الحصاد الاسبوعي -
اجرى الحوار و نسقه الكاتبة التونسية فاطمة بن محمود
كيف تقدم نفسك للقرّاء ؟
يصعب علي تقديم نفسي خارج أنني مواطن تونسي . أحمل شامة أهداها لي أبي و أهداها لبقية أشقائي و هي أسماؤنا غير المتداولة و التي لا تخضع للقالب الصرفي أحيانا . لذلك فأنني اخترت أن يكون رديف اسمي في التوقيع . كاتب أحاول الشعر و أحاول الكتابة السردية كالقصة و المقالة الفكرية و أقف الآن على باب الرواية . بعيد عن مواصلة التنظم السياسي باختياري بعد الثورة ، و لا أظن أنني سأتورط فيه لأنه فن التعري و أنا رجل عوراته كثيرة… أظن انّه يكفيني أثقال الكتابة. مازلت مهتما طبعا بالشأن العام بلا استقالة لكن بمسافة تتقلص أحيانا و أحيانا تطول و هي التفكير . أنا كذلك مواطن افتراضي يمارس هذه المواطنة كما يراها و يدرك أنها تنتج كسلا واقعيا لكن هذه لغة العصر و احد امتداداته الأصيلة الدّالة عليه.
+ يعتبرك النقاد من اهم الاسماء الابداعية في قصيدة النثر في تونس ، بماذا تمتا ز الكتابة النثرية لديك ؟
أريد أن أشير إلى أنني أمارس الكتابة النثرية عن قناعة نمت عبر سنين طويلة من المران و القراءة و الإطلاع و الاستطلاع . و هي كتابة ليست بعيدة عن التجربة الشخصية و ليست بعيدة عن كتابة الجيل الذي اكتب معه .
لا تشبه أي كتابة كتابة أخرى لكنها تضع يدها في الاشتغال الدائم على اللغة و على الأفكار . تضع يدها في عجينة نخلطها جميعا من اجل صنع مشترك . أنا أمارس ما اعتقد انه يمثل امتدادي في الحاضر و ما اعتقد أنني اقترحه على الكلام من بناء تركيبي و لغوي و أن احلم فيه . أحاول فعلا أن أشبه صوتي الذي يميزه الآخرون . على كل أنا أجد نفسي دائما في حضرة الأشياء و الدقائق الصغيرة من الحياة و تعبيراتها الدالة . أنا لا أميز جيدا بين حدود الأنواع الأدبية و لم استطع حقا الفصل بينها و لي نصوص معلقة منذ سنين و هي تتمنع عني ….أحاول أن اكتب نفسي و أن اخططها و استدرك خسارات الحياة ربما و قسوتها .
+ هل تعتقد ان ظهروك في المشهد الأدبي التونسي كان متأخرا و ان كان كذلك كيف تبرره ؟
ربما رغم انني لا اعتقد ذلك . لنقل انني ظهرت متأخرا . كان ذلك لأسباب موضوعية عديدة بما أن الحياة وضعتني بعيدا عن المؤسسة العامة باشتغالي في ميدان العمل الخاص و هو عمل تنفيذي . و لعلك استغربت ذلك في نص رسالة أدبية رشيقة منذ سنة تقريبا وان تلا حظين تمزقي من شدة ضغط العمل . إنها ربما دوامة الحياة و أشياء كثيرة قد يتراكب شرحها لكني ربما أحب الآن أن احفظها لنفسي . المهم أنني كنت اكتب دائما، و أحاول أن ادخل في حركة النصوص بتتبعها . كنت أتعلم منها و أحاول اقتناص فرصة الدخول في حركتها و هو ما فعلته حين حان الوقت و هو الحقيقة ما يهمني أكثر و ارجوا نني استطعت .
أين كنت ؟ سؤال صعب لكنني كنت موجودا فعلا في المدونة الأدبية و لعل نشري في مجلات عربية و غرابة اسمي ساهم في اعتقاد الكثيرين أنني من المشرق و كنت ممهورا تارة ب “كاتب من فلسطين” ..” كاتب من العراق… أذكر طرفة صغيرة فقد أراد كاتب جميل في حديث لصحيفة الشروق الجزائرية أن يبرهن على احترامه للأدب الجزائري و اهتمامه به، فذكرني في سياق من يهتم بهم . لا يجب كذلك أن نخفي أن الحياة الثقافية التونسية لسبب ما لا تتابع إلا حركة الأشخاص و ضجيجهم و علاقاتهم و تضخم فردانيتهم . أقول فعلا لم أكن موجودا بما فيه الكفاية و ربما لم أكن موجودا تماما و ذلك قدر .
+ ظهرت بعد الثورة في تونس طفرة في كتابات عديدة باسم الثورة بماذا تفسر هذا ؟و هل تعتبر ان تلك الكتابات التي تتنزل في اطار كتابة استعجالية -كما يسميها بعض النقاد العرب – تفتقد قيمة ادبية
الكتابة انطباع ثم تجريب و اشتغال و الكاتب مواطن يعيش تاريخه و لا يمكن أن يكون خارجه لذلك فليس غريبا أن يكتب عنوانا لاستجابة صادقة أو لحاجة تجارية أو لتربح الثوري أو تصعيد . المهم فعلا هو الإضافة حتى عبر التسجيل لذلك فانا لست معها ولا ضدها . لكن ما تعلمته أن الانتماء إلى التاريخ لا يسجل بالكتابة بل بالإضافة النوعية إلى نشاط الثورة. ثمة الكثير من هذه الكتابات وقعت في اسر السياسة و حجبت عن نفسها القيمة الأدبية و غرقت في تسجيلية مغلفة بكتابة غير صافية البناء و لا محككة . لكنها ستكون عاملا مراكما للكتابات الحقيقية التي ستسجل في إبداع الثورة . حتى المؤسسة الثفافية لم تستطع ان تنخرط في الثورة إلا عبر جائزة عن شعر الثورة أو في حب الثورة . انه التربح الثوري . أنا لا افهم ماذا تعني جائزة ترعاها الدولة موضوعها الشعري الثورة ؟ هل هذا ما يحقق جلال النصوص ….
++ يرى البعض ان الكتابة الشعرية قد توغلت كثيرا في الكتابة السردية الى حد ان ما هو شعري فقد هويته داخل القصيد
لا اعتقد أن السردية هي التي أثرت على تحليق القصيدة و ضياع هويتها . فالسرد كان دائما مصاحبا للشعر…إنها دورة الشعرية و تسجيلها لحيويتها الدائمة . أظنك تعنين الإيقاع و هذا صحيح، لكن الشّعر هو مسار القصيدة و تحولاتها نحن نقول أن الشعر كان ديوان العرب أي انه يستجيب إلى التاريخ . لا يفصله لكنه ينقله لأنه المتن الحامل للوعي الجمعي فلماذا نبخس حق الشعرية الحديثة ان تكون في التاريخ …الشعر هو تاريخ القصائد و الشعر الحديث سجل خروجه الثوري من المؤسسة أي من التنميط لكنه لم يرفض القصيدة التي تقيم ميزانها على دائرة الوحدة و هي التفعيلة . الشعر متعدد و هو الذي خلق حيويته الدائمة و قدرته على العيش في زمن الميكانيكا و الصورة و الافتراض …لم يفقد الشعر هويته لكن ربما فقد التوهج باعتباره ناتجا عن المعاناة و هذا ما لا يفهه الكثير من الشعراء أنفسهم …السّردية كذلك صاحبت تاريخ الشعر كله لأنه كان يسجل الملحمة و البطولة و الحب و الموت …الشعرية هي الشعر في حاضره مسجلا للحركة وواصفا فهو رغم علوه كان ساردا بإيقاعه الذي حدده نمط المجتمع.النثر هو حداء و إيقاع القصيدة الحديثة و هو عمل يضيف إلى الشعرية العربية و لا يمحوها و لا يقف ضدها بل أن بعض السلفيات الشعرية لا تفهم هذا و لا تعترف أنها إزاء شكل من الشعر و ليس إزاء فن آخر يهدد كيانه
· + + يبدو ان الثورة في تونس قد فاجأت المثقفين و الكتّاب هل يعود هذا حسب رأيك ان هؤلاء كانوا خارج الحراك الاجتماعي و يعيشون كنخبة بعيدا عن المجتمع ؟ساهمت الدولة الوطنية منذ الاستقلال في استقالة المثقف عن الحراك الاجتماعي و السياسي .لكن هذا الأمر لا يعد قاعدة فالذي سجل و أرهص إلى الثورة هو مثقف الطبقة الوسطى وهو الذي خلق شعاراتها .الثورة فاجأت البحث و التحليل و فاجأت الشعر و الأدب عموما لأنها كانت حالة وعي متفجر. أنا لست مع الذين يبحثون في كتابات المثقف عن الإرهاصات فهذا سطو على ماهية الثورة …لم نملك مثقفا ثوريا .ملكنا ربما مثقفا مناضلا و مسيسا لكن في حدود اقل من الثورية . لقد كانت ثورة مهمشين إيقونتها تلك الصورة التي حمل فيها مهمش المدينة الخبز و جعله سلاحه .
