مواضيع اليوم

سرقة المال العام (الحلقة الخامسة)

مصعب المشرّف

2010-06-06 17:55:35

0

سرقة المال العام

الحلقة الخامسة

ما بعد إرتكاب جريمة سرقة المال العام

عادة ما يلاحظ الناس أن سارقي المال العام بعد أن يقضوا نحبهم وتسترهم عن البشر الأحياء قبورهم . فإن أبنائهم وزوجاتهم من بعدهم سرعان ما ينكشف عنهم الغطاء وتبدأ علامات ضيق ذات اليد والعوز تدنو منهم رويدا رويدا . ولهذه الظاهرة عدة أسباب لعل ابرزها الآتي:

1) إنقطاع سيل المال العام الذي كان يتدفق بشكل متواصل داخل خزائن لصوصه بعد وفاتهم مباشرة. ومن بعد كل ذلك تبقى الفجوة الواسعة التي تفصل أبناء وزوجة أو زوجات سارق المال العام عن واقع المجتمع الحقيقي بعد وفاته .. بل هي في حقيقة الأمر عدة فجوات وليست فجوة واحدة لعل أهمها أنهم إعتادوا على معدلات صرف وسقف إنفاق بذخي مرتفع سيصبح من الصعب عليهم التنازل عنه بسهولة . وحيث يعلم الله وحده كيف وبأي السبل يستطيع جميعهم أو بعضهم تدبير حاله وصيانة معدلات إنفاقه البذخية وفقا لهذه الحقيقة. هذا عوضا عن لعنة ومغبة ما تم تغذيتهم به من مال حرام نبت به لحمهم وجرت منه دمائهم.

المؤسف أن البعض يخشى من إحتمال عدالة القضاء في الأرض ويشكك في حقيقة عدالة السماء

2) أن الله عز وجل ينزع البركة من المال الحرام ككل . ولكن نزع البركة من جهة الفقر والعوز تظهر بشكل أوضح بعد أن ينقطع سيل تدفق هذا المال فتحل اللعنة على المكنوز منه. وتسمع بعد سنوات قليلة أن زوجة الأخ المرحوم وأولاده قد شرعوا في بيع ما تركه لهم الأب من عقارات حصل عليها عن طريق الرشى أو إمتلكها وشيدها من المال العام المسروق .. وربما لا تمضي سنوات قلائل حتى تسمع بهم وقد باعوا الحلى والمصاغ الذهبية والأناتيك ثم عرباتهم الفارهة وأخيرا ذلك القصر المنيف الذي كان مقر إقامة الأسرة قبل وفاته. وعادوا للإقامة في المنزل المتواضع القديم في الحي الشعبي الذي شيده المرحوم بالمال الحلال حين كان موظف كادح محدود الدخل كحيان .

 3) غالبا ما يكون أفراد أسرة لص المال العام قد إعتادوا الإتكالية على نفوذ وأموال آبائهم خلال حياتهم . وحيث يكونون تحت ظله الوارف بالطبع أصحاب الذنب المغفور واللذين تستجاب طلباتهم على الفور خوفا وطمعا. ولكن بعد الوفاة ينفض سامر الحاشية والمنافقين وأتباع الأمس الأوفياء بحثا عن صاحب نفوذ جديد وموائد عامرة أخرى يقتاتون من فتاتها.......

 4) عادة يخجل سارق المال العام من الإفصاح أمام زوجته وأولاده عن حجم مسروقاته من المال العام وحساباته السرية في بنوك سويسرا وغيرها . خوفا من أن يفقد إحترامهم وتقديرهم له كأب وقدوة حسنة . وهو حين يفعل ذلك يظن أيضا أن ملك الموت سيستأذنه قبل وفاته بأكثر من شهرين حتى يقوم بترتيب أوضاعه وإطلاع زوجته وأولاده على أسماء المصارف والحسابات السرية التي يضع فيها مسروقاته من المال العام أو مداخيل الرشى والعمولات الحرام على أمل أن يتفرغ لتنميتها بعد إحالته على التقاعد أو حدوث إنتفاضة أو إنقلاب عسكري يطيح به وبسلطاته ..... ثم فجأة يختطفه الموت على حين غرة وهو لا يزال في منصبه التنفيذي الرفيع دون أن يدري وبلا إستئذان بالطبع .... وهكذا يموت ويدفن معه أسرار حساباته السرية ولا يأخذ منها سوى ذنوبها العظيمة بوصفها حقوق ناس ما كان يجوز مد اليد للإستيلاء عليها ظلما وجورا وإستغلالا مهما كانت الأسباب أو ساق وبرر لضميره ولنفسه وغيره من ذرائع واهية.

هذه نار الدنيا .... فكيف بنار الآخرة وأن عذاب ربك لشديد؟

5) سارق المال العام في الأغلب الأعم هما رجل أعمال بالمشاركة مع موظف حكومي كبير يعمل في دوائر السلطة التنفيذية والخدمية الحساسة . وقد إعتاد هذا الموظف المسؤول على ممارسة الإدارة العامة السيادية والنفوذ والسلطة والأبراج العاجية . وأن يخدمه الناس هو وأولاده طوال الأربعة وعشرين ساعة وهو جالس في مكتبه أو نائم في بيته على عكس رجل الأعمال إبن السوق ..... وبالتالي فإن شخصية كهذه لا يكون لديها القدرة والموهبة والخبرة في تنمية الأموال والتجارة والحياة والتعامل المفتوح وجها لوجه وسط تراب وغبار ولجاجة وتواضع وإستفزاز وتزاحم وتدافر الأسواق .. وهو لأجل ذلك إما أنه يمنح أمواله لتجار ورجال أعمال ينمونها له ويستثمرونها . أو كما سبق الإشارة إليه أعلاه يقوم بإيداعها في البنوك الخارجية كوديعة ...... وفي الحالتين تكمن المشكلة في أن بعض رجال الأعمال ، أو فلنقل أن معظمهم نهازوا فرص من الدرجة الممتازة مصابون بعمى الألوان والأديان وصائدون بطبعهم في الماء العكر والضمير لديهم يوزن بامال قبل المشاعر .... فإذا مات المسؤول تكتموا على ما لديهم من أموال إستلموها منه ولسان حالهم يردد : "يذهب الحرام حيث أتي" يبررون لأنفسهم السرقة مثلما يبررها البعض من الجهلة الذي يعتقد جهلا أن السرقة من اللصوص حلال.

