اعزائي قراء مدونتي المتواضعة نحن هنا لسنا بصدد الحديث عما إذا كان الحسد موجود من عدم وجودة حاشا لله فإن الحسد موجود ونحن مؤمنون بذلك والحمد لله ولكن مناقشتنا سوف تتعرض لكيفية حدوث الحسد وسأعرض وجهات نظر مختلفة وكل منا له براهينه المختلفة وما يساعدنا على ذلك هو سماحة الإسلام ودعوته للتفكر وإعمال العقل واعود أذكر أن وجود الحسد من عدمه ليس موضوع نقاش فالحسد موجود ولكن السؤال كيف يؤثر في المحسود ؟
هل هي أشعة تنطلق من عين الحاسد فتصيب المحسود ؟ أم هي سهام سواد القلب تنطلق ؟ دعونا نعرض وجهات النظر وادعوك عزيزي القارئ أن تعرض وجهة نظرك ؟
وجهة نظر المدون:
بدأت أفكر في هذا الموضوع منذ أن كنت أدرس دبلوم الدراسات العليا ( عامان ) بعد كلية التربية عام 1997م حيث كان يدرس لنا وقتها الدكتور محمد الطيب وكان وقتها مدرس الصحة النفسية وطلب منا بحث في أي موضوع يمس الصحة النفسية فبدأت أفكر وكانت المصادفة عندما أستمعت إلى أحد الركاب في قطار الساعة الثانية عشر المتجه من الأسكندرية إلى الصعيد وكان المتحدثان يسردا ما حدث لجارهم من خراب بعدما حرض احد الأشخاص أم عتريس " احدى السيدات " لسحر جارهم هو وعائلته بالكامل ودفعا لها مبلغ من المال فكام ما كان وحدث ما حدث من خراب واحترق المنزل بمن فيه وما زال الرجل زوجها في غرفة العناية بالمستشفى بين الحياة والموت , شجعني حب الاستطلاع وساعدني طول المسافة والوقت حيث مازال على وصولي إلى مدينة دمنهور قرابة الساعة ويزيد فسلمت عليهم وعرفتهم بنفسي ضابط بالقوات المسلحة " ضابط احتياط " برتبة ملازم أول حيث كنت أقضي فترة التجنيد ثلاث سنوات وبدأت بالحديث عن الحسد وسألتهم هي الولية دي تفتكروا لما حسدت عملت إيه ؟بالطبع أقصد الولية بالمصري يعني المرأة. قالوا ياأستاذ دي سرها باتع في الحسد وحسدها ما يخيبش قلت لهم ممكن اسمع قصة اخرى لما فعلته قالوا في يوم حسدت مزرعة دواجن موجودة في مساحة فدان وخلصت على الدجاج بالكامل كلهم ماتوا يااستاذ آه والله كلهم ماتوا؟ مش جايز في اسباب تانية ؟؟ قالوا والله لما حققوا قالوا ان الدجاج أكل عجين مسموم بموبيد حشري لكن الأهالي مصدقتشي الحكاية دي!!!
فقلت لهم نرجع للقرآن الكريم في موضوع الحسد وقصصة ونشغل دماغنا يمكن نوصل لحل ! ماشي يا استاذ !!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
قل أعوذ برب الفلق , من شر ماخلق , ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد , ومن شر حاسد إذا حسد . صدق الله العظيم
السورة الكريمة عندما تعرضت للحسد ذكرت ومن شر حاسد (نكرة ) أي حاسد أي شخص يتمنى زوال نعمة الغير فهو حاسد , ولكن من يتمنى زوال نعمة الغير كثر فإي منهم نستعيذ منهم , هنا الجواب واضح إذا حسد أي تمنى زوال نعمة الغير واقترن هذا التمني بالفعل مثال : هب أن أخوة وجدوا أباهم يفضل واحد منهم عنهم ويشمله بالكثير من العطف والحب وهم له حاسدون ويتمنون زوال هذه النعمة وجلسوا يفكرون ماذا يفعلون " صحيح كما فعل أخوة يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأذكى السلام " فعلا فكروا في التخلص منه برمية في بئر عميق , ولم يفكروا في اشعة تخرج من أعينهم فتحرقه أو تصيبه بالشلل , ولكن كان سرد القرآن عمليا ومنطقيا , وكذلك ما فعلة قوم سيدنا ابراهيم ذلك الصبي الذي توصل بهداية من الله سبحانه وتعالى إلى أن هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر وفعل فعلته والتي ذكرها القرأن بتقطيع رقاب الأصنام وتعليق الفأس على كتف كبيرهم , وقال لهم أسألوا كبيرهم أكيد عند العلم بمن فعل ذلك .... ما هذا الذي حدث لهم لقد أخرصهم هذا الفعل والحجة وتمنوا لو استطاعوا الرد عليه الحجة بالحجة ولكن الله يهدي من يشاء فما كان منهم إلا جمع الحطب عاما والحريق عاما ثم ألقوه في النار وكلنا يعرف الحوار الذي ذار بين سيدنا ابراهيم عليه السلام والملائكة....
وما يقال عن حديث العين فلقت الحجر فأجماع العلماء انه ليس بحديث صحيح .....
يحضرني قصة عندما وجدت احد الزملاء المصريين معنا في مدرسة الشيخ عبد العزيز الثانوية بمملكة البحرين وكان حزينا قلت له صباخ الخير يا فلان قال أي خير !!! قلت عسى ماشر انشاء الله خير ,, قال يا سيدي واحد من أخونا البعدى المصريين أللي معانا شاف ابني " يقصد ابنه الذي كان يعمل معنا معلما بنفس المدرسة " قلت له وبعد ماشافه قال طسه عين أي قذفة عينا فوقع ابني على الأرض بعد ما دار حول نفسة ثلاث دورات قلت له ألم تفكر انه احتمال يكون ابنك عنده كهرباء زيادة بالمخ ,,, يارجل المفروض تعرضه على اخصائي مخ واعصاب بعد ما ترقيه " بالطبع بالقرآن مستحب ولكن مع الأخذ بالأسباب والعلاج قال ياراجل دي عين وصابته قلت له يا رجل دا ابن اخي اصابه نفس ما اصاب ابنك وعمل له كشف اشعة على المخ وحاليا يعالج من كهرباء زائدة وقارب على الشفاء , فتركني ولم يرد علي.
كنت يوما في مسجد الرملي بدمنهور وكنت طالبا في الصف الأول الثانوي وكنت احضر يوم الجمعة صباحا لأجلس مع أمام المسجد الشيخ صالح رحمة الله وافتكر يوما تناقشنا عن الحسد فقلت انا أرى ان هناك اشعة غير مرئية تنطلق من عين الحاسد لتصيب المحسود , فالظاهر اصابت هذه الفكرة استحسان لدى الشيخ صالح وكان موضوع خطبة الجمعة , فسمعته يقول ويعتقد الكثير من العلماء ان هناك اشعة تنطلق من عين الحاسد لتصيب المحسود فأبتسمت وقلت في نفسي سامحك الله يا شيخ خلاص بقيت من العلماء.
كانت امي رحمة الله عليها تربينا على " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا " وعلى حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم لمعاذ الذي في معناه واعلم انه لو اجتمعت الأمه على ان ينفعوك بشيئ , لن ينفعوك إلا ما كتبه الله لك وإذا اجتمعت على ان يضروك لن يضروك إلا بشيئ قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف.....
وهنا اتذكر كم كنا نذاكر دروسنا على سطح المنزل وكل الناس ترانا وكنا ننجح بتفوق في الوقت الذي كنت أرى الناس تدعوا أبنائها للدخول في الداخل لأن أم عبده سوف تحضر تلك المرأة التي كانوا يطلقون عليها لقب اكبر حاسدة في الحي , لأنها كانت لا تنجب فكانوا ينعتوها بهذا اللقب .
واتذكر والدتي رحمها الله كانت تقول لي اذهب يا احمد لدار ام عبده وقول لها تحضر لترى المولود الجديد ولتجلس معنا طوال اليوم , وكانت ام عبده تقبل والدتي وتقول الله يعطيك كمان وكمان , اعطتها والدتي اخي وقالت لها خليه معك طوال اليوم , وبعدما تخرج تعلمنا والدتي درسا فتقول دي حرمها الله نعمة الأنجاب لأسباب لا نعرفها الله يقويها دي غلبانه.