+ يعزي البعض انتشار الوسائل الافتراضية قد أثّر كثيرا على الكتابة الادبية .. هل تعتقد ان هذا التأثير قلّص من المساحة الابداعية لان النشر الافتراضي سيصبح ميسرا للجميع ام زاد في اثراءها ؟
في كل الحقب كان دائما ثمة طبقات من الكتاب و لم يتضرر أبدا الحقيقيون من الأشباه لكن استمر العطاء على مدار الزمن . الكتابة تدل على نفسها و لا يصلح أن يعرفها الواحد . و الدليل أن لهذا الزمن كتابه الكبار و عمالقته . لعل الافتراض اسقط الحواجز الاتصالية لكن لم يسقط النص لان النص أي نص إنما يستمر بحركتيه الداخلية و بما هو عليه في ولادته الأولى من إشراق و بحث .لا يمكن إخفاء أن الذي وسع دائرة الكتاب هو ارتفاع نسبة التمدرس و التعليم و هي البيئة التي يخرج منها الشعراء و الكتاب و المفكرون . كسر الافتراض حواجز النشر و جعلها أكثر ديمقراطية و نفاذا و الكثرة هي اجتماع الغث و السمين . أنا أجد حرجا من الصفحات التي تبدأ بمسمى الشاعر الأديب و كذا و لا ادري ماذا يعني أصحابها بذلك .
هل تعتقد في غياب المبدع في تونس و ان كذلك الى ماذا يعود ذلك ؟ (هل هي ازمة موهبة ام ازمة نشر ام ازمة قارئ ام ازمة حكومة )
المبدع ليس غائبا تماما و لعله كذلك نحن نفتقد إلى مؤسسة ثقافية تستطيع الخروج عن التنميط بل إنها لا ترى إلا الذي أنتجته مفاريخها .حكومات الثورة لم تكن ثورية بالمعنى السياسي. المشكلة الأصيلة عند المبدع التونسي هو نفاذ صبره و عدم مبالاته بالنص و العمل الدءوب بل بالضجيج الأدبي .. نحن نملك ربما أصناما فقط و مكرسين مع الاعتراف أن العالم الأدبي لا يصنعه المبدع فقط بل النقاد و المؤسسة و الجمهور . ثمة قولة متداولة و هي كالسم القاتل ان المبدع التونسي لا يكتب كثيرا لكنه يكتب بإتقان و هذا لا يقود إلى بناء العالم الشعري آو القصصي آو الروائي لان النص المؤسس يجب أن ترادفه نصوص أخرى تقوم به و فيه و تبلغ مقولة التجربة المتكاملة و هذا يحتاج إلى التضحية و الموهبة . أزمة المبدع هيكلية و تحتاج إلى نظر و دراسة .
+ ما هي مشاريعك الأدبية القادمة ؟
أنا منضبط في الكتابة أي أنني أحاول أن اكتب دائما حتى أشياء غير مكتملة . أحاول أن أجد نصي .أنا الآن أحاول العودة إلى النصوص المعلقة و انظر حقا إلى الرف في حيرة بعد تراكم الكتابات و تقاربها زمنيا و اعني انتمائها إلى حيز تجريب متقارب .. على كل أفضل المشاريع أن أحافظ على الرغبة في الكتابة و القدرة أيضا .
الحصاد الاسبوعي – الثلاثاء 27نوفمبر 2012
صورة لجزء من الحوار ….شكرا لفاطمة
التعليقات (0)