النار حق وعذابها واقع مثلما الجنة حق ونعيمها مقيم

...........................

إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا:
وفي مقابل كل هذا نلاحظ أن الله عز وجل قد جعل البركة في المال الحلال وحده .. والأمثلة على ذلك كثيرة ولكننا لا نريد التصريح بأسماء رؤساء حكومات ووزارات ووزراء عاشوا طوال حياتهم وخلال فترة حكمهم وتمتعهم بالنفوذ المطلق .. عاشوا بالحلال الذي يتقاضونه كرواتب ومهايا وبدلات وإمتيازات وبدل تمثيل شهرية وفق اللوائح والقوانين السارية والمنصوص عليها من خزينة الدولة مثلهم مثل بقية الموظفين العموميين دون أن تمتد أيديهم للمال العام ...... وقد سترهم الله عز وجل بعد أن أحيلوا للمعاش أو أطاحت بكراسيهم ثورات شعبية أو إنقلابات عسكرية وأنظمة شمولية . وكذلك ستر الله أعراضهم وأبنائهم وأحفادهم من بعد ؛ فتخرجوا من أرفع الكليات في أشهر الجامعات وعملوا كأطباء ناجحين ومهندسين مرموقين ومحامين شهيرين وموظفين عاديين ورجال أعمال ذوي سمعة جديرة بالإحترام ولا يزالون أحاطت بهم بركة الله من كل جانب في داخل وخارج السودان . بل وإمتد إليهم الدعاء الصادق وإحترام عامة الناس لآبائهم وأجدادهم ..... وحيث نرجو لأمثال هؤلاء ممن تقلدوا المناصب وعفت أيديهم عن المال الحرام أن يتغمدهم الله برحمته ويسكنهم فسيح جناته.
ومن قبل هؤلاء رصد التاريخ الإسلامي ظاهرة إفلاس أبناء الأمراء من بني أمية الذين ترك لهم آباؤهم الملايين آنذاك من الدنانير ومئات القناطير من الذهب والفضة فأضاعوها بإسرافهم على اللهو الذي إعتادوا عليه في ظل آبائهم ؛ الذين كرسوا حياتهم لأجل السرقة وإرتكاب المحرمات لأجلهم . ولربما نسوا أن يعلموهم في خضم كل هذا حفظ سورتي الفاتحة والإخلاص وتعويدهم على الصلاة حتى يستغفروا لهم ويترحموا عليهم بعد وفاتهم.
وفي المقابل فقد رصد التاريخ ووثق حقيقة أن أبناء الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لم يترك لهم والدهم بعد وفاته سوى نصيبه من إرثه الذي حصل عليه من ابيه وأمه قبل أن يتولى الخلافة ..... ولكنه في المقابل حرص على غرس أسس الدين الإسلامي الحنيف في قلوبهم وقناعاتهم. فحفظوا القرآن في حياته وكانت تصرفاته أمامهم هي القدوة الحسنة الأهم في التعليم ..... ولأجل كل ذلك فقد فلحوا بعد وفاته وعمدوا إلى نصيب أبيهم من الإرث فباعـوه ثم دخلوا الأسواق متكاتفين فأكرمهم الناس لأمانتهم وحبا وإحتراما لسيرة ابيهم الناصعة فنمت تجارتهم وأصبحوا جميعهم من أصحاب الملايين في زمانهم.
.................
إنها أم المساخر ومدعاة للقرف والغثيان أن يسرق الأب أو الأم المال العام بزعم أنه يرغب في تأمين مستقبل أولاده ..... إنه تبرير أقل ما يوصف به أنه سـَـافِـلْ . أو كأنه يشارك الله بذلك في تصريفه لأمور خلقه .... بل ويشارك بالحرام ..... والمؤلم والأكثر قرفا من كل هذا وذاك أن بعضهم وفي غياب وعيه يتمثل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبرر ما يفعل من حرام مؤكد قائلا : "إن تتركهم أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس" ......
أي تحريف هذا وأي تبرير في غير محله؟ وهل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عند قوله له ذلك .. هل كان يأمره بسرقة المال العام حتى لا يترك أولاده عالة يتكففون الناس؟

وهل يظن هؤلاء أن الغنى في المال والعقار وحده ؟ ..... أوليست القدوة الحسنة والتربية الصالحة وتسليح الأبناء بالعلم النافع وغرس قيمة العمل وإحترامه وتعليمهم قدرة وموهبة الإعتماد على الذات ، ونحو ذلك من فضائل وقيم ومثل عليا تؤهلهم لمجابهة تكاليف الحياة الدنيا ومتطلبات الحياة الآخرة ... أوليس هذا هو الغنى بعينه؟

هل أطال المال عمـرا أم قصر في الأعمار الفقر؟

ما أسخف عقل الإنسان الذي يتعلق بالدنيا إلى درجة الثراء الحرام .... هذه الجمجمة ليست  نهايته المحتومة كما يظن ويعتقد ، بقدر ما هي بداية رحلته السرمدية الحقيقية .... ما أشقى الخلود حين يكون في نار جهنم والعياذ بالله.........




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات