مواضيع اليوم

سعيد بن جبير والحجاج ... القصة كاملة (3)

عبدالرحمن محمد

2011-04-14 14:41:46

0

ثانيا :علاقة الحجاج بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث
بدأ الحجاج فور وصوله الكوفة عام 75هـ في التصدي للخوارج الأزارقة.وفي عام 76هـ نشاهد وللمرة الأولى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس في موقع قيادي قائدا من قواد الحجاج مكلفا بقتال الخوارج بزعامة الخارجي المشهور شبيب وزوجته غزالة وفي هذه المهمة العسكرية الأولى فشل عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث في المواجهة ونكث عن قتال شبيب الخارجي بصورة تدعو للارتياب لا نريد الاستغراق في تفاصيلها حتى لا نخرج عن السياق.
كان شبيب الخارجي مقاتلا شرسا وكانت تقاتل معه زوجته غزالة ، وفي وقت من الأوقات استطاع شبيب وزوجته غزالة اقتحام الكوفة وسيطروا عليها لفترة من الزمن وذلك بقوة صغيرة ، حتى قال أحد الشعراء (عمران بن حطان السدوسي) شعرا يهزأ فيه بالحجاج بن يوسف :
أسد علي وفي الحروب نعامة ... ... فتخاء تجفل من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغى ... ... بل كان قلبك في جوانح طائر
صدعت غزالة قلبه بفوارس ... ... تركت مناظره كأمس الدابر ( تاريخ خليفة بن خياط)
وقد وجه الحجاج بن يوسف الثقفي الجيوش التالية لقتال شبيب الخارجي فهزمت كلها وقتل قادتها ما عدا عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث.
وجه الحجاج الجيوش التالية (دون مراعاة للترتيب الزمني)
1) جيشا بقيادة زائدة بن قدامة الثقفي في جمع فالتقوا بأسفل الفرات فقتل زائدة
2) جيشا بقيادة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فلم يقاتله
3) جيشا بقيادة عثمان بن قطن الحارثي فالتقوا في ذي الحجة في سنة ست وسبعين فقتل عثمان بن قطن وانهزم أصحابه
4) جيشا بقيادة عتاب بن ورقاء الرياحي إلى شبيب فلقيه بسواد الكوفة فقتل عتاب وانهزم أصحابه
5) جيشا بقيادة الحارث بن معاوية بن أبي زرعة بن مسعود الثقفي والتقوا بزرارة فقتل الحارث وانهزم أصحابه
6) جيشا بقيادة أبا الورد مولى بني نصر فقتله شبيب
7) جيشا بقيادة طهمان مولى عثمان فقتله شبيب
8) فخرج إليه الحجاج بنفسه فأزال شبيبا عن مسجده واقتتلوا قتالا شديدا وقتلت غزالة . فلما جن الليل عبر الفرات وقطع الحجاج الجسر
9) جيشا بقيادة حبيب بن عبد الرحمن بن زيد الحكمي في ثلاثة آلاف فلقي شبيبا بالأنبار فصبر الفريقان حتى حجز الليل بينهم وسار شبيب
10) في الأهواز وكان بها محمد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله فتعرض لقتال شبيب وسأل المبارزة فخرج إليه شبيب فقتله
11) ومضى شبيب إلى كرمان فأقام نحوا من شهرين ثم رجع إلى الأهواز فبعث الحجاج حبيب بن عبد الرحمن بن زيد الحكمي وسفيان بن برد الكلبي فلقيهم شبيب على جسر دجيل فاقتتلوا حتى حجز الليل بينهم ثم غدا شبيب فلما صار على الجسر قطع الجسر فغرق شبيب واستخلف البطين فطلب البطين الأمان فأمنه سفيان ثم قتله الحجاج بعد وأقام الحج أبان بن عثمان بن عفان ( تاريخ خليفة بن خياط)
إحدى عشرة معركة غطت معظم مناطق العراق ، وقتل فيها سبعة من قادة الحجاج بن يوسف ونجا عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث لأنه نكص عن القتال ، فكيف تم ذلك النكوص ؟
دعا الحجاج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وأمره أن يسير في طلب شبيب أين كان، ففعل ذلك وسار نحوه، وسار عبد الرحمن إلى المدائن فعسكر فيها مؤقتا ثم سار في طلب شبيب إلى أن وصل إلى الموصل شمالا
هنا توقف عبد الرحمن وقال : هذه التخوم أرض الموصل فليقاتلوا عنها.
إن قول عبد الرحمن هذه التخوم معناها أنه قد وصل إلى حدود ولاية العراق التي كانت تحت السلطة الإدارية للحجاج ، وأن أرض الموصل لم تكن تابعة إداريا للحجاج وبالتالي فإنه يتعلل بعدم الاستمرار في ملاحقة شبيب بأنه قد خرج من نطاق سلطة أو صلاحيات الحجاج الإدارية بلغة اليوم إذا جاز التعبير.
فكتب إليه الحجاج يذكره أنها كلها تابعة لسلطة أمير المؤمنين في دمشق قائلا: أما بعد فاطلب شبيباً واسلك في أثره أين سلك حتى تدركه فتقتله أو تنفيه، فإنما السلطان سلطان أمير المؤمنين والجند جنده والسلام.(الكامل في التاريخ)
في هذه الأثناء كان عيد النحر قد اقترب فأرسل شبيب الخارجي إلى عبد الرحمن يقول: إن هذه الأيام عيد لنا ولكم، فهل لك في الموادعة حتى تمضي هذه الأيام؟ فأجابه إلى ذلك، وكان يحب المطاولة ، وكتب عثمان بن قطن إلى الحجاج يخبره بهذا التباطؤ وهذه المسالمة المريبة بين عبد الرحمن وشبيبا الخارجي فلم يفعل الحجاج شيئا أكثر من أن عزل عبد الرحمن عن قيادة الجيش وولى عثمان بن قطن مكانه (الكامل في التاريخ) ، واستمرت المطاردة بين الفريقين والمناوشات وفي واحدة منها انقلبت الدائرة على جيش الحجاج وقتل عثمان بن قطن ، ونجا عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بأعجوبة ، ولجأ عبد الرحمن إلى دير يقال له دير البقار
وهنا تم رصد الحدث التالي : بات عبد الرحمن بدير البقار، فأتاه فارسان فصعدا إليه، فخلا أحدهما بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث طويلاً ثم نزل فتبين أن ذلك الرجل كان شبيباً الخارجي !!، وقد كان بينه وبين عبد الرحمن مكاتبة ، وسار عبد الرحمن حتى أتى دير أبي مريم، فاجتمع الناس إليه وقالوا له: إن سمع شبيب بمكانك أتاك فكنت له غنيمة.
هذه الرواية توضح أن موقف عبد الرحمن من شبيب الخارجي كان به نوع التخاذل يقرب من التواطؤ ، فهل حاسبه الحجاج على ذلك النكوص ؟ لا لم يحاسبه ، بل تجاوز عن كل ذلك ، واختبأ عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث في الكوفة فترة من الوقت من الحجاج حتى أخذ له الأمان منه.(الكامل في التاريخ) (تاريخ الرسل والملوك)
ولا نجد في ما بين أيدينا من مصادر كيف تحصل عبد الرحمن على العفو من الحجاج ، كل ما نعلمه حتى الآن أن شبيبا الخارجي قتل في نهاية المطاف غرقا في إحدى المعارك وانكسرت شوكة الخوارج إلى حين ، ووجد الحجاج فرصة الالتفات إلى مهامه الأصلية وهي توجيه الجيوش شرقا للجهاد والفتوحات.
الجهاد شرقا:
في سنة 78هـ وجد الحجاج بن يوسف الفرصة قد حانت لتوجيه قوة المسلمين لجهاد الكفار فقرر أن يوجه جيشا لقتال رتبيل ملك السند وموقعها حاليا في كشمير وأجزاء من أفغانستان حتى كابل الحالية .
وبلاد السند قسمان، قسم على جانب البحر، ويقال لتلك البلاد اللان، ومن مشاهير مدن هذا القسم المولتمان والمنصورة والدبيل، والمسلمون غالبون على هذا القسم.
والقسم الثاني في البر إِلى جانب الجبل، وبلاده كثيرة الوعر، ويقال للبلاد التي في هذا القسم القشمير (كشمير)، وهي في أيدي الكفار، وأهلها يعبدون الأوثان مثل الهنود، وكل ملك من ملوك السند يقال له رتبيل.(المختصر في أخبار البشر)
وتوضح الخارطة التاريخية أسماء البلدان في ذلك الزمن وتوضح أيضا أن إرسال الجيوش لم يكن نزهة بل كان يتطلب قطع آلاف الأميال للوصول إلى الهدف المنشود

