منذ ثلاثين عاماً وبوصلة حقوق المرأة تضيّع طريقها فتارة تتوجه نحو المجتمع وتارة نحو الدين وتارة تقف عند الرجل وكثيراَ ما تستقبل المرأة متهمة إياها بأنها هي السبب في تضييع قبلة تلك البوصلة, لكن بعد هذه الإعاقات والعثرات أعتقد أنها حددت اتجاهها في الطريق الصحيح فبدت قادرة فعلاً على أن تشير إلى حقوقها, بدأته بنضال مع نفسها وأكدت على مطالبها داخل مجتمعها الخاص بها وانتقلت بهدوء إلى رفع الوعي بثورة تقنية هادئة لإقناع النساء بمشروعية المطالبة بهذه الحقوق إيماناً منها بأن طريقها يبدأ بالتخلص من هذه الأمية الحقوقية التي تعاني منها المرأة السعودية تحديداً خصوصاً وأنها غابت عن كل الأدوار الإيجابية للنساء, فكانت لا تعرف عن حقوقها إلا طاعة الزوج وخدمته مغيبة عن كل دور إيجابي يخصها أو يخص مجتمعها مغيبة تماماً عن دورها التنموي والوطني فكانت لا تعرف عن اتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة إلا أنها مشروع تغريبي يهدف إلى نزع الحياء منها ولاتؤمن بالحقوق المشتركة بينها وبين الرجل أو معنى حقها في المواطنة الكاملة.
قبل عشرة أعوام عندما كنا نكتب عن موضوع يخص حقوق المرأة يبدأ كيل التهم والشتائم والتخوين والتعرض لعقيدتنا أو هويتنا وأحياناً كثيرة تلغى عضويتنا في ذاك المنتدى بسبب أننا تطرقنا إلى موضوع رفع الوصاية أو تقنين الولاية أو حق المرأة في الحرية والخيار فكان هناك سجن نفسي وذهني تعيش فيه المرأة لكن ليس بعد الآن, فواقع شابات السعودية اليوم حاضر يزرع داخلنا الأمل فعندما أستخدم التويتر على سبيل المثال أجد الكثيرات منهن يكتبن عن تطلعات ومشروعات المرأة السعودية أو حول أحقيتها في ممارسة حياتها العامة أو حول البطالة أو يتطرقن إلى قضايا المطلقات والمعنفات والمسجونات السعوديات أو إشكالية المحرم والولي ويطالبن بقوانين حديثة تلائم الواقع الجديد.. يغردن يتغريدات ترفض تقديس التقاليد التي شكلت ثقافة تعزز من دونيتها.. أجدني في كل يوم محاطة بكم هائل من المواضيع والتغريدات التي تحث على البهجة وتلبي تطلعات المرأة المواطنة الساعية للتغير يحاولن بشتى الطرق ضمان تكريس حق المرأة في العقول قبل أن يتحقق لينتقل إلى أرض الواقع ولا شك في أن المجتمع النسوي الجديد مؤهل لأن يبني واقع مشرق مشرف قادر على تطوير قدراته وكفاءاته وتعزيز دور المرأة للمساهمة في بناء الوطن, فواقع النساء اليوم أنهن أصبحن يفهمن مشاكلهن وقادرات على استيعاب الواقع بشكل كبير فأضحى من العبث التلاعب بقضية المرأة وحقوقها باستخدام الفتاوى أو الخطب للتدليس عليها, فمطالباتها اليوم تنطلق من وعي ومن واقع المرأة المثقفة والمتعلمة فهذا الحراك النسوي هو حراك منظم قادر على تجاوز الهيمنة عليها وقادر على تجاوز عقدة خصوصية المجتمع وقادر كذلك على تجاوز بعض العوامل الاجتماعية والثقافية والعادات البالية وبكل شجاعة استطاعت فعلاً كسر حاجز الخوف وتقدمت بكل ثقة بالنفس فأبدعت واقتحمت المواقف رافضة كل الرفض للنظام الذي يعطي الحق للرجل في الهيمنة