"" وجدت هذا النص بين كومة أوراق مشابهة ، وهو غير مكتمل ، وغير مؤرخ بالضبط ، لكنه مكتوب قبل بضعة أعوام .. ""
أغلقت الباب ، ووقفتْ أمام النافذة .. رسمتْ أيقونة حبٍّ على صدرها .. رصّعتها بحباتٍ من القرنفل الطازج .. واستسلمتْ للمدى المفتوح على كل المجرات ..
وفي الهدأة ، تلقي بنفسها في أحضان الليل ، وتغفو كزيتونة جردتها الريح من ثمارها وأوراقها ..
" صمَتتْ ، لم تسْلمْ ..
" تكلمتْ ، لم تـُصَدّقْ ..
" وحين أنهكتها الظروف التي مازالت تنهش في أوجاعها ، رفعتْ بيديها الاثنتين رايتها البيضاء ، فقالوا : متعجرفة ..
وقالوا : مجنونة .. وقالوا : أنانية .. وقالوا : قوية كثور ..
لكنهم أجمعوا أنها لا يمكن أن تفعل ذلك ..
لم تمَكـِّنْ أحدًا منها ..
لهثوا خلفها طويلا .. قدّموا ما استطاعوا وما لم يستطيعوا .. عرضوا الزواج مع صك مفتوح وعلى بياض ..
ساوموها بالسر والعلن ..
راقبوا كل شيء فيها وحولها ..
بيتها .. خزانة ملابسها وسرير نومها وأدواتها الخاصة .. سيكاراتها .. فناجين قهوتها .. الكومبيوتر وطاولة المكتب .. محفظة يدها ..
ولم يوفروا البحث والتقصي عن كل من يلوذ بها من أقارب وأصدقاء وصديقات ..
وكلما تهيأ لهم أنهم أمسكوا برأس خيط ، ينجلي الأمر عن وَهْمـٍ ، وَوَهْم ..
تحيّروا في أمرها وسر عنادها وقوتها ..
ما الذي يجعلها صامدة أمام جبروتهم ؟
أظهروا لها قوتهم وجرأتهم ، لعلها ترتدع وتخاف وتتراجع .. فلم يحصدوا سوى سراب الخيبة ..
كل أنواع التهديد المباشر وغير المباشر ، مورست عليها وعلى المقربين منها ..
كان ردها حاسما صارما : لو أصاب أيُّ سوءٍ أيَّ أحد منا ، فأنتم المسؤولون ، ولن ينجو أحدكم من العقاب مرتين على الأقل .. قالتها لهم ، فردوا : إنها تتبجح ..
لم يتوقعوا ، ولم يصدقوا صمودها أمام الترغيب والترهيب ..
" ما هذه الأنثى " ؟!
قالت للقاضي : كلهم عصابة واحدة ، وكلهم منتفعون ، وكلهم مرتبطون ببعضهم بمصالح ومنافع يتبادلونها ، ولا يسمحون لأحدٍ اختراقَ صفوفهم ، ولم يتمرد أحدٌ عليهم إلا وكان له مصير محتوم ، كمصير : عبد الرحيم ، وأبي وائل ، ووليد ، وتيماء .....
وفي السجن أضافت : لكن نورا .. ليست كأي من هؤلاء ..
قالوا : هي قوية ، بلا عنف ..
ذكية ، بلا خبث ..
واضحة .. سريعة البديهة ..
لسانها سليط حين اللزوم ..
ويتطاير الشرر من عينيها ، ليحرق مَن أصابها بلؤمه ..
إذا أقدمتْ لا تتراجع .. فهي تحسب خطواتها جيدا ، وتعرف ما لها ، وما عليها ..
تستخدم كل أسلحتها المشروعة ، وتجيد صدَّ قذائفهم ، لتعيدَ توجيهها ، محوِّلة المعركة إلى ساحتهم ..
وحين خرجت من السجن بعد أيام ، ظنوا أنها مدعومة من قوى أكبر من مجموع قواهم ..
لكنهم لم يجدوا دليلا واحدا يؤكد ظنهم ..
إذن ما سر قوتها ؟!
التعليقات (0)