أرسل الحجاج إلى رتبيل سنة 78هـ جيشاً بقيادة عبيد الله بن أبي بكرة ، وأمره الحجّاج أن يتوغل في بلاد رتبيل وأن يدك حصونهم وقلاعهم، ففعل ما أمر به الحجّاج، وتمكن من هزيمة رتبيل واجتياح بلاده وغنم غنائم كثيرة ولكن رتبيل أخذ في التقهقر فأطمع المسلمين في اللحاق به حتى وصلوا قريباً من مدينته العظمى، عند ذاك بدأ الترك يغلقون على المسلمين الطرق والشعاب وحصروهم وقتل عامة جيش المسلمين.
وفي سنة 79 هـ قرر الحجاج أن يرسل جيشا عرمرما آخر لقتال رتبيل ملك السند واختار عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس لقيادة ذلك الجيش .
واختار الحجاج بن يوسف الثقفي سعيد بن جبير مسئولا عن النفقات ، وبلغة عصرنا : مسئولا ماليا عن الجيش .
وكان هذا الاختيار الغير موفق لعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث لقيادة ذلك الجيش بداية لأسوأ نكوص وتمرد في تاريخ الدولة الأموية ، نكوصا وتمردا كلف المسلمين عشرات الآلاف من القتلى بينهم ، وسنرى في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى كيف تم ذلك وما هو دور سعيد بن جبير في ذلك التمرد.
ونواصل إن شاء الله تعالى

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !