السلام عليكم .. يعتبر المنهج السلفي من أكثر المناهج والتيارات الفكرية و الدينية السائدة في منطقتنا الخليجية و العربية .. وكثير ممن حولي لا يدعون للشك سبيلا لعقولهم في فكرة أن هذا المنهج هو النهج الصحيح بكل حذافيره شكلا - موجود دائما - ومضمونا - إن وجد -.. وإن كنت تريد الجنة ومرضاة الله فعليك بالمنهج السلفي قولا واتباعا .. و قد تختلف الطريقة والأسلوب المُتبع للتيار الفكري الواحد من منطقة لأخرى و من بلد لآخر .. فالسلفية عندنا في الكويت تختلف عنه في السعودية والسعودية تختلف عن مصر وهكذا .. فكل إقليم من تلك الأقاليب يُكسب هذا التيار الفكري صبغة اجتماعية وثقافية معينة ..
و معنى قولك أنك سلفي فيعني أنك ليست خارجيا مستحلا دم المسلم بالمعصية.. وليست رافضيا ممن يكفر الصحابة.. وليست محرفا متأولا بالباطل ممن ينفي صفات الله ويحرف معانيها.. وليست مشبها لله بخلقه .. وليست صوفيا .. وليست قبوريا ممن يعبد القبور لها ويقدم النذور.. وليست مقلدا متعصباً ممن يلتزم قول إمام بعينه ولو علم أنه يخالف الآية والحديث.. فلو اخترت أن تكون سلفيا فيجب أن تحترز عن الوقوع فيما ذُكر .. هذا باختصار تعريف النهج السلفي بشكل عام عند بعض العلماء فهل التزمت السلفية الحديثة بتلك الاحترازات هذه الأيام !! وهل مازال هذا التيار الفكري مهتما بالعقيدة و الجوهر والمضمون أم أنه اتجه لمنحى آخر يبعده عن نهجه الصحيح الذي سار به قديما !!
السلفية الحديثة وللأسف الشديد بدأت ترتكز في الآونة الأخيرة على شقين اثنين .. و تولي لهما اهتماما كبيرا هذه الأيام .. أحد هذين الشقين ( الفتاوي المفرقعة ) وأما الثاني فيرتكز على الشكل - و الديزاين الخارجي - للهيئة السلفية .. و كم نسمع هذه الأيام من فتاوي يندى لها الجبين .. و أنا بصراحة لن أوجه أي عتب لأي عالم سلفي بعينه لأن التيار برمته يسير وبخطى ثابتة نحو تهميش العقل تهميشا مريعا في فهم النصوص فهما منطقيا موضوعيا .. و لن أقول أن النص لابد أن يخضع لعقل عالم ما إنما النص القرآني أو السني لابد أن يوازي العقل البشري الذي لم يتلوث بأي تيارات فكرية مناهضة للقرآن والسنة و للإسلام بشكل عام .. لأن العقل في الإسلام مناط التكليف و المجنون تسقط عنه تكاليف هذا الدين .. فلا نستطيع تهميش العقل في فهم النصوص الشرعية .. و للأسف الشديد يجد بعض علماء السلف أنفسهم في حيرة بالغة بسبب هذه التنحية المنهجية الواضحة للعقل عند خروج أي قضية لم تأخذ حكما قطعيا في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم .. فما دام أباح النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة بأن يرضع حليب من يسكن في دارها فيعني ذلك أن أمر النبي هذا لكل من شهد الشهادتين ولا يخص الصحابي المعني في هذه القضية !!
فلو كانت مسألة " إرضاع الكبير " كما تفهمونها يا علماءنا الكرام اليوم فلمَ لم تأخذ هذه المسألة ذاتها نفس الضجة في عهد النبي !! ولمَ لم يفعلها إلا ذاك الصحابي المعني بالمسألة مادامت لعامة المسلمين !! لذا فإن هذا الفهم الغريب المفتقر لأي أداة من أدوات العقل والمنطق قد يسعى لتشويه صورة الإسلام برمته و يُبعده عن منهجيته الحقيقية التي عمل بها النبي والصحابة قبل 1400 سنة .. و أكاد أجزم أن هؤلاء العلماء - مع احترامي الشديد لهم و لمنهجهم الفكري بشكل عام - قد رأووا أنفسهم في مأزق شديد و أصابتهم موجات الشك والريبة برهة من الزمن و احتاروا كثيرا قبيل إصدار مثل هذه الفتاوي .. فلما تنحصر أدواتهم وتنهزم اقتباساتهم يلجؤوا لتحدي الجميع وقول " هذا كلام النبي إلي عاجبه عاجبه ولي ماهو عاجبه يرقع راسه بالطوفه " و كأن ديننا فيه مناطق مظلمة لابد أن لا تتطرح و لا يثار الحديث عنها و تظل علامات الاستفهام تثار حولها مما يجلب التشكيك والإستفهام للإسلام برمته !! فهل تستطيعون تحمل وزر ذلك يوم الدين !!
وأقول لكم يا أسيادنا الكرام أن منكم من قيض العقل في فهم النصوص منذ البداية و لجأ لفهم السلف الصالح فقط كمسودة يعود لها ليطبع منها دون أن يجتهد و يزيد و كله من باب التورع وأخذا بالأحوط !!! مع أن الدين من أكثر الأمور التي تحتاج لأدوات العقل كالقياس والاجتهاد و المقارنة والتحليل والفهم والتركيب .. فهو يتطور بتطور عقل الإنسان ولا تثبت مسائله الفقهية على حال .. فعلى قدر تعقد الحياة و كثرت تفصيلاتها فلابد أيضا للفقه الإسلامي و الإسلام بشكل عام أن يتماشى مع هذا التغير الذي طرأ على حياة برمتها ..
أما الشق الثاني والذي قد ينحصر فقط عند الإخوان السلفية في الكويت و هو الاهتمام المبالغ فيه لإظهار أني سلفي صرف .. فالرجل السلفي يحرص على الشماغ الأحمر دون عقال واللحية التي قد تطول عن لحية النبي و تختلف عنها من حيث الشكل و الترتيب و تقصير الثوب و وضع السواك في الفم .. أما المرأة فعباءة الرأس و البوشية والدسوس " القفازان " .. و أي تقصير - ولو كان ذاك التقصير طفيفا - من هنا أو من هناك سواء للمرأة أو للرجل فبذلك يخرج الشخص من الدائرة السلفية و يدخل في دوائر أخرى يرى بعض السلفيين أنها دوائر منحرفة ضالة فاسدة لأنها تخالف نهجهم ..
أطيب المنى ..
التعليقات (0)