في شارعنا كان من لم ينجح من أبنائة قالوا اتحسد؟
من لم يوفق في العمل قالوا اتحسد ؟
من حدثت له حاثة بسيارته ؟ آه لأنها جديدة واتحسدت ؟
اتذكر ابنتي بعد شراء سيارة لها في هذة الأيام ونحن في البحرين بعد يوم واحد حدث للسيارة حادثة قالت " الشماعة الذي يعلق عليها الناس أخطائهم " اتحسدت يابابا ؟؟؟ قلت له احكيلي ما ذا حدث قالت رن جرس التليفون وكان بالمقعد الأمامي فأخذته فأهتزت عجلة القيادة " الدريكسيون" بالمصري أو السكان بالبحريني فأنحرفت السيارة فحدث الحادث.
نعم شماعة نعلق عليها أي خطأ ؟؟؟ ولكن الحسد موجود يا استاذ ؟؟ نعم ولكن تمني زوال نعمة الغير واقترانه بالفعل الذي يسبب زواله عن الآخرين .
احسد زميلي في العمل لحب المدير له فأذهب للمدير واخبره عن زميلي بما غير صحيح أو صحيح حتى يكرهه .
هذا هو رأئي والذي أعمل به ولا اخاف من أي حاسد بعينه ولكن اخاف من أفعالهم فأقول " اللهم أشغلهم عنا بأنفسهم ... أعوذ بالله من شر حاسد إذا حسذ "
والآن إليكم الآراءالمختلفة وكل رأي واسفله اسم صاحبه وفي النهاية لكل منا وجهة نظره تحترم....
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أمَّا بعد: فقد اعتاد الناس أن يذهبوا إلى الأطباء لعلاج أبدانهم من الأمراض التي أصابتهم، وذلك لأنهم يشاهدون آثار تلك الأمراض، ومع ذلك يغفل الكثير منهم عن نوعٍ آخر من الأمراض، التي هي أكثر ضررًا من أمراض الأبدان، وهي أمراض القلوب، وهل التأثير حقيقة إلا على الروح والقلب ! فما البدن إلا تابع لهما.
ومن هذه الأمراض: الحَسَدُ، وهو من الأمراض الخطيرة، وهو سبب لضياع الدين والدنيا معًا، من أجل ذلك أحببت أن أُذَكر نفسي وإخواني الكرام بأسباب الحسد وعلاجه، فأقول وبالله التوفيق.
معنى الحَسَدُ:
الحسد هو أن يرى الرجلُ لأخيه نعمة، فيتمنى أن تزول عنه، وتكون له دونه. [النهاية لابن الأثير جـ1 ص383]
كلمة الحسد في القرآن:
جاءت كلمة الحسد في القرآن الكريم بمشتقاتها المختلفة خمس مرات. [المعجم المفرس لألفاظ القرآن ص201]
الرد على من ينكر الحسد:
قال الإمام ابن القيم -رحمه اللَّه-: «لا ريب أنَّ اللَّه سبحانه خَلَقَ في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة، وجعل في كثير منها خواص، وكيفيات مُؤَثرة، ولا يمكن لعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام، فإنَّه أمرٌ مُشَاهَد محسوس. فأنت ترى الوجه كيف يَحْمرُّ حُمْرة شديدة إذا نظر إليه من يستحي منه ويصْفر صُفْرة شديدة عند نظر من يخافه إليه.
وقد شاهد الناس من يَسْقم من النظر وتضعف قواه، وهذا كله بواسطة تأثير الأرواح ولشدة ارتباطها بالعين يُنسبُ الفعل إليها وليست هي الفاعلة، وإنما التأثير للروح.
والأرواح مختلفة طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها، فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذًى بَيْنًا، ولهذا أمر اللَّه سبحانه رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يستعيذ به من شره، وتأثير الحسد في أذى المحسود أمرٌ لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية، وهو أصل الإصابة بالعين، فإنَّ النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة، وتقابلُ المحسود، فتؤثر فيه بتلك الخاصية، وأشبه الأشياء بذلك الأفعى، فإنَّ السُّمَّ كامن فيها بالقوة، فإذا قابلت عدوها انبعثت منها قوة غضبية وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية، فمنها ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين، ومنها ما تؤثر في طَمْس البصر.
روى الشيخان عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اقتلوا الحيَّات، واقتلوا ذا الطفيتين -خطان أبيضان على ظهر الحية-. والأبتر، -قصير الذنب أو مقطوع الذَنَب-، فإنهما يطمسان البصر ويُسقطان الحَبَلَ -الجنينُ في بطن أمه-) [البخاري حديث 3297، ومسلم 2233، زاد المعاد لابن القيم جـ4 ص166]
أنواع الحسد:
الحسد نوعان: حسد مذموم، وحسد محمود، وسوف نتحدث عنهما بإيجاز.
أولاً: الحسد المذموم: المقصود بالحسد المذموم هو أن يرى الإنسان نعمة على إنسان آخر فيكره ذلك ويتمنى زوالها عنه وانتقالها إليه.
وهذا النوع من الحسد ذَمَّه اللَّه وحَرَّمه في كتابه وحذرنا منه النبي -صلى الله عليه وسلم- في سنته المطهرة.
قال تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌٌ﴾ [البقرة:109].
قال ابن كثير -رحمه اللَّه-: «يحذر اللَّه تعالى عباده المؤمنين من سلوك الكفار من أهل الكتاب، ويُعْلِمُهم بعداوتهم لهم في الظاهر والباطن، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين» [تفسير ابن كثير جـ2 ص18]
وقال سبحانه: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيمٌ﴾ [النساء: 54].
قال القرطبي: قوله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونٌَ﴾ يعني: اليهود، وقوله تعالى: ﴿ النَّاسٌَ﴾ يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة.
قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: «حسدوه على النبوة، وأصحابه على الإيمان به». [تفسير القرطبي جـ5 ص252]
وحذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحسد المذموم لما يترتب عليه من مفاسد في الدين والدنيا، وذلك من خلال أحاديثه الشريفة، والتي سوف نذكر بعضًا منها:
روى الشيخان عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تباغضوا، ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد اللَّه إخوانً) [البخاري حديث 6076، ومسلم حديث 2559]
روى الترمذي عن الزبير بن العوام أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (دَبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد، والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تَحْلِقُ الشعر ولكن تحلق الدين) [صحيح الترمذي 2038]
روى النسائي عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يجتمعان في قلب عبدٍ: الإيمان والحسد) [صحيح النسائي 2912]
مراتب الحسد المذموم:
ذكر أهل العلم مراتب للحسد المحرم، سوف نذكرها فيما يلي:
المرتبة الأولى: أن يحب الإنسان زوال النعمة عن الغير، وأن تنتقل إليه، ولذا يسعى بكافة السُّبُل المحرَّمة إلى الإساءة إليه ليحصل على مقصوده، كأن يحصل على داره، أو يجعله يطلِّق امرأته ليتزوجها، أو يكون صاحب منصب، فيحب أن يحصل عليه بدلاً من ذلك الغير. وهذه المرتبة هي الغالبة بين الحُساد.
المرتبة الثانية: أن يحب الإنسان زوال النِعْمة عن الغير، وإن كانت هذه النعمة لا تنتقل إليه، وهذه المرتبة في غاية الخُبْث ولكنها دون المرتبة الأولى.
المرتبة الثالثة: أن لا يحب الإنسان نفس هذه النعمة لنفسه، ولكنه يشتهي أن يكون لديه مثلها، فإن عجز عن الحصول على مثلها، أحب زوال هذه النعمة عن الغير كي لا يظهر التفاوت بينهما. [الإحياء للغزالي جـ3 ص298]
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى. ..
نقلاً عن مجلة التوحيد المصرية
ثانيًا: الحسدُ المحمودُ: المقصود بالحسد المحمود هو أن يرى الإنسان نعمة على غيره، فيتمنى أن يكون له مثلها دون أن يكرهها أو يتمنَّى زوالها عن ذلك الغير. [النهاية لابن الأثير جـ1 ص383]
ويُسمى هذا النوع من الحسد المحمود بالغِبْطة أو المنافسة، ومن المعلوم أن المنافسة في عمل الخيرات وطلب الآخرة أمر حثنا عليه الله في كتابه والنبي -صلى الله عليه وسلم- في سنته المطهرة.
قال تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمٌِ﴾ [الحديد: 21]، وقال سبحانه: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونٌَ﴾ [المطففين: 26].
روى البخاري عن أبي هريرة أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل عَلَّمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جارٌ له فقال: ليتني أوتيتُ مثلما أُوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالاً فهو يُهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أُوتيتُ مثل ما أُوتي فلان فعملت مثل ما يعمل) [البخاري حديث 5026]
عمر ينافس أبا بكر الصديق -رضي الله عنهما-
روى أبو داود عن عمر بن الخطاب قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبقُ أبا بكر إن سبقته يومًا. قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما أبقيت لأهلك؟) قلت: مثله. وأتى أبو بكر بكل ما عنده. فقال: (يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟) قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلتُ: والله لا أسابقك إلى شيء أبدًا . [صحيح أبي داود للألباني حديث 1472]
المؤمن حقًا لا يحسد أحدًا:
من صفات عباد الرحمن أنهم لا يحسدون أحدًا على نعمة أَنْعَمَ الله بها عليه.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونٌَ﴾ [الحشر: 9].
