سوريا اليوم
باتت رياح التغيير أقوى من كل السدود وأعلى من كل أشجار البلوط وأسوار دمشق ..... فهل آذن حزب البعث بالرحيل أم تتحول سوريا إلى يمن وليبيا جديدة على ضوء ما يقال عن تجذر حزب البعث في الحياة الإقتصادية و الإجتماعية والثقافية السورية مما يجعل أمر إقصائه مشروعا باهظ التكلفة ؟
...........
المثير للإهتمام أنك قديما أو فلنقل قبل شهور وسنوات كان المواطن السوري (وعلى طريقة فيصل القاسمي في برنامج الإتجاه المعاكس) إذا إلتقيت به مصادفة دون ميعاد يشغلك بصوته الجهوري ويتحدث إليك بحماس وإسترسال وطلاقة يحسد عليها عن مشاكل السودان وجلد النساء وإنفصال الجنوب ويخوض في كل شيء من الخليج إلى المحيط ما عدا في أوضاع بلاده السياسية وحزب البعث؛ فإنك إن تطرقت معه للحديث عن السياسة في بلاده سرعان ما " يقطع ماء ويفصل كهرباء " فيتملكه الهلع ويحمر وجهه وتزوغ عيناه ويخيم عليه الشرود . وينظر إليك بعيون الشك والريبة قبل أن يسارع بتوديعك باي باي ويختفي كأنه فص ملح وداب.
ووفقا لذلك فإن حالة أن يخرج السوري الآن وبهذه الطريقة إلى الشارع ويهتف فوق ذلك بسقوط النظام ، فلاشك أن الخطب جلل ، وأن السيل قد بلغ الزبى والتغيير لا محالة قادم ... وأن سوريا اليوم لم تعد سوريا الأمس بأية حال من الأحوال .
..............
أمر سوريا البعث لا يهمها وحدها. فهناك العديد ممن يرتبط بالنظام السياسي القائم . وسيغرق مع البعث إن هو غرق أو على أفضل الأحوال سيصاب بالتكلس وتتقلص أطرافه ويصاب جسده بالروماتيزم الحاد وأهمهم حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية والحليف الإيراني ..
..................
في الجانب الإقتصادي لا يبدو السوري معتلا .. ولكن معظم مقولات المحتجين تتمحور في المطالبة بالحريات العامة وإستعادة عامة الشعب لكرامته وعزته والقضاء على الفساد الذي يحد كثيرا من قدرات هذا الشعب النشيط المثابر المبدع على المضي قدما نحو أوضاع إقتصادية أفضل.
...............
في غياب الحريات يشكو المعارضون في سوريا من ظلم وأتاوات وتعـديات عناصر الأمن والشرطة . ويشتكون كذلك من إنفراد قيادات حزب البعث بكعكة الثروة المتمثلة في الإستحواذ على مساحات شاسعة من الرقعة الزراعية الخصبة وإحتكار الصناعات والسياحة وتجارة الإستيراد والتصدير.
...........
الموقف الآن يبدو بعيدا جدا عن أية حوار سياسي خاصة وأن الثورة لم تتبلور بعد عن جهات حزبية منهجية تتحدث بإسمها سوى ظهور ملحوظ للإسلاميين وطلاب الجامعات .
وفي ظل الوضع الحالي فقد سارعت السلطات السورية إلى فرض حصار عسكري على العديد من المحافظات جنوب سوريا خاصة تلك المتاخمة للجولان ولبنان بهدف عزلها عن بعضها البعض وقطع الطرق الرئيسية التي تربطها بدمشق ..... وحيث يبقى الدروز في جنوب سوريا الذين يبلغ تعدادهم ثلاثة أرباع المليون تقريبا ... يبقى هؤلاء الأكثر توجها للثورة والإنفصال لإنشاء دولتهم الخاصة بهم.
