لاأجد وصفا يتناسب و الحزن العميق الذي إعتراني و أنا أقرأ نبأ وفاة المطربة الکبيرة سعاد محمد، بل انني صعقت لمجرد تصوري بعالم يخلو من ذلك الصوت العذب الحنون الرؤوم المملوء عاطفة و إحساسا و تدفقا، فقد وجدت وکأن الدنيا قد إفتقدت ثمة شئ مهم و حيوي جدا، إفتقاد أبدي ليس بالامکان مطلقا عودته مرة أخرى، ولذلك شعرت بحزن ثقيل فادح ليس من السهل مواساته ابدا.
رحلت سعاد محمد، تلك الفنانة التي أطربت العالم العربي لعقود عديدة و کانت أقرب صوت من سيدة الغناء العربي کوکب الشرق أم کلثوم، رحلت بصمت و هدوء بالغ ولم يتجشم من بين کل فناني أرض الکنانة سوى فنانتين فقط لحضور عزائها، وهو أمر يحز في النفس و يدعو للتأمل و الاستغراب، خصوصا عندما استحضر في ذهني قائمة طويلة بأسماء الفنانين المصريين الکبار الذين کان يجب أن لاينسوا واجبهم الاخلاقي و المهني بل و حتى الوطني و الانساني حيال هذه الراحلة الکبيرة، وعندما أتذکر تصريحات"نارية"و"استثنائية"لبعض من الفنانين"الکبار"، فإنني اجدهم صغارا و صغارا جدا أمام عظمة دور و حضور و الرسالة السامية التي أدتها بإخلاص و تفان صاحبة الصوت العذب و الساحر طوال سنوات عطائها الثر.
وحشتني، اوعدك، و أغاني أخرى کثيرة أدتها هذه الفنانة الکبيرة ذات الصوت"الاعذب" و الممتلك لکمال غريب يندر أن تجد له مثيلا بين الاصوات الاخرى، إذ أن صوتها يتميز بميزة خاصة يتيح لها غناء أصعب الاطوار الغنائية و أکثرها تعقيدا، و بشهادة الکثير من الفنانين و النقاد الکبار، فإن تقليل الفرص أمام هذه المطربة الکبيرة حرمها"ظلما"من التربع على عرش الاغنية الشرقية، ولعلنا لو تذکرنا ادائها المتقن و الفريد من نوعه لرائعة أم کلثوم"هو صحيح الهوى غلاب"، لعلمنا بأنها الوحيدة التي کانت قاب قوسين أو أدنى من مجاراة سيدة الغناء العربي، لقد کانت بحق حالة استثنائية غريبة و فريدة من نوعها ليس بالامکان تکرارها کغالبية حالات الزمن الجميل.
غادرتنا صاحبة أعذب صوت عربي لتؤکد مرة أخرى بعظمتها و تفردها بوجه کل الاصوات الاخرى، ويقينا نحن نظلم أيما ظلم هذه المطربة الکبيرة فيما لو قارنناها بتلك الاصوات"المکاکدونالدية"السائدة في هذا الزمن الردئ بفنه، ولن نملك سوى أن نقول لقد کنت أيتها الفنانة المعطاء صوتا أصيلا و ستبقين خالدة في الاذهان، لکن وللأسف البالغ لم يوف حقك في زمن يتسم بوفاء ردئ!
التعليقات (0)