قال ابن كثير -رحمه الله-: «قوله تعالى: ﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوٌ﴾ أي: ولا يجدون في أنفسهم حسدًا للمهاجرين فيما فَضَّلَهم الله به من المنزلة والشرف والتقدير في الذِّكر والرتبة» [تفسير ابن كثير جـ13 ص489]
العين حق:
إنَّ الحسد بالعين ثابت بالكتاب والسنة ولا ينكره إلا جاحدٍ.
معنى العين:
نظرٌ باستحسان مشوبٌ بحسد من خُبْث الطبع يحصلُ للمنظور إليه ضرر منه. [فتح الباري لابن حجر جـ10 ص210]
قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ﴿51ٌ﴾ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينٌَ﴾ [القلم:51-52]
قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: ﴿لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمٌْ﴾ بمعنى يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك وحمايته إياك منهم. وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل» [تفسير ابن كثير جـ14 ص102]
عن ابن عباس أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (العين حق، ولو كان شيء سابق القَدَر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلو). [مسلم حديث 2188]
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعوِّذ الحسن والحسين يقول: (أُعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة، ويقول: كان أبوكم إبراهيم يعوِّذ بهما إسماعيل وإسحاق) [البخاري حديث 3371]
عن عائشة قالت: (أَمَر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نسترقي من العين) [البخاري حديث 5738، ومسلم حديث 2195]
عن أسماء بنت عُمَيْس قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ا لي أرى أجسام بني أخي -بناء جعفر بن أبي طالب-ضارعة أي: -نحيفة- تُصيبهم الحاجة. أي: -الجوع-. قالت: لا، ولكن العين تسرعُ إليهم. قال: ارقيهم) [مسلم حديث 2198]
مقارنة بين الحاسد والعائن:
«الحاسد والعائن يشتركان في الأثر، وهو أنَّ كل منهما يقع منه الضرر، ويختلفان في الوسيلة، فالعائن مصدر حسده العين، والحاسد مصدر حسده القلب حيث يتمنى زوال النعمة عن الغير». [بدائع الفوائد لابن القيم جـ2 ص231]
كيف تؤثر العين في المحسود ؟
قال ابن القيم -رحمه الله-: قالت طائفة: إن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة، انبعث من عينيه قوة سُمْيَّة تصل المَعِين أي: -المحسود- فيتضرر.
قالوا: ولا يُستنكر هذا، كما لا يُستنكر انبعاث قوة سُميَّة من الأفعى تتصل بالإنسان فيهلك، وهذا أمر قد اشتهر عن نوع من الأفاعي أنها إذا وقع بصرها
على الإنسان هلك، فكذلك العائن. وقالت فرقة أخرى: لا يُستبعدُ أن ينبعث من عيون بعض الناس، جواهر لطيفة، غير مرئية فتصل المَعِين وتتخلل مسام جسمه فيحصل له الضرر. [زاد المعاد جـ4 ص165، 166]
الوقاية من حسد العين: يجب على المسلم الذي يريد أن يتجنب الحسد عن طريق العين أن يبتعد عن مواجهة الإنسان المعروف بداء حسد العين وسَتْر محاسن الشيء الذي يخاف عليه الحسد. [زاد المعاد لابن القيم جـ4 ص173]
علاج حسد العين:
إذا تأكدنا أن أحد الناس حسد آخر بالعين، فإننا نطلب من الحاسد أن يتوضأ في إناء ثم نأخذ هذا الماء ونصبه على رأس وظهر المحسود من خَلْفه، فيبرأ بإذن الله تعالى. [التمهيد لابن عبد البر جـ9 ص352، ومسلم بشرح النووي جـ7 ص427]
عن سهل بن حنيف -وذلك عندما نظر عامر بن ربيعة إلى سهل فحسده- قال: فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامرًا فتغيظ عليه، وقال: (عَلاَمَ يقتلُ أحدُكُم أخاه ! هلا إذا رأيت ما يعجبك بَرَّكت. أي قلت: اللهم بارك له. ثم قال له: اغتسل له. فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب ذلك الماء عليه. يَصُبه رَجُلٌ على رأسه وظهره من خَلْفه، ثم يكفئ القدح وراءه، ففعل ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس) [حديث صحيح: مسند أحمد جـ2 ص486]
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان يُؤمر بالعائن، فيتوضأ، ثم يغتسل منه المَعِين) [صحيح أبي داود للألباني حديث 3286]
الوقاية من الحسد:
ذكر الإمام ابن القيم عشرة أسباب للوقاية من الحسد، يمكن أن نوجزها فيما يلي:
الأول: التعوذ بالله وحده من شر الحسد: فإن الله تعالى سميع لمن استعاذ به وعليم بما يستعيذ العبد منه.
الثاني: تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه: فمن اتقى الله، تولى الله حفظه ولم يكله إلى غيره. قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئٌ﴾ [آل عمران: 120].
الثالث: الصبر على عدوه: فلا يقاتله ولا يشكوه ولا يُحَدِّث نفسه بأذاه أصلاً، فما نُصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه.
الرابع: التوكل على الله: فإنه من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد عن نفسه ما لا يطيق من أذى الخَلْق وظلمهم وعداوتهم. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهٌُ﴾ [الطلاق: 3]، أي: كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه.
الخامس: فراغ القلب من الاشتغال بالحسد: يجب على المسلم أن يمحو الحسد
من قلبه كلما خَطَرَ له، ولا يلتفت إليه ولا يخافه ولا يملأ قلبه بالفكر فيه.
السادس: الإقبال على الله وإخلاص العمل له: فالإخلاص هو سبب انتصار العبد على الشيطان الرجيم، قال تعالى حكاية عن الشيطان: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿82ٌ﴾ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينٌَ﴾ [ص: 82، 83]، فمن دخل في حصن الإخلاص، لم يخْلُص إليه أحد من الجن والإنس.
السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب: وليعلم العبد أنَّ ما يصيبه إنَّما هو من ذنوبه، قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتٌْ﴾ [الشورى: 30]، وقال سبحانه لأصحاب نبيه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمٌْ﴾ [آل عمران: 165]، فكلما تاب العبد من ذنوبه، كلما كان ذلك سببًا لتجنبه الحسد من الناس.
الثامن: الصدقة والإحسان إلى الناس: لكي يتجنب المسلم الحسد ينبغي له أن يكثر من الصدقات في السر والعلانية، ويحسن إلى الناس، فإن لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء عن المؤمن ودفع الحسد كذلك. وهذا واقع ملموس فمن النادر أن يتسلط الأذى والحسد على صاحب صدقة خالصة لله تعالى وإن أصابه شيء من الحاسد فإن الله يَلْطف به جزاء ما قدَّم لله وحده.
التاسع: الإحسان إلى الحاسد: إنَّ من أعظم الأسباب لدفع الحسد، والتي لا يوفق إليها إلا من وفقه الله، إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، قال تعالى: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿34ٌ﴾ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٌٍ﴾ [فصلت: 34،35].
العاشر: تجريد التوحيد: يجب على العبد أن يشغل فكره دائمًا بالله تعالى فهو وحده مسبب الأسباب، ولا يحدث شيئ في هذا الكون إلا بإرادته ومشيئته، قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهٌِ﴾ [يونس: 107]، فإذا جرد العبد التوحيد لله تعالى فقد خرج من قلبه خوف ما سواه، وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله؛ فالتوحيد حصن الله الأعظم من دخله كان من الآمنين. [بدائع الفوائد لابن القيم جـ2 ص238، 245]
علاج الحسد:
إذا وقع الحسد لأحد المسلمين، فإنه يمكن أن يعالج نفسه أو يعالجه آخر بالرُّقْية الشرعية الثابتة في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ويجب على المسلم أن يعتقد أنَّ هذه الرقية الشرعية لا تأثير لها إلا بإذن الله وحده، وعلى المسلم أن يعلم كذلك أنه لا علاج للحسد الذي أصابه إلا بالقرآن والسنة.
ويمكن أن نوجز علاج الحسد فيما يلي:
1- قراءة المعوذات: وهما سورة قل أعوذ برب الفلق، وسورة قل أعوذ برب الناس، هذا ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. [صحيح ابن ماجه حديث 2830]
2- يقول المعالج للمحسود: (باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك) [مسلم 2186]
3- الإكثار من الدعاء: وخاصة عند السجود وفي ثلث الليل الآخر، وبين الأذان والإقامة ويوم الجمعة ويوم عرفة وعند إفطار الصائم وغير ذلك من الأوقات الفاضلة.
