أطلق شباب سعوديون فيلما وثائقيا على موقع اليوتيوب بعنوان "سعوديون غائبون" ناقش قضية معتقلي الرأي من خلال تقديم شهادات حية لذوي هؤلاء المعتقلين وأحد المحامين، ويعرف القائمون على الفيلم أنفسهم بأنهم "شباب.. يحبون هذا الوطن ويرفضون الظلم". وهم ينشدون الحرية لمن "أحب الوطن وأراد إصلاحه" لكن غيبته المداهمات الليلية.
يفتتح الفيلم بلحظات من السواد المؤلم، لكن ينبعث من قلب الظلام صوت الرجاء، إنها أم تدعو الله أن يرأف بابنها ويفك سجنه. السيدة المسنة خيرية سقا تخبرنا حكاية ابنها المعتقل سعود مختار بدعاء ليس بينه وبين باب السماء تجهم شرطي ولا صاحب صولجان، ونفهم أن الابن المعتقل كان من أصحاب مجالس العلم الذين يبشرون بالحرية عبر محاضرات يعقدونها في بيوتهم.
الشهادة الثانية تأتي من إيمان الشميري ابنة المعتقل الدكتور عبد الرحمن الشميري الذي لم يكن ذنبه سوى أنه مؤمن بأن المواطنة الصالحة تقتضي التصدي للقيام بمعركة الإصلاح "كي يبرئ ذمته أمام الله" حسب ما تخبرنا ابنته التي صار لزاما والحالة كذلك أن يقوم البيت على أكتافها بعد أن غيّب السجن قامات الرجال.
الحاجة خيرية سقا والدة المعتقل سعود مختار
البكاء المر
في جانب آخر من الفيلم، يحضر الأطفال وبكاؤهم المر، فقد امتدت يد السجان لتنزع من قلوبهم الاطمئنان بأن لهم آباء يحمونهم ويعلمونهم ألا تنحني رؤوسهم، لكنه الفقد صنو اليتم، حيث المرارة لا تترك لأطفال في عمر الزهور إلا البكاء: أسامة مختار ابن المعتقل سعود مختار، حسام وماجد الرشودي ابنا المعتقل الشيخ سليمان الرشودي.
ويخبرنا الصوت المعلق في الفيلم أنه "في السجون السوداء القاتمة يقف المعتقل بلا تهمة له سوى الاختلاف ولا أداة للجريمة سوى الحبر والأوراق" في إشارة إلى سلمية وسائل هؤلاء المعارضين وتحضرهم.
وهذا ما يؤكده المحامي الدكتور باسم عالم في شهادته بالفيلم حيث يقول إن هؤلاء المعتقلين "سجناء رأي وحراك ونشاط سياسي مشروع نظاما ودينا" بل إنه مشروع وفق النظام الأساسي للحكم في المملكة حسب تعبيره.
ولا يعرف على وجه الدقة عدد المعتقلين في السعودية، لكن السلطات اعترفت رسميا بوجود خمسة آلاف، بينهم سجناء رأي وآخرون متهمون "بالإرهاب".
إيمان الشميري قالت إن أبيها الدكتور عبد الرحمن الشميري اعتقل لدعوته إلى الاصلاح
تقارير دولية
وتشير تقارير منظمة العفو الدولية (أمنستي) إلى أن آلافا فعلا يقبعون في سجون المملكة دون تحديد العدد، مؤكدة أنهم معتقلون في ظروف تكتنفها السرية شبه التامة، وأنهم عادة ما يحتجزون بدون تهمة أو محاكمة لعدة شهور أو سنوات رهن التحقيق والاستجواب، دون أن يكون أمامهم أي سبيل للطعن في قانونية احتجازهم.
وتقول تقارير أمنستي إن معظم المعتقلين يحتجزون دون السماح لهم بالاتصال بالمحامين، ولا يُسمح لبعضهم بمقابلة أهلهم أو الاتصال بهم طيلة شهور أو سنوات. "ويُحتجز هؤلاء المعتقلون في سجون يتفشى فيها التعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة، التي تُستخدم لانتزاع اعترافات تجرِّم صاحبها. وفي حالة توجيه تهم لهؤلاء المعتقلين، فإنهم يواجهون محاكمات فادحة الجور، تُعقد في سرية وتكتم بدون حضور محامين للدفاع".
أما السلطات السعودية من جهتها فكانت قد تعهدت في فبراير/ شباط 2010 خلال المراجعة العالمية الدورية أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإجراء إصلاحات عديدة بشأن المحاكمات وشروط الاعتقال مع تأكيد أن البلاد تستند إلى المفاهيم الدينية، وفي مايو/ أيار الماضي أعيد انتخاب السعودية عضوا في مجلس حقوق الإنسان العالمي.
وطنيون إصلاحيون
وفي اتصال مع الجزيرة نت، قال المحامي باسم عالم إنه يمثل 16 متهما من بين معتقلو رأي، مشيرا إلى أن التهم الموجهة إليهم كثيرة من بينها الخروج على الحاكم ومحاولة الوصول إلى السلطة وتكوين حزب سياسي وكذلك دعم وتمويل "الإرهاب".
المحامي باسم عالم أكد أن موكليه
وطنيون مخلصون هدفهم الإصلاح
المحامي عالم أوضح للجزيرة نت أنه مشارك في الفيلم بصفته المهنية "لست أنا من سجل الفيلم وإنما طلب إلي الإدلاء برأيي"، وذلك "لإظهار الحقيقة، ولأنها القناة الوحيدة المتاحة لنا محليا"، موضحا أن القائمين على إنتاج الفيلم "شباب وطنيون أحبوا أن يحركوا الوجدان الوطني السعودي لعله يجد من الناس ومن العقلاء في الحكومة السعودية من يستمع" لقضية هؤلاء المعتقلين.
ويؤكد عالم أن من يمثلهم هم "سجناء رأي ووطنيون من الطراز الرفيع" لافتا إلى أن هذه التهم "غاية في السوء" خصوصا أن موكليه هم من أصحاب التوجه الإسلامي لكنهم يطالبون بالإصلاح الحديث والديمقراطية والانتخابات، مشددا على أن هؤلاء الموكلين يعارضون أفكار تنظيم القاعدة، وأضاف "هم إسلاميون، إصلاحيون من الطراز الأول، ويؤمنون بالدولة المدنية الحديثة".
المحامي عالم أوضح في حديثة للجزيرة نت أنه تم حتى الآن تقديم الدفوع أمام المحاكم في انتظار صدور الأحكام، لكنه وقياسا على التجارب السابقة بدا غير متفائل بنية السلطات، وقال "لا أرى أي ضوء في نهاية النفق، سوى أننا مؤمنون بالله".
ويختتم الفيلم بتحذير له وقع تنبئي، فيقول المعلق إنه يمكن للمروحيات والمدافع والرشاشات والعصي أن تخمد كل الأصوات الرافضة، كما يمكن للسجون الكبيرة أن تستوعب الآلاف من المختلفين والناقدين للأوضاع الخاطئة "لكنها في الوقت ذاته تزرع غضبا عارما في نفس كل طفلة وأم وزوجة، وفي روح كل أب وأخ وصديق". ويضيف "وهو غضب لا يهدأ يوما، وبؤرة توتر ستبقى محفورة في الوجدان سنين طويلة".
المصدر الجزيرة
التعليقات (0)