تظاهرة خجولة في الشوارع الخلفية ولكنها البداية دائما
بعد أسبوع من الإحتجاجات التي إنطلقت في محافظة ومدينة درعا الزراعية والسياحية جنوب سوريا إنتقلت العدوى إلى مدينة دمشق القريبة منها ؛ وإن كان ذلك بشكل طفيف كما هو الحال عند كل بداية لجس النبض ... وها هي مظاهرة معارضة تخرج في دمشق بعد صلاة الجمعة 25 مارس 2011م تردد شعارات من قبيل "درعا سوريا" و "بالروح بالدم نفديك يا سوريا".
تحرشات سياسية وعراك بالأيدي بين البعثيين ومعارضي النظام في دمشق.
داخل مقر المحكمة في مدينة درعا الذي تعرض للتخريب والحرق
كانت الشرارة التي أطلقت التظاهرات السورية تتمثل في إلقاء أجهزة الأمن القبض على مجموعة أطفال وصبية تتراوح أعمارهم ما بين سن الثانية عشر والخامسة عشر والزج بهم في المعتقلات بتهمة كتابة شعارات على الحوائط تقول :- "الشعب يريد إسقاط النظام" تأثراً بريئاً بما جرى حولهم في الشقيقة تونس ومصر وما يجري في ليبيا واليمن .... وحيث يعتقد أنه ما كان يجب التعامل مع هؤلاء الأطفال والصبية بهذه القوة المفرطة والجدية التي في غير محلها .
وهكذا إنقلبت المزحة ولعب العيال إلى جد كما يقال. فنزل الشباب والكبار إلى الشارع يطالبون بإصلاحات في مجال الحريات والعزة والكرامة .. وبرفقة ذلك طلب خجول متواضع يرجو إقالة محافظ درعا بسبب مسئوليته عن الفساد الذي تعاني منه المنطقة بوجه عام ، ثم القرار الخاطيء بالقبض على الأطفال وتعذيبهم ومحاولة إجبارهم على البوح بإعترافات تفيد بأن هناك تنظيم سياسي سري معادي للنظام القائم يجمعهم .....
تكررت القراءة الأمنية الخاطئة إياها مرة أخرى في درعا إذن . فهاج حزب البعث وماج أن ترفع الجماهير رأسها وتطيل أعناقها على نحو تتجرأ وتطالب فيه بإقالة المحافظ . فكان ما كان من إضطراد للإحتجاجات وسقوط الموتى والجرحى بالعشرات تحت وابل من الرصاص الحي .
صورة من شريط فيديو إلتقطه أحد المناهضين للحكومة السورية وتم بثه عبر الإنترنت . وتكشف الصورة عن إطلاق مباشر للرصاص في درعا على المتظاهرين . يقف رجال الأمن على يسار الصورة.
مرة أخرى جاء القرار متأخراً ... فتم إقالة محافظ درعا ولكن بعد فوات الأوان فقد لمس المعارضون والمحتجون في أنفسهم الشجاعة والقدرة على الحياة كي يستجيب القدر ليتضح أن سقف المطالب قد إرتفع وتجاوز الكثير من المحرمات اليعثية.
يوم 23/3/2011م .... المحتجون ينتشرون في بعض شوارع مدينة درعا الرئيسية في تحدي واضح للسلطة غير مبالين بالرصاص الحي والمطاطي ودخان الغازات المسيلة للدموع
قديم الإعلام الحكومي العربي وجديده .... أسلحة وأموال وذخائر بث صورها التلفزيون السوري الحكومي الرسمي بزعم أنه قد تم العثور عليها في أيدي المخربين الذين وصفتهم بأنهم تجار مخدرات ومهربين .... وهكذا لا نزال نرى نفس الأسلوب الإعلامي العربي منذ أوائل الخمسينات من القرن الماضي وكأنّ السنوات لا تمضي وكأنّ لا هناك ثورة معلوماتية تضم منتديات ومدونات وشبكة عنكبوتية وفيس بوك وتويتر و ويكي ليكس ..... وإيلاف الحبيبة .
التعليقات (0)