وعلى المسلم أن يوقن بأن الله سيجيب دعاءه، قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمٌْ﴾ [غافر: 60]، قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186]، وقال سبحانه: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونٌَ﴾ [النمل: 62].
4- المحافظة على الصلوات
المفروضة: جماعة في المساجد والإكثار من الاستغفار وتلاوة القرآن ونوافل الصلوات والصيام والصدقات والأذكار الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا كله من الأدوية النافعة بإذن الله تعالى لعلاج الحسد.
الحسد عند النمل: سبحان الله
اكتشاف علمي جديد يؤكد التقارب الكبير بين مجتمع البشر ومجتمع النمل، وهذا التشابه هو ما تحدث عنه القرآن قبل مئات السنين، لنقرأ هذه المقالة القصيرة....
طالما نظرنا إلى عالم النمل على أنه عالم يمثل النظام والتعاون والبناء، وأن مجتمع النمل هو مجتمع مثالي وهذا ما يميزه عن مجتمع البشر المليء بالحقد والفساد والمشاكل والفوضى.
ولكن الاكتشاف الجديد الذي قدمه الدكتور Bill Hughes للأكاديمية الوطنية للعلوم، يؤكد أن مجتمع النمل وعلى الرغم من النظام الفائق إلا أنه يتمتع بالخداع والفساد والاحتيال والحسد!! وقد وجد بعد دراسة مطولة لعدة مستعمرات للنمل أن مجتمع النمل يشبه إلى حد كبير مجتمع البشر في كل شيء تقريباً!
ففي مجتمع النمل هناك أنظمة للبناء والرعاية وتربية صغار النمل ونظام للمرور ونظام للدفاع عن المستعمرة، ونظام للتخاطب وغير ذلك. وبنفس الوقت هناك نوع من الغش والخداع تمارسه بعض النملات لكسب الرزق ومزيد من الطعام! وهناك مشاكل وقتال بين النمل في سبيل الحصول على غذاء ما.
إن هذه الميزات موجودة في المجتمع البشري، حيث نرى أنظمة للبناء والتعاون، وبنفس الوقت نرى الغش والخداع والحسد والقتل...
ويقول الدكتور Hughes :
إنك إذا تعمقت أكثر في عالم النمل سوف ترى بالإضافة إلى التعاون والنظام أن هناك مجتمع موبوء بالفساد والنزاع والقتال والغش، ومن الواضح أن المجتمع الإنساني يعتبر نموذجاً لذلك".
وعندما نبحث في اكتشافات العلماء الذين راقبوا مجتمعات النحل ومجتمعات الطيور وغيرها من الحيوانات، نرى بأنهم دائماً يتحدثون عن مجتمعات منظمة ولها لغتها الخاصة، وبنفس الوقت توجد فيها نزاعات وخداع وغير ذلك تماماً مثل المجتمعات الإنسانية.
من خلال هذه الاكتشافات نلاحظ أن العلماء يلاحظون التقارب الكبير بين الأمم البشرية والأمم من عالم النمل والنحل وغيره من الدواب وحتى الطيور وبقية المخلوقات على وجه الأرض، وهذا ما تحدث عنه القرآن قبل 14 قرناً في آية شديدة الوضوح، يقول تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [الأنعام: 38]. انظروا معي إلى دقة التعبير البياني: (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ) فالنمل يشبهنا في كل شيء تقريباً!
فعلماء الغرب، وبعد آلاف التجارب وأكثر من مئة سنة من الدراسات والأبحاث في عالم النمل، يقولون بالحرف الواحد: إن مجتمع النمل هو نسخة طبق الأصل عن المجتمع الإنساني، والقرآن يقول: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ) فهل هناك أبلغ من كلمات الله تعالى؟!
وإلى هذه الصور من حياة النمل التي لا تقل أهمية عن حياة البشر، لننظر ونتأمل ونقرأ ونسبح الله تعالى:
نملتان تتصارعان من أجل شيء ما! إن هذه المخلوقات على الرغم من صغرها إلا أنها تملك ذكاء فائقاً، وتقوم بعملية القتال بحرفية عالية، فسبحان الله!
