يدرن مطعماً من القش في قرية «عمق» لشواء الأسماك وبيعه للمسافرين
نساء يتمسكن بـ «العمل الشريف» أمام تحديات «العيب» و «الاختلاط»
حزيمة ويوم شاق من العمل على طريق الساحل
جدة ، تحقيق- حسين القحطانى
على بعد 450 كيلو مترا من محافظ جدة تقبع قرية (عمق ) تلك القرية التي تصحا على موج البحر وتنام على هدوئه لايوجد مسافر بطريق الساحل الدولي لم يقف عند لوحتها وخصوصا عند مجموعة من النساء ارتمينا على احد جنبات الطريق وأشعلنا نارا وحطبا يعتقد المارة لاول وهلة انها رحلة لمجموعة من العوائل حطوا بامتعتهم في تلك المنطقة الهادئة ليقضوا جزءاً من الليل الا ان المشهد مختلف تماما فتلك النسوة نصبن لهن رزقا بعد ان التصقن بتلك الارض ليتناصفن معها طبيعتها (الماء والأكل) والاحتياجات ايضا ومع كل تلك البساطة التي يقدمن فيها وجباتهن للمارين إلا ان الاعداد تتزايد عليهم كل يوم وكل قلقهن ان يتغير عليهن هدوءهن وجمال عملهن الذي امضين فيه قرابة الثلاثة عقود لقد اشتهرت قرية عمق بهم واصبح اسم القرية مرتبطاً بتلك النسوة وطوت الصحراء ملامحهن ولم تترك لهن سوى ذاكرة الطريق وشيء من الماضي المقلق على ابناء تفرقوا في مدن المملكة بحثا عن العيش بعد ان رفضوا ان يكونوا شركاء للارض التي ولدوا فيها .
القصة تبدو غريبة لنساء التصقن بالأرض بعيدا عن أي مقومات للحياة مياه شحيحة وبدون كهرباء منتظمة، فالعابر لايرى سوى بيوت من القش اشبه بتلك التي نراها في المنتجعات العالمية ..مع فارق المقومات ..وكذلك حطب من بعض الاشجار المجاورة..وتنانيير التهبت بطونها بالنار استعداداً لوضع الخبز الاسمر والابيض وسمك البحر الطازج الذي ملىء جوفه بتوابل صنعنهن بايديهن يقلنا انها سرا متوارثا بينهم لايبوحن به لاحد لانه احد اسباب اقبال الناس عليهم.. هكذا كانت الحالة بوصف اولي للقابعات باجسادهن النحيلة يرقبن المارة وتتخطف ابصارهن تلك الانوار التي لاتتوقف في طريق الساحل الشهير.
«الرياض» زارت موقع بائعات الطريق الشهير بقرية عمق لتلتقي بهن وتخرج بالآتي.
ام سياف تبدأ يومها باشعال النار ووضع الخبز في التنور
اعمل 17 ساعة
بداية كان لقاءنا مع اشهرهن ام سياف تقول منذ اكثر من ثلاثة عقود وانا في هذا المكان اعمل كل يوم من الخامسة صباحا وحتى العاشرة مساءا كل مااقوم به هو اشعال هذا التنور واعجن الخبز الاسمر ( الخمير ) وانتظر الزبائن من المسافرين الذين يشترون السمك من الحواتين لأقوم بوضعه في هذا التنور بعد ان اقوم بتبهيره بالبهارت الجنوبية التي اقوم بصنعها بنفسى وهي تعطي نكهة سحرية للسمك وهو مايجعل الزبائن مهتمين بزيارتنا والاكل لدينا ..حقيقية ليس لدي شيء كثير اقوله فانا مشغولة تماما كما ترى .
واشارت الى ان السمك الكيلو بعشرة ريالات اما العيش فالواحدة بخمس ريالات انه سعر زهيد وسط هذه النيران التي اتلقاها كل يوم فقد أصبحت لاادراك لون بشرتي ولااحس باجزاء منها بعد ان انهكتها النيران واطفأت خلاياها، موضحةً ان سر هذا الزحام رغم تواضع المكان، هو ملل الناس من الاكل المجمد والمواد الحافظة ان ما نصنعه نحن في هذا المكان معظمه لايحتوي على أي مواد حافظه وهو طازج تماما وحسب الطلب فالسمك يأتون به من البحر كل اليوم اما العيش فأنا اصنعه كل يوم ولا اضعه في التنور الى حسب الطلب كما ان التنور لايعمل الا بالحطب لاغاز ولاشيء اخر فعملنا وطبخنا من الطبيعة نأخذ منها وتأخذ منا، ونأخذ منها الحطب والماء والسمك والمكان وتأخذ من حياتنا واجسادنا وعرقنا ونمنحها الاهتمام فنحن نحطب بانتظام ونجلب الماء بانتظام ونصطاد بانتظام بمعنى اخر لاضرر ولاضرار وهذا مايجعلنا مستمرين منذ اكثر من ثلاثين عاما.
تنور مليء بالخبز والخضار استعدادا لتقديمه للزبائن
وراثة المهنة
وقالت: لقد ورثت هذه المهنه، حيث كانت امي هنا قبل هذا الطريق الجديد كانت تقوم بمثل هذا العمل لقوافل الحجاج والمعتمرين فهذا هو طريق الحج للقادمين من اليمن والجنوب وقد توارثنا هذا العمل حتى هذا اليوم الذي تغيرت فيه الحياه وبقينا نحن كما نحن سوى من بعض المصابيح التي تعمل على المحركات الصغيرة وأضفنا على بعض الطين اسمنتا لحفظ التنانير من عوامل التعرية والنار التي نشعلها يوميا في بطونها.
سر البقاء
واضافت: صدقني هذا العمل ليس مربحا الى درجة التي يتخيل البعض اننا اثرياء ولكننا التصقنا بالمكان والزمان وطبيعة العمل والوجوه التي تتكرر علينا بين الحين والآخر وهذا المنظر الذي تراه من العريش والخشب هو سر بقائي فلو تغير المكان وحولوه من الحديد والاسمنت فلن تراني هنا ابدا كما ان الناس لايريدون سوى هذا المنظر فلو نظرت أمامك لوجدت أفخم المطاعم ولكنها تتساوى في الشكل ولهذا لايريدها احد
وفي الجانب الاخر لام سياف تقف حزيمة على تنور اخر ترسم هي ايضا لوحة من الكفاح والتفاني بحثا عن لقمة العيش وسط تلك الظروف القاسية تبدو حزيمة كناقة اعياها طول السفر ومع هذا تظل متماسكة من اجل الوصول الى مبتغاها .
زبائن ينتظرون دورهم للحصول على وجبة
عمري ستون ومازلت اعمل
تقول امضيت عمري في هذه المهنة المتعبة وقد اقترب عمري من الستين ومازلت في هذا العمل، هذا الطريق اخذ منا اجمل ايام حياتنا واعطانا رزقنا حلالاً وصداقات انسانية للعابرين به كل شيء اصبح لدينا نحن نساء عمق العاملين على طريق الساحل معلوم يوميا ومفهوم ولاجديد سوى الوجوه التي نراها يوميا والحمد لله نكسب رزقنا من اجل عوائلنا
أكل ولاأروع
محمد المسعدي احد الزبائن الدائمين لهذا المكان يقول اعتدت دائما عند مروري بطريق الساحل ان امر على مقر بيع السمك والخبز الاحمر هنا في عمق واصبح جزءاً من اهتماماتي عند سفري فلذة الطعم وكذلك طبيعة المنظر والأسماك الطازجة التي فقدناها في مدننا تجعلني اهتم كثيرا ان ازور هذا الموقع لاجد فرصة جيدة للاستمتاع باكله والنظر الى هؤلاء النساء العاملات والمكافحات من الحياة انه عمل جبار ومهم لايفتقر الى الاتقان ورغم ان هناك ضعفاً في النظافة لكن النار كفيله به.
اسماك تم حشوها بالبهارات الخاصة لام سياف
اكل على ضوء القمر
ويضيف مصطفى الزيلعي هذه المرة الثانية التي ازور فيها هذا المكان ولم اكن اتوقع لذة الاكل بهذه الطريقة كما ان عامل الطبيعة التي تعيشها هنا وعلى الاضواء القمرية والمكان الشعبي وسخونة الاكل الطازج ان هذا المظهر يعطيك شعوراً بكل تقاصيم الماضي الجميل خاصة وكما عرفت ان هؤلاء النساء امضين سنين في هذا المكان ومازالن يمارسن عملهن بنفس الشكل شيء رائع يستحق الاهتمام
اخيرا سوف يدور الزمن وتبقى نسوة عمق شاهد على عوامل التغيير ليطوف عليهم اجيال من البشر يستنشقون من خلال اكلهم نفس الحياة والطبيعة ويتعلمون ان لامستحيل في الحياة ..وان الطبيعة القاسية قد تنجب جيلاً من الصبر يقاومها ويتفوق عليها.
منقول/ ابو بندر /سعود عايد الرويلي
التعليقات (0)