سقطت "الديمقراطية" قبل أن تسقط ..!
الرئيس حسني مبارك زعيم أكبر دولة عربية .. مصر ذات الحضارة والتاريخ والثقل السياسي .
مصر .. دولة عربية لها دورها المحوري في صياغة واقع الشرق الأوسط بغض النظر عن الاتفاق والاختلاف تجاه هذا الواقع وصياغاته الجديدة . وقد لعب الرئيس مبارك هذا الدور بجدارة .
ولكن النظام المصري الحاكم لا يختلف عن غيره من الكيانات العربية الأخرى شكلية الديمقراطية . فالنسبة المئوية لأصوات الناخبين التي تأتي بالرئيس إلى هرم السلطة لا تنقص بقدرة قادر عن الـ 100% إلا بجزء من الواحد الصحيح . وهذه شرعية لا تسقطها عن الرئيس ونظامه إلا نفس النسبة من الشعب كله وليس الناخبين فقط ! وهذا المستحيل هو أهم الضمانات لبقاء الرئيس على رأس السلطة مدى الحياة وما عدا ذلك فهو مجرد فوضى يحدثها بعض الغوغاء لزعزعة الاستقرار والإخلال
بالأمن .
وقد سقطت الديمقراطيات العربية حينما يفرغ تجاوز أعداد المتظاهرين لبضعة ملايين من الأشخاص بكل طوائفهم وفئاتهم العمرية مقولة حريّة حق المواطنين في التعبير عن أنفسهم وعن إرادتهم من خلال التظاهرات السلمية من محتواها ومعناها الحقيقي الذي يدركه الجميع ومن دوافعها المعروفة للجميع أيضا وهي بلوغ المجتمع الحد الذي لم يعد يحتمله من الفقر والبطالة والمرض وتدني مستوى التعليم والخدمات الصحية والعامة في وقت تحقق فيه الأقلية المترفة مستوى طاغ من الرفاهية والغنى لا يتناسب حتى مع المستوى الاقتصادي للدولة ليس بسبب الفساد فقط بل بسبب كون هؤلاء جزء مهم من صمام الأمان لأبدية النظام وجزء مهم من الحفاظ على فاعلية "الدعائية" وكذبة الديمقراطية و"جوفائتها " ذات الأهمية الكبرى في تزييف الوعي .
سقطت الديمقراطية ومقولة حق المواطنين في التعبير عن إرادتهم حينما انكشف للعالم زيف تلك المقولات فارغة المحتوى ، ولم تستطع تظاهرات الملايين واعتصاماتهم وما قدموه من تضحيات وضحايا إسقاط الشرعية المزيفة في الأساس باعتبارها استفتاء حي مباشر يشاهده العالم أجمع .
سقطت الديمقراطية ومقولة حق المواطنين في التعبير عن إرادتهم حينما تشوه صورة التظاهرات السلمية وتصبغ بصبغة الفوضى ، وحينما تعمد الأنظمة (الديمقراطية) لإثارة النهب والسلب الذعر في نفوس المواطنين من المتظاهرين وغير المتظاهرين ، وحينما تقطع الاتصالات والمواصلات . وكل ذلك أملا في تراجع المتظاهرين وطلب الأمن والاستقرار على المستوى الداخلي ، وأملا في الدعم الخارجي بحجة منع القوى السياسية المتطرفة من استغلال الموقف والوصول للسلطة . وهي حيلة تنكشف بالتفاف المواطنين عليها من غير المنتمين سياسيا إلى أي تنظيم بصدق وحزم ليشكلوا جماعات حماية لأنفسهم وللممتلكات العامة .
سقطت الديمقراطية ومقولة حق المواطنين في التعبير عن إرادتهم حينما توقفت عملية التنازلات تلوى التنازلات بدعوى تلبية مطالب الشعب عند النظام القائم بكل مكوناته الأساسية .
سقطت الديمقراطية ومقولة حق المواطنين في التعبير عن إرادتهم حينا ترددت أمريكا في ترجيح أحد الخيارين .. أثبات مصداقيتها في الدعوة لحرية الشعوب العربية من القهر والاستبداد أو مسايرة الأنظمة "الديمقراطية" لحماية مصالحها في الشرق الأوسط ومنها أمن إسرائيل .
وأخيرا ، سقطت الديمقراطية ومقولة حق المواطنين في التعبير عن إرادتهم حينما لا يقم الأمن بمنع من يدعون أنهم من الموالين من الاحتكاك والصدام مع المتظاهرين السلميين .
هذه الأنظمة التي بدأت في التهاوي ، وتلك التي تهتز فوق عروشها " الديمقراطية " سقطت منذُ أن اتخذت صورية الديمقراطية وكذب حرية تعبير الشعوب عن إرادتها أدوات لتزييف وعي شعوبها ، وحينما تحركت الشعوب مطالبة بالتغيير انكشفت الحقائق وتساقطت الأقنعة ...
تركي سليم الأكلبي
Turki2a@yahoo.com
التعليقات (0)