فك النملة قوي جداً وحين تطبقه على فريستها يُسمع له صوت نقرة تسجله الأجهزة الحساسة، ويقول العلماء إن سرعة انطباق فك النملة أسرع من أي حيوان من الحيوانات! وقياساً لحجمها يعتبر فك النملة أقوى بكثير من فك التمساح! فتأمل هذه القوة الخارقة التي تتمتع بها نملة!
نملة تحاول اصطياد صرصور صغير بفكيها فتهاجمه وترعبه وتستخدم تقنيات شبيهة بتلك التي يستخدمها البشر في اصطيادهم للحيوانات!
معركة حامية الوطيس بين نملتين تُستخدم فيها أدوات حادة جداً هي "الفك"، ويقول الخبراء في عالم النمل إن لدى النمل استراتيجيات في القتال ربما يتفوق بها على عالم البشر، أو على الأقل يشبه عالم البشر.
جسر حي من النمل، حيث تقوم النملات بطريقة هندسية تشبه تلك الطريقة التي نصمم بها الجسور، يقومون بجميع الحسابات الضرورية ويقيمون جسراً تعبر عليه النملات الأخريات، وهذه التقنية معقدة جداً، ولا يمكن تفسيرها إلا إذا اعتبرنا أن النمل عالم ذكي جداً ومتطور مثلنا تماماً!
حرب كيميائية! صدقوا أو لا تصدقوا، فالنملة الصغيرة السوداء تفرز مادة كيميائية على شكل رغوة تظهر في الصورة، تضع هذه المادة السامة على رأس النملة الكبيرة الحمراء، وتقضي عليها بهذه الطريقة. إن النمل يستخدم هذه التقنية منذ مئات الملايين من السنين، ولكن البشر لم يستخدموها في الحروب إلا منذ مئة سنة!!
انظروا معي إلى هذا التصميم المحكم لفكي النملة، إنها تستطيع مهاجمة أي فريسة والقضاء عليها بضربة واحدة فقط! وسؤالي: ألا تستحق هذه المخلوقات الذكية أن تُذكر في القرآن؟ لقد سخر بعض الملحدين من أن القرآن يذكر النمل والنحل والعنكبوت، ولكنهم بنفس الوقت يعترفون بأن هذه الكائنات على درجة عالية من التعقيد، بل إنهم يحاولون الاستفادة من خبرات النمل في البناء وتنظيم المرور والتأقلم بشكل عام!
تملك النملة عيون تميز بها الكثير من الأشياء من حولها، ولا تزال الكثير من الأشياء مجهولة في عالم النمل، ويؤكد الباحثون أن النمل يتمتع بقدرة عالية على الخداغ، و"الحسد" والغش والمراوغة، تماماً مثل الإنسان، وهذه الاكتشافات لم يكن أحد يعلمها من قبل.
معركة بين نملتين، تستخدم فيها كل نملة فكيها بطريقة فنية، وأثناء هذه المعركة تمكنت أجهزة تسجيل العلماء رصد أصوات عنيفة تشبه أصوات التحطم التي نسمعها في المعارك بين البشر، سبحان الله، حتى في الأصوات التي تصدرها تشبه البشر!!!
نملة تعتدي على صديقتها لتنتزع منها فريستها، يقول العلماء: لا يقتصر وجود الشر بين البشر، بل هو موجود أيضاً في عالم النمل، ويقولون أيضاً: إن النمل يستخدم وسائل للخداع والغش والتزييف من أجل الحصول على طعامه، ومنهم من لا يستخدم هذه الوسائل، بكلمة أخرى: الخير والشر موجود عند النمل مثلنا تماماً!
وهنا نود أن نكرر قولنا لأولئك المستهزئين بهذا النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام: من أين جاء هذا الرسول بتعبير علمي دقيق جداً في زمن لم يكن أحد على وجه الأرض يعلم شيئاً عن هذه المخلوقات الصغيرة؟!
فسبحان الله الذي أحكم هذه الآيات وجعلها نوراً لكل مؤمن، وحجة على كل ملحد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عجائب الحشرات: حقائق تدعو للإيمان
نظام المرور عند النمل
أسرار عالم النمل
تحطم النمل
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com
1- Antagonism rife in the ant world, 12 March 2008. http://news.bbc.co.uk/2/hi/science/nature/7292334.stm
2- Super ant colony hits Australia, www.news.bbc.co.uk
3- Ants,www.en.wikipedia.org
4- Ants best at crowd control, The Daily Telegraph, August 03, 2007.
5- Ants, The Center for Insect Science. University of Arizona.
التعليقات (0)