلنا الى دائرة حكومية وكأن خوف سنوات الظلام لايبرح الذاكرة
(3) راجع كتاب “آلآم الحلاج” : لويس ماسينيون: ترجمة :الحسني مصطفى الحلاج: ص222، 233، 248 : دار قدمس
كاتب وصحفي عراقي
التعليقات (0)