الكاملة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً فظروف المرأة ومكاسبها اليوم هي أفضل بكثير من نساء الأمس, في الماضي القريب كانت المطالبات الحقوقية حكراً لفترة من الزمن على شخصيات معينة وسيدات مجتمع فاضلات لكن اليوم هذه المبادرات أضحت مباحة وحق مشروع للجميع فلم يعد الحراك النسائي محصوراً في شخصيات معينة فنساء اليوم خرجوا من أقفاص الأنوثة المزيفة وتجاوزوا شعارات الملكات والأميرات والمغلفات فهي وحدها من تخوض مرحلة نهوضها وهي وحدها من تصر عليها بممارسة دورها في النهوض بواقعها ومجتمعها, اليوم هن فقط من تجاوزن بهن وبوعيهن مرحلة الصراعات التاريخية صراعات الديكة وصراعات سي السيد وصراعات الخصوصية وصراعات الفكر الذكوري وصراعات الحريم وتجاوزت الأهم وهي صراعات الفتاوى التي تلتصق بنا من رأسنا حتى أخمص قدمينا حتى أصبح مافي أجسادنا وفي عقولنا وفي أرواحنا هو مجال للبحث وللفقه وللتحري وللقياس يقودهم إلى فتوى التحريم على المرأة, هذا النضال الحقوقي بقيادة هؤلاء النساء اللواتي أصبحن لا يخشين نشر أسماءهن وصورهن الشخصية على مرأى من الجميع والتعبير عن آراءهن بكل أريحية هو نضال يحق لنا أن نفخر به جميعاً خصوصاً وان غالبية هؤلاء السيدات حريصات كل الحرص على التواصل الحقيقي على أرض الواقع وعلى توحيد المطالب بعيداً عن أي هدف آخر فالمهم بالنسبة لهن هو أن نمسك بطرف الحلقة المفرغة التي كنا ندور بها أعوام طوال. ومواقع التواصل الاجتماعي هي التي ستجعلنا نحصد هذا النجاح قريباً جداً فقد حققت لنا هذا الالتفاف النسوي الشاب الواضح للعيان الذي يبرز في كل مرة من خلال حملة ما أو لحضور ندوة ما أو للاشتراك في حدث يخص المرأة أو للمشاركة في عمل تطوعي و في إثارة حق المرأة فيالعمل أوالمناصب أوحق الانتخاب, فهناك سباق محموم من النساء نحو المشاركة وإبراز طلبات بنات جنسهن التي يقرها الشرع و والدين والقوانين الدولية لحقوق الإنسان وتقرها الحكومة السعودية كذلك, وأود هنا أن أشير إلى أن الحراك النسائي الذي ظهر في اليومين الماضيين من خلال الفيسبوك والتويتر فيما يخص قضية الانتخابات البلدية حقق خطوات ايجابية ونجح بشكل واضح في إرسال رسالة تؤكد فيها على أهمية مشاركة المرأة في العملية الانتخابية خصوصاً وأنه على الرغم من قرار المنع إلا أن حضورها سبق الرجل واستطاعت شابتين من مدينة الخبر من دخول المقر الانتخابي وتسجيل أسمائهن هناك وممارسة حقهن بالانتخاب والبقية في مدن المملكة قامن بزيارة المقار الانتخابية كذلك للتأكيد على حقهن في ممارسة هذا الحق كل مطالبتنا تنطلق من كون المرأة السعودية مواطنة أولا وأخيرا , تحية إجلال وإكبار لكل سعودية تسهم وتشارك في بلورة هذا المشروع النسوي لإحداث التغيير الإجتماعي المنشود و إزالة كل هذه الأفكار السوداوية المتعلقة بالمرأة ساعية لتأسيس نمط وسلوك إجتماعي يتعامل مع المرأة ككيان مستقل كامل الأهلية لا يهدد امتيازات الرجل ولا يتعارض معها بل يسعى إلى خلق مجتمع متوازن بالمرأة وبالرجل معاً.
